بدل نقل 150 ألف ليرة.. أيعفي الموظف من السُّخرة؟

قرارات ومراسيم عديدة صدرت لتمكين الموظفين في القطاعين العام والخاص من مواجهة غلاء المعيشة والتضخم الذي دهم رواتبهم وحوّلها، خلال عامين وبضعة أشهر، إلى فتات لا تغطي تكلفة وصول الموظف إلى عمله. والقرارات والمراسيم، وعلى الرغم من هزالة تقديماتها، لم تدخل حيّز التنفيذ حتى اللحظة.
أولى "ضحايا" التقديمات كان المرسوم الذي تم توقيعه منذ أشهر بين الاتحاد العمالي العام، الذي يمثل العمال، والهيئات الاقتصادية، التي تمثل أصحاب العمل، وتحت مظلة وزارة العمل. وقضى المرسوم بزيادة مليون و325 ألف ليرة على الحد الأدنى للأجور بدل غلاء معيشة، وهذا المرسوم لم يدخل حيز التنفيذ حتى اللحظة.
حتى القطاع العام لم ينج من مماطلة السلطة وتسويفها. فالقرارات التي اتخذتها الحكومة بشأن تقديم مساعدات اجتماعية على صورة مبالغ مالية مقطوعة شهرية، لم يتم تنفيذها حتى اللحظة. حتى القطاعات العسكرية لم تسلم من حفلة النفاق التي ترعاها الحكومة. فبدلات النقل التي أقرت لم يحصل عليها الأمنيون والعسكريون حتى اليوم.

تقديمات مع وقف التنفيذ
أمام هذا المشهد بات الحديث عن زيادة رواتب أو بدلات نقل أو أي تقديمات اجتماعية، مجرّد كلام لا قيمة فعلية له. فلا القرارات تسلك طريق التنفيذ ولا الموظفون في القطاعين العام والخاص قادرون على مواجهة انهيار قيمة رواتبهم، أو مواكبة ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمحروقات والأدوية وغيرها. والنتيجة باتت أشبه بـ"شيكات من دون رصيد" وفق تعبير رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.
وعلى الرغم من تعطيل أو ربما تأخير وعرقلة تنفيذ الزيادات على الرواتب والمساعدات الاجتماعية وبدلات النقل، ومع استمرار تدهور العملة ومعها رواتب الموظفين، يستمر الأسمر بالسعي إلى الاستحصال على 150 ألف ليرة لموظفي القطاعين العام والخاص. ولكن هل يحل بدل النقل أزمة الموظفين أو هل يمكنه التخفيف من حدة الأزمة وتأمين وصول الموظفين إلى مقار عملهم؟ وهل سيلازم الموظفون مكاتبهم في حال رفع بدل النقل إلى 150 ألف ليرة؟

زيادة بدل النقل
مع ارتفاع أسعار المحروقات لا سيما البنزين بشكل مستمر، وتزايد الضغوط المعيشية على الموظفين، بادر رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر إلى إعادة فتح ملف بدلات النقل، مطالباً برفعه يوميًا إلى 150 ألف ليرة، على أن يكون متلازماً بين القطاعين العام والخاص. فباشر التواصل مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من جهة، ومع الهيئات الاقتصادية من جهة أخرى، للتوصل إلى اتفاق مشترك مع ممثلي القطاعين العام والخاص بشأن اعتماد بدل النقل المذكور.
مع العلم أن بدل النقل الذي سبق أن أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بقيمة 64 ألف ليرة، لم يتم صرفه حتى اللحظة للعديد من القطاعات. وليس هذا فحسب بل أقر بشكل مقطوع لجميع الموظفين بصرف النظر عن المسافة التي تفصل بين بيت الموظف ومقر عمله، كما تم ربطه بالحضور إلى مكان العمل على مدى 3 أيام أسبوعياً بالحد الأدنى.
وحسب الوعود التي تلقاها الأسمر من المعنيين يرجّح في حديثه لـ"المدن" أن يتم صرف المساعدات الاجتماعية الموعودة وبدلات النقل السابقة في العاشر من الشهر الجاري (10 أيار). وذلك بعد انتهاء وزير المالية من تمرير المرسوم الذي يعطي مساعدة مقطوعة، وكذلك حصل مع الرئيس ميقاتي وأكد صرف بدل النقل خلال الاسبوع المقبل.

أعمال بالسُخرة
المشكلة لا تقتصر على بدل النقل. فالزيادة مهما بلغت حتى وإن تمت تغطية تكلفة النقل كاملة، فذلك لا يلغي أزمة راتب الموظف إن بالقطاع العام أو الخاص. فالراتب بحد ذاته فقد قيمته، الامر الذي يجعل من حضور الموظف إلى عمله بلا حوافز وجدوى. ويتراوح متوسط رواتب الموظفين في القطاع العام بين مليون و200 ألف ليرة ومليونين و500 ألف ليرة. أي ما لا يزيد عن 90 دولاراً شهرياً بأحسن الأحوال. من هنا بات حضور الموظف إلى عمله مجرّد مضيعة للوقت بنظر الآلاف من الموظفين. بمعنى أنه حتى لو تم رفع بدل النقل إلى 150 ألف ليرة يومياً، فذلك يغطي تكلفة نقل الموظف إلى عمل "السخرة"، من دون أي مقابل. فالراتب عاجز تماماً اليوم عن تأمين معيشة فرد واحد وليس عائلة.
وتعلّق رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر في حديث إلى "المدن" بالقول إن زيادة بدل النقل مهما بلغت قيمتها لن تحل مشكلة الطبابة والمعيشة لدى الموظف وعمل السخرة الذي بات اليوم مفروضاً عليه. وتذكّر نصر بضرورة مقاربة مسألة بدل النقل من زاوية أخرى، فلا جدوى من رفع بدل النقل بشكل مستمر من دون وضع خطة عادلة لبدلات النقل تتناسب وبُعد المسافات بين مقر سكن وعمل كل موظف. بمعنى آخر تدعو نصر إلى اعتماد بدل نقل يتناسب وعدد الكيلومترات. فمن غير العادل أن يتقاضى موظف يسكن بجانب مقر عمله بدل نقل مواز لموظف آخر يتنقل من منطقة إلى أخرى يومياً أو على مدى 3 أيام اسبوعياً.

وإذا ما قارنا بدل النقل المطروح اليوم للنقاش، أي 150 ألف ليرة، مع سعر صفيحة البنزين، قد يكون شبه منصف باعتبار أن بدل النقل قبل الأزمة كان 8000 ليرة، في وقت كان سعر صفيحة البنزين في محيط 24000 ليرة. واليوم يتم البحث ببدل نقل بقيمة 150 ألف ليرة في حين صفيحة البنزين في محيط 500 ألف ليرة... لكن الأزمة ليست ببدل النقل إنما في الراتب بحد ذاته. إذ كان الحد الأدنى للأجور قبل الأزمة يوازي 450 دولاراً فقد يبلغ اليوم نحو 25 دولاراً فقط (باحتساب سعر صرف الدولار عند 27000 ليرة). بمعنى آخر لقد ذاب الراتب كلياً، فما قيمة زيادة بدل النقل؟