اي حظوظ للصندوق الائتماني وسط رفض الثنائي رفع يد الدولة عن أصولها؟

تستمر جلسات اللجنة النيابية الفرعية المكلفة دراسة اقتراحي قانونين احدهما مقدم من تكتل "لبنان القوي" والآخر قدمته كتلة "الجمهورية القوية" حول ادارة الأصول العامة من خلال انشاء صندوق ائتماني يرمي إلى رد الودائع، وسط اشكاليات عديدة لا تزال اللجنة عاجزة عن مقاربتها، نظراً إلى الاختلافات الواضحة بين الاقتراحين حول طبيعة الصندوق، وهل يكون ائتمانياً كما يقترح "التيار الوطني الحر" الذي قدم اقتراحه تحت اسم "اقتراح قانون الصندوق الإئتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها"، او يكون عبر مؤسسة مستقلة كما تقترح "القوات اللبنانية".

لا تقف الإشكاليات عند هذا الحد بل تتعداها إلى نقاط عدة تشي بصعوبة التوصل إلى صيغة موحدة، لعل اهمها ان الاقتراحين مقدمان من فريقين مسيحيين، في حين ان المقترح الذي كان تقدم به نواب كتلة "التحرير والتنمية" قد سحب من التداول، ما يعني عملياً ان لا مستقبل لاقتراحي التيار والقوات، إذا بقي الفريق الشيعي خارج النقاش والقرار. علماً ان سحب كتلة "امل" لاقتراحها يأتي في سياق ما تعتبره مصادر نيابية رفضاً للمشروع من اساسه، على خلفية رفض الثنائي الشيعي لأي مشروع يرمي إلى سحب مؤسسات وشركات من يد السلطة ووضع موارد الدولة خارج النفوذ السياسي.

اختلفت الآراء داخل اللجنة حيال جدوى الاقتراحين عاكسة عدم وضوح لاهميته. وفي رأي المصادر ان هذا الالتباس مقصود من اجل تشتيت النقاش تمهيداً لتطيير الاقتراحين. فالنائبة حليمة القعقور مثلاً عبرت في تغريدة لها عن تحفظها على الاقتراحين، مبدية جملة ملاحظات يوافقها عليها النائب ابرهيم منيمنة ايضاً. ابرز هذه الملاحظات كما أوردتها القعقور ، ان‏ المشروعين وضعا كل او معظم أصول الدولة تحت سلطة مجلس إدارة مصغر ( شبيه بفكرة شركة قابضة)، ملاحظة "عدم جدية القانونين حيث عبرا عن مجموعة أفكار في شكل مواد غير مستندة الى أي دراسة جدية لواقع الإدارة العامةومشاكلها، ولا أي دراسة جدوى تظهر أثر المشروع على إيرادات الدولة"، مشيرة إلى ان ثمة "افتعالا لرابط مصطنع بين فكرة تفعيل إنتاجية المؤسسات العامة ورد أموال المودعين .

ولا يوجد أي تشخيص لمشكلات وثغرات المؤسسات العامة وكيفية سدها".

في المقابل، اختلف رأي النائب راجي السعد الذي اكد أن هدف اقتراح القانونين تحسين إيرادات الدولة على أن تشكل استعادة أموال المودعين جزءًا من المردود المنتظر، مع تأكيد رفضه لكل طروحات الداعين الى شطب أموال المودعين ونسيانها عبر رفض أن تتحمل الدولة مسؤولياتها عن الأموال التي هدرتها، معتبراً أن الاقتراحين "يلحظان تكريس جزء من العائدات لرد الودائع ونحن نصرّ على المبدأ، وأي رفض للنقاش فيه هو تآمر جديد على المودعين وأموالهم".

هذا التضارب في الآراء يعود في الاساس إلى نقطتين محوريتين أولاهما تتصل بمبدأ ربط رد الودائع بالصندوق او اي مؤسسة مستقلة تنشأ لهذه الغاية، انطلاقاً من تأثير ذلك على اعتراف الدولة بمسؤوليتها في هدر اموال المودعين اولاً، ومن التأثير على خزينة الدولة وايراداتها ثانياً. في حين تنحو النقطة الثانية في اتجاه افتقار اي من الاقتراحين إلى شرح وافٍ حول سبل التنفيذ ما يشي بعدم وضوح او وجود آلية واضحة لهذه الغاية، ما يحمل الاقتراحين ثغرات كبيرة حيال شفافية التنفيذ وتأمين عودة الأموال إلى أصحابها.

وعليه، فإن السؤال المطروح اليوم حول مصير أعمال اللجنة التي يفترض ان تكون محددة بمهلة زمنية لا تتجاوز شهر ونصف شهر من بدء أعمالها، وهل ستفضي فعلاً إلى انجاز صيغة يمكن الركون اليها لرفعها الى الهيئة العامة وسط الالغام السياسية والطائفية والمصلحية التي تنتظرها في الطريق إلى قاعة المجلس، او ان الخوف من خروج نحو ١٥ مؤسسة مستقلة عن سيطرة القوى السياسية، ولا سيما تلك التي كرست إمساكها اخيراً بمفاصل هذه المؤسسات وإدارات الدولة، سيؤدي إلى الإطاحة بالمشروع بقطع النظر عن أهميته وجدواه، ليس من اجل رد الودائع إلى اصحابها ولو بجزء غير كبير، وانما لما سيكون عليه من تأثير على زيادة ايرادات الخزينة، وتحسين إنتاجية الدولة؟

بقطع النظر عن الاقتراحين ومندرجاتهما القابلة للنقاش والتعديل عند الضرورة، فإن المبدأ يتيح تحسين جباية الدولة لإيراداتها، كما يضع حداً للمحاصصة ويحسن الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات بعد سنوات من التراجع والترهل. في حين ان عدم اقرار اي قانون في هذا الشأن سيحرم المودعين الفرصة الاخيرة المتاحة لاسترجاع ودائعهم ويكرس سرقة العصر التي تتحمل مسؤوليتها القوى السياسية الممتنعة عن اتخاذ اي اجراء جريء في هذا الصدد.

ذلك ان تخلف الدولة عن الاعتراف بمسؤوليتها ودفعها نحو حصر تلك المسؤولية بالمصارف سيؤدي حكماً إلى افلاس الأخيرة وتولي منظومة مصرفية جديدة يجري التسويق والإعداد لها لتسلم القطاع، ولكن من دون التزام بقدرتها او رغبتها برد الودائع على قاعدة تحميل المنظومة المصرفية القائمة المسؤولية والتنصل من اي مسؤولية عن المرحلة الماضية. ويعزز هذا التوجه بعض يساريي الهوى الذين يرفضون التفريق بين ملكية الدولة لمؤسساتها وبين حقها في تقديم ادارتها.

ولا تستبعد المصادر النيابية الخلفية السياسية لطرح "التيار الوطني الحر" لهذا الاقتراح في هذا التوقيت، وقبول رئيس المجلس نبيه بري طرحه على الطاولة، في حين ان اقتراح "القوات اللبنانية" مقدم منذ نحو عام وبقي في الأدراج. وفي رأيها ان هذا الأمر يدخل في صلب المقايضات الحاصلة بين بري والنائب جبران باسيل من اجل استدراج الأخير إلى طاولة الحوار مقابل وعود بقوانين ومشاريع لا يبدو من النقاشات العقيمة الجارية انه سيكون لها مستقبل!