بالصور والفيديو- سابقة في "حزب الله".. أبناء القادة يتمرّدون على "الحصرية"

أخذ أبناء قادة "حزب الله" على عاتقهم مهمة التأريخ البصري لتجارب آبائهم الذين استشهدوا في الحرب الأخيرة، في سياق جديد تفتتحه عائلات هؤلاء، خلافاً لتجربة 30 عاماً من الحصرية الإعلامية التي اتسمت بها التجربة، عبر الإعلام الحربي، ومنصات الإعلام المركزية والرسمية في الحزب. 

أبناء وبنات القادة: فؤاد شكر (رئيس اركان الحزب)، وابراهيم عقيل (قائد قوة الرضوان)، وابراهيم جزيني (قائد أمن نصر الله ومستشاره)، وعلي كركي (قائد جبهة الجنوب) وغيرهم، يخرجون آباءهم الى الضوء بعد أكثر من 40 عاماً من التواجد في الظل. استطاع هؤلاء من الوصول الى أرشيف حربي، وآخر من العلاقات الحزبية، إضافة الى محتوى عائلي تم نشره في مناسبات محددة، تفضي جميعها الى قرب هؤلاء من أمين عام "حزب الله" الراحل حسن نصر الله، والجيل المؤسس من القادة العسكريين في الحزب، وبينهم الراحلان عماد مغنية ومصطفى بدر الدين. 

والحال أن توافر هذا المحتوى، خارج إجراءات الحزب المعتادة، والتي كانت تفرض حصرية للأرشيف والصور والفيديوهات الخاصة بقادته العسكريين والأمنيين، أنتج صفحات إلكترونية في منصات التواصل الاجتماعي بأسماء القادة الراحلين، فضلاً عن صفحات أخرى تضطلع بنشر المحتوى، وتحمل أسماء أبناءهم وبناتهم. 

هذه الظاهرة كسرت الإطار التقليدي المألوف، وأثارت نقاشات واسعة حول طبيعتها وأبعادها، خصوصاً أنّها تخرج عن المسار الذي ظلّ منضبطاً لعقود طويلة تحت إشراف وحصرية النشر عبر الإعلام الحربي لـ"حزب الله".

ما بعد التذكاري أو العاطفي

وتبدو تلك الصفحات أقرب إلى مبادرات شخصية يقوم بها أبناء أو بنات القادة الشهداء. هذا ما يجعلها حالة جديدة، تفلتت من قيود الانتقاء الدقيق (الأمني والسياسي والعسكري) للمواد وصياغتها، وخرجت من إطارها الزماني إذ كانت تُنشر في مناسبات محددة ووفق رؤية سياسية وأمنية دقيقة.

اليوم، وعلى عكس تلك الحقبة، يجد الجمهور نفسه أمام صور ومقاطع تُبث من أرشيف عائلي أو خاص، وتُنشر عبر منصات عامة مفتوحة، وهو ما يحمل أبعاداً تتجاوز الجانب التذكاري أو العاطفي.

الأرشيف والأمن

اللافت أنّ هذه المبادرات طرحت أسئلة كثيرة، أولها: كيف صار الأرشيف ـ الذي يُفترض أنه حسّاس ـ في أيدي الأبناء أو العائلة، بينما كان في الماضي محصوراً لدى جهة واحدة معنية؟ وثانيها: لماذا لم يعد الإعلام الحربي، هو المظلة الوحيدة لنشر هذه المواد؟

هنا تبرز إشكالية كانت محطَّ انتقاد، تتعلق بظهور أشخاص ما زالوا على قيد الحياة في بعض الصور أو المقاطع، رغم تمويه وجوههم. وقد ازداد الاعتراض بعد صدور تقارير تقنية تحدثت عن احتمالات عالية جداً من تمكّن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، من كشف الوجوه المموّهة، وهو ما يجعل هذه المواد المنشورة خطراً محتملاً على سلامة شخصيات ما زالت فاعلة ميدانياً وتُعدّ أهدافاً لإسرائيل، خصوصاً في ظل استمرار الاغتيالات شبه اليومية التي تطاول عناصر وكوادر من "حزب الله".

ضغط الانفتاح الرقمي

المفارقة أن القادة الذين أُنشئت صفحات بأسمائهم، هم أنفسهم الذين عُرفوا في بيئتهم ومجتمعهم الصغير بالانضباط الشديد والابتعاد عن الأضواء، فكانوا يتفادون الحضور في الأماكن العامة والمناسبات الرسمية، كما كانوا يتجنّبون التصوير أو الظهور في أي لقطة فوتوغرافية أو إعلامية. اليوم، يظهر إرثهم الشخصي عبر حسابات يديرها الأبناء أو العائلات، في مشهد يجمع بين إرث السرّية التي طبعت مسيرتهم وضغط الانفتاح الرقمي الذي بات يفرضه عصر وسائل التواصل الاجتماعي على الأجيال الجديدة.

يمكن القول إن ظهور هذه الصفحات يمثل سابقة في بيئة حزب الله، لأنها كسرت الأسلوب التقليدي في التعاطي مع صور وأرشيف القادة، وفتحت الباب أمام أسئلة أمنية وإعلامية حساسة. فهي من جهة تعبّر عن وفاء طبيعي من الأبناء لعائلاتهم، لكنها من جهة أخرى تطرح مخاطر جدية في ظل التطور التكنولوجي وواقع الاغتيالات المستمرة. لذلك تبقى هذه الظاهرة نقطة خلافية، بَين من يراها مساحة للتعبير العائلي والإنساني، ومن يعتبرها ثغرة قد تستدعي ضبطاً أشد في المستقبل.