المصدر: النهار
الكاتب: رضوان عقيل
الجمعة 28 حزيران 2024 07:55:37
لم تكن زيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين محطة عادية في بيروت لرعاية نشاط اليوم الوطني لمنظمة فرسان مالطا، على أهميتها وتقديماتها في البلد، في توقيت أكثر من خطِر يهدد البلد والمنطقة على وقع جملة من الملفات الأمنية والسياسية الساخنة.
تقرأ شخصية إسلامية مجربة في حقل التعاون مع المسيحيين ومحاورتهم بعيداً من لغة الاستهلاك، أن بارولين يعي جيدا خطورة ما يهدد لبنان في المستقبل إذا مضى الأفرقاء والمكونات الطائفية على هذا المنوال. ويطلق بارولين أحكامه بهدوء بفعل مراسه الديبلوماسي الطويل، انطلاقا من موقعه الثاني في الفاتيكان بعد البابا فرنسيس، فيعاين شؤون لبنان وتشعبات المنطقة بإسهاب ومتابعة دقيقتين من أيام البابا الراحل يوحنا بولس الثاني. ورغم تمتعه بكل أصول الديبلوماسية وقواعدها فهو لا يخفي أن رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم التي يمثلها البابا فرنسيس متخوف من وصول الأمور في لبنان الى هذا المستوى من الخلافات بين أهله.
ينقل بارولين عبارة البابا "قلق جداً على لبنان"، ويخلص الى القول إن الفاتيكان لن يترك لبنان. وقد التقى على هامش زيارته السياسية قبل الدينية مجموعات من الشخصيات من مختلف المشارب، ولم يخف رفض دولته بقاء الشغور المفتوح في رئاسة الجمهورية التي ناقش موضوعها وتعقيداتها بكل تفاصيلها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويعبر الأخير عن ارتياحه إلى ما دار بينه وبين المسؤول الفاتيكاني، مع تشديده على ثابتة ضرورة حصول الحوار بين الأفرقاء لأنه لا يزال يرى فيه العامل المساعد والأول في التوصل إلى انتخاب رئيس الجمهورية من دون وضع أي شروط مسبقة، على أن تؤدي هذه الخلاصة إلى جلسات انتخاب طبيعية مع تأمين نصابها المطلوب، ولو بقيت الكتل على الأسماء التي ترشحها أو تلك التي ترفضها.
وثمة نقطة تصب في مصلحة بري، أو العكس بحسب تفسيرات كل فريق، وقد قالها بارولين من عين التينة، ان "الحل لأزمة الرئاسة يبدأ من هذا المقر، وان المسيحيين يتحملون المسؤولية لكنهم ليسوا وحدهم"، في إشارة منه إلى أن مهمة الانتخاب من واجبات الجميع.
وكان بري قد طرح على بارولين محاولة العمل على المساهمة في جمع الأقطاب المسيحيين الأربعة على أساس أن "حصول هذا الأمر يساعد في تقريب المسافات المتباعدة في بينهم".
من يستمع إلى بارولين يلمس حجم متابعته وعمق تبحره في الملفات اللبنانية الشائكة. ولا يتكل على الدور الكبير الذي تؤديه سفارة بلاده في لبنان، إذ ثمة مجموعة من المستشارين اللبنانيين يتعاونون معه وهم على تواصل مع دائرة مكتبه في الفاتيكان. ويزودونه تقارير ودراسات عن حقيقة ما وصلت اليه أحوال المسيحيين والمسلمين، مع التشديد على أن المطلوب الاستمرار في الانفتاح بين المسلمين والمسيحين وتطبيق مضمون وثيقتي الأزهر والأخوة الإنسانية في أبو ظبي، فضلا عما توصل إليه مع المرجع علي السيستاني في النجف.
وفي خلاصة محطة بارولين في بيروت، ثبت أن زيارته حملت طابعاً سياسياً، علما أنه في موقع رئيس الحكومة في الفاتيكان الذي يتابع شؤون الكاثوليك والعالم ويملك قنوات ديبلوماسية مع جهات عدة يمكن لبنان استثمارها إذا احسنت مكوناته الاستفادة منها.
الاستمرار في الفراغ الرئاسي لا يصب في مصلحة اللبنانيين، وهذه المصلحة لكل الطوائف المسيحية والإسلامية على السواء. وفي المعلومات أن بارولين تلقى تحذيرات من الموفد الفرنسي جان- أيف لودريان الذي أطلعه على عمق الأخطار التي تهدد لبنان نتيجة ما وصلت إليه الامور من سوء بين الأفرقاء والكتل النيابية. وتلقى الكاردينال كل هذه المعلومات بعد القمة الفرنسية - الأميركية الأخيرة في النورماندي. ويتوقف بارولين عند توقيت حساس يفرض وقعه على لبنان والمنطقة التي قد تتجه الى ترتيبات وتبدلات جديدة، مع الخشية أن يكون رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في المنطقة غائبا عن طاولة المفاوضات الدولية وسط كل هذه التبدلات والقرارات الكبرى في حال حصولها.
وإذا كان من مصلحة البعض بحسب شخصية مسيحية التقت بارولين من دون إعلام التفرج على هذا الستاتيكو من الفراغ المفتوح في رئاسة الجمهورية، فإن سلبيات هذا الأمر سترتدّ على الجميع ولن توفر أحداً.
يبقى أن أمين سر الفاتيكان يلتقي مع الفئة الكبرى من اللبنانيين الذين لا يزالون يؤمنون بالشركة المسيحية الإسلامية، ويعي الفاتيكان جيدا أهمية هذا المعطى الإيجابي. وفي خضم كل هذه التحديات يفهم من رئيس ديبلوماسية الفاتيكان أنه لن يتراجع عن بذل مساعيه مع الجهات اللبنانية وكل المعنيين للعمل على انتخاب رئيس للجمهورية، مع تشديده الدائم على الشركة الحقيقية بين المسيحيين والمسلمين وخصوصا في لبنان، والعمل على تثبيتها في الحاضر والمستقبل.