المصدر: اللواء
الكاتب: خالد حمادة
الثلاثاء 3 حزيران 2025 07:46:12
بعد عبارة «مادي إجرها من الشباك» التي نقلها الرئيس نبيه بري من العدلية الى المجلس النيابي أضاف بالأمس عبارة جديدة إلى قاموس المصطلحات التشريعية اللبناني «بتسخّن منسخّن بتبرّد منبرّد»، لتأكيد موقفه من مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها الذي نصّت عليه الفقرة «هـ» من مقدّمة الدستور. استدعت العبارة المذكورة زيارة لرئيس الحكومة القاضي نواف سلام إلى مقر بري في عين التينة لوقف التقاذف الحراري بين السلطتين، وتصويب التوصيف الوظيفي لصلاحيات مجلس الوزراء وصلاحيات رئيسه بتأكيده «نحن مش مرصد أحوال جوية لا منبرّد ولا منسخّن».
يسوّق مقربون من عين التينة أن حملة الرئيس بري مردها عدم إعطاء الحكومة مسألة إعادة الإعمار الأهمية المطلوبة وفق ما ورد في البيان الوزاري لحكومة سلام وفي خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون. لكن هؤلاء يدركون أن سخونة التخاطب لم تأتِ من فراغ بل بعد تأكيدات متعددة للرئيس سلام في فعاليات لدى أكثر من دولة عربية على مسألة حصرية السلاح بيد الدولة، الأمر الذي لم تستسغه منابر سياسية وطائفية تدور في فلك حزب الله وحركة أمل بالرغم من أن حصرية السلاح هي العنوان الرئيس في خطاب القسم كما في البيان الوزاري .
من جهة أخرى يدرك الرئيس بري أنّ مسألة عدم تأمين التمويل المطلوب لإعادة الإعمار دونها عقبات يأتي في مقدّمتها عدم تطبيق مندرجات اتّفاق وقف إطلاق النار وعدم القدرة على إقناع الجهات الدولية والعربية المانحة بأن ما أنجز حتى الآن يشكل أساساً متيناً لا عودة عنه لاستعادة سيادة الدولة وليس التفافاً على القرار الدولي. وبهذا المعنى يصبح الضجيج المثار من قبل الرئيس بري ومسؤولي حزب الله محاولة واضحة لتوجيه الغليان الذي يعيشه اللبنانيون بعد تدمير منازلهم ومتاجرهم نحو رئيس الحكومة قبل أن ينفجر بوجه من أطلق حرب الإسناد ومن لا زال يتمسك بالسلاح خارج سيطرة الدولة. وفي هذا السياق لا يمكن قراءة الإعتداءات الأهلية المبرمجة على قوات اليونيفيل كرسائل اعتراضية حيال ما تقوم به هذه القوات من مهام، بل في إطار إنتاج دينامية شعبوية رافضة وقابلة للإستثمار بمواجهة الواقع الجديد الذي يمثله إنكفاء حزب الله ومطالبة المجتمع الدولي بنزع سلاحه.
ما هي الآفاق المتاحة أمام استمرار هذا السلوك الذي وإن بدى على المستوى المحلي قادراً على وضع العقبات أمام تنفيذ القرار 1701 وتفكيك الذراع العسكري لحزب الله وتسويق فرضية الإبقاء على السلاح تحت طائلة تهديد الإستقرار الداخلي؟
كان لافتاً النقد الذي وجَّهه توم باراك، السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا نهاية الأسبوع المنصرم لإتفاقية سايكس بيكو التي قسّمت الأمبراطورية التركية لتحقيق «مكاسب إمبريالية، لا سلام»، معتبراً «إن تقسيم سوريا كان خطأ تاريخياً لن نكرره». ربما يمثّل إقرار الولايات المتحدة بالإرث الكارثي لخرائط الإستعمار في الشرق الأوسط مؤشراً إيجابياً، لكن لا بد من الإعتراف بالقلق ازاء توقف الغرب عن رسم الخرائط في نظام ما بعد سايكس بيكو .
موقف باراك لا يمثل اعتذاراً يقدم لشعوب المنطقة حيال الأخطاء التي ارتكبتها القوى الغربية بل وجهة النظر الأميركية في إدارة المنطقة بعد إسقاط النزاعات الحدودية التي أوجدتها سايكس بيكو والتي ستؤدي بدورها الى إعادة توصيف التهديدات وتحديد الأعداء وبالتالي إلى تعديل الاستراتيجيات الدفاعية والعقائد العسكرية ودور الجيوش وإعادة هيكلتها.
ما أدلى به السفير باراك ليس دعوة للعودة الى سوريا الكبرى أو لدمج لبنان في بلاد الشام، بل دلالة أن الغرب لم يعد يرى في الأنظمة التعدّدية والتوافقية ومنها لبنان نموذجاً قابلاً للتطبيق بل يرى أن ضمانة الإستقرار هي أفضل في الأنظمة المتجانسة طائفياً.كما إن عبارة «لا سايكس بيكو جديدة» ليست مجرد إشارة سياسية، بل هي تحذير للبنان وسوريا في حال الفشل في الإنضمام الى الحوار الإقليمي وتبلور هياكل إقليمية جديدة قائمة على اتّفاقات ثنائية ومبادرات خليجية واستمرار الإنقسامات الداخلية المتجذرة. وقد يكون في ما أدلى به الشرع لصحيفة «جويش جورنال» الأسبوع المنصرم في معرض امتناعه عن التطبيع الفوري مع إسرائيل ورغبته في العودة الى اتّفاقية فك الإرتباط لعام ١٩٧٤ كإطار لضبط النفس المتبادل وحماية المدنيين دروز سوريا ليسوا بيادق. إنهم مواطنون - متجذرون، موالون تاريخياً، ويستحقون كل حماية بموجب القانون. سلامتهم غير قابلة للتفاوض»، ما يشير الى خوف من فشل تجربة التعددية في سوريا.
يحاكي حراك السفير الأميركي المقيم في تركيا والموفد الخاص الى سوريا ـــــــ والعازم على زيارة إسرائيل الأسبوع الجاري ومعاينة الحدود الإسرائيلية السورية نهماً أميركياً لصياغة مستقبل جديد لبلاد الشام لن يبقى لبنان خارج دائرته، حيث تبدو وحدة المسارين اللبناني والسوري حتمية أميركية هذه المرة يعلنها توماس باراك من دار الخلافة العثمانية في الأستانة هذه المرة.