انكفاء جبهة لبنان إلى "الوعاء المغلي" والعين على... إيران

... إلى إيران دُر. هكذا بدا المشهد في بيروت أمس ومنها مع الانحسار النسبي المستمرّ للمواجهات على جبهة جنوب لبنان بعدما عادت «عقاربُ الساعة» إلى ما قبل 30 يوليو تاريخ اغتيال إسرائيل القيادي الكبير في «حزب الله» فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في أعقاب تنفيذ الحزب (الأحد) «ثأره» المحسوب الذي تَحَسَّبت له أيضاً تل أبيب بـ«ردّها قبل الردّ» ما وفّر فجوةً لتخفيف النار تحت «طنجرة الضغط» التي أوشكت أن تنفجر بالمنطقة برمّتها.

ومع استمرار القراءاتِ في أحداث «الأحد المشهود» التي اعتُبرت الأكثر تعبيراً عن إدراك جميع اللاعبين، حتى الساعة، مَخاطر نقْل الصراع إلى مستوى «يا قاتل يا مقتول» إقليمياً، وعن مضيّهم في ما وُصف بأنه اختبارٌ متبادَل لحدود قدرة كل منهم على التحمل في إطار لعبة «عض الأصابع» المحتدمة على تخوم حرب غزة، بدا أن جبهة لبنان التي حَجَبَ هديرُها على مدى نحو شهر مجريات التطورات في القطاع انكفأتْ وعادت الى «الوعاء المغلي» نفسه الذي كانت تتقلّب فيه منذ 8 أكتوبر كـ«ساحة مشاغَلةٍ» كادت أن تتحوّل مفتاحَ إشعال صِدامٍ في المنطقة عبر «قوس النفوذ» الإيراني بمختلف حلقاته.

وإذا كانت «تجزئةُ» الردّ بين «حزب الله»، الذي «قاد» صفوف «مَهمة الانتقام» وثأرَ لاغتيال شكر، وبين إيران التي مازالت في وضعية ON HOLD في ما خص ضربتها التي توعّدتْ بها على خلفية اغتيال إسماعيل هنية في عاصمتها (فجر 31 يوليو) - ومثلها الحوثيون على استهداف ميناء الحديدة - عكستْ قراراً إستراتيجياً بتفكيك «وحدة الساحات» موْضعياً ومرحلياً بهدف تجنّب حرب شاملة يعتبرها المحور الإيراني «فخاً» سيضعه بمواجهةٍ مباشرة مع الأساطيل الأميركية في المتوسط، فإنّ البارز في الساعات الماضية تَقَدُّمُ الإشاراتِ إلى أن طهران «لم ترمِ راية الانتقام» وأن ردّها حتمي وآتٍ.

ورغم أنه بدا من الصعب التمييز بين ما هو في إطار «الحرب النفسية» بهدف زيادة الضغط على إسرائيل للإفراج عن هدنة غزة، وبين حقيقة استعداد إيران لردّ قريب، فإنّ أجواء متناقضة سادت وسط عدم إسقاط البعض من الحساب إمكان أن تقوم طهران، وفي «استنساخٍ» لضربة حزب الله، بردٍّ مُنْضِبط وقد يكون أمنياً أو عسكرياً «مدروساً بدقة» بحيث تنتهي بدورها من «وعد الثأر» الذي بات حتى عبئاً عليها مستفيدةً في ذلك من مؤشرات إلى أن نتنياهو أظهر أيضاً أنه لا يريد الحرب الواسعة، في مقابل اعتبار أوساط أخرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ «تجرُّعه» ردّ الحزب ودَسّه «الضربة الاستباقية» فيه ربما ينصب كميناً لإيران، وهو ما تدركه، ولا سيما أن اندفاعته الاستباقية على جبهة لبنان شكّلتْ «إنذاراً سبّاقاً» لِما قد ينتظر الجمهورية الإسلامية متى لاحت رؤوس الصواريخ أو أنوف المسيّرات.

ولم يكن عابراً فيديو نشرته «وكالة إيران بالعربية للأنباء» على موقع «اكس» وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام تحت عنوان «حان وقت الدور الإيراني» وتظهر فيه أنفاق إيرانية وصواريخ بعيدة المدى منقولة على عربات أو منصوبة على منصات إطلاق وبعضها يلوح وقد رُمي، وسط أسئلة عن سر استخدام عبارة الدور وليس الردّ، في الوقت الذي نُقل عن السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني «ان ردّ إيران على جريمة الصهاينة في طهران أمر حتمي وتوقيت الرد بيد القوات العسكرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية».

المخاطر «انحسرت»

وفي الوقت الذي جرى التداول أيضاً بخبر، لم يتم تأكيده ولم يكن جرى نفيه، عن أن إيران وجهت تحذيراً إلى شركات الطيران لتوخّي الحذر عند التحليق فوق أجزاء من مجالها الجوي اعتباراً من الأول من سبتمبر المقبل، برز كلام رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية سي كيو براون عن أن المخاطر على المدى القريب لاتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط انحسرت إلى حد ما، بعد تبادل إسرائيل وحزب الله إطلاق النار من دون حدوث مزيد من التصعيد «لكن إيران لاتزال تشكل خطراً كبيراً بتفكيرها في توجيه ضربة لإسرائيل».

وجاء كلام براون لـ «رويترز»، بعد رحلة استغرقت 3 أيام إلى الشرق الأوسط، زار فيها إسرائيل بعد ساعات فقط من إطلاق حزب الله مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة عليها. وهو أشار إلى أن هجوم حزب الله كان واحداً فقط من هجومين كبيرين هُدِّد بشنهما ضد إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، حيث تهدد إيران أيضاً بشن هجوم على خلفية اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.

وقال لدى مغادرته إسرائيل: «كان لديك أمران كنتَ تعلم أنهما سيحدثان. حدث أحدهما بالفعل. والآن يَعتمد الأمر على كيفية مضيّ الثاني. كيفية رد إيران ستكون من محدِّدات كيفية رد إسرائيل، وهو ما سيكون بدوره من محددات إذا كان هناك اتساع لرقعة الصراع».

كما حذر براون من أن هناك أيضاً خطراً تشكله أذرع إيران في الشرق الأوسط الذين يهاجمون القوات الأميركية، وكذلك الحوثيون حلفاء طهران في اليمن الذين يستهدفون حركة الشحن في البحر الأحمر، كما أطلقوا طائرات مسيّرة على إسرائيل.

وقال براون إن الجيش الأميركي في وضع أفضل للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل وقواته في الشرق الأوسط مما كان عليه الأمر في 13 أبريل، عندما شنت إيران هجوماً غير مسبوق على إسرائيل، إذ أطلقت مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية. وأشار إلى قرار يوم الأحد الإبقاء على مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات في الشرق الأوسط، فضلاً عن إرسال سرب إضافي من الطائرات «إف 22» المقاتلة، وقال: «نحاول التحسين عما فعلناه في أبريل».

وذكر أنه «مهما كانت الخطط التي قد يضعها الجيش الإيراني، فإن الأمر متروك للقادة السياسيين في إيران لاتخاذ القرار. يريدون أن يفعلوا شيئا يرسل رسالة، لكنهم أيضاً، كما أعتقد، لا يريدون أن يفعلوا شيئاً من شأنه توسيع رقعة الصراع».

وفي هذا الوقت، وغداة تأكيد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أن «مهمتنا واضحة وهي إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان في أسرع وقت»، مشدداً خلال جولة له على الحدود الشمالية مع لبنان «نحن مصممون على مواصلة إلحاق الضرر بحزب الله والقضاء على قياداته»، استمرت الاستهدافات الإسرائيلية لجنوب لبنان حيث أغارت مسيّرة على سهل المجادل شرق صور ما أدى إلى اضرار جسيمة بالممتلكات والبنى التحتية وإصابة ثلاثة مواطنين بجروح، فيما أسفرت غارة على شيحين عن إصابة مواطن بجروح متوسطة.

وفي حين تم استهداف سيارة «رابيد» في مزرعة المجيدية الحدودية في قضاء حاصبيا بعدد من القنابل ما أدى الى احتراقها، مع تسجيل قصف لعدد من البلدات، نفّذ الحزب عمليتين طوال نهار أمس إحداهما ضد «مبان يستخدمها جنود العدو في مستعمرة نطوعة بالأسلحة المناسبة».

الحراك الدبلوماسي

في موازاة ذلك، استمرّ الحِراك الدبلوماسي مواكبة لمرحلة ما بعد ردّ «حزب الله» وملاقاةً للتمديد المرتقب في مجلس الأمن يوم غد لقوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب والتي تُعتبر الذراع التنفيذية للقرار 1701 مع الجيش اللبناني.

وفي الإطار، التقى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان ليزا جونسون «وتم التباحث في الأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية للبنان والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الاراضي اللبنانية، بالاضافة الى الوضع في قطاع غزة والمساعي التي تقودها واشنطن مع كل من مصر وقطر للتوصل الى وقف لاطلاق النار بين إسرائيل وحماس».

كما تم بحث مع مسألة التمديد لـ«اليونيفيل»، وجدد بوحبيب «تأكيد موقف لبنان المتمسك بأن يكون التمديد لسنة أخرى ومن دون إدخال أي تعديلات على قرار التمديد المرتقب صدوره عن مجلس الأمن».

واجتمع بوحبيب، أيضاً، مع رئيس بعثة سفارة الكويت لدى لبنان الوزير المفوض عبدالله الشاهين وجرى عرض الأوضاع الميدانية في جنوب لبنان والمنطقة والجهود الجارية للتهدئة «وتم تأكيد عمق العلاقات الأخوية ومتانتها بين البلدين والشعبين الشقيقين وعلى ضرورة تعزيزها والارتقاء بها على مختلف الصعد»، كما أورد المكتب الإعلامي للوزير اللبناني.