المصدر: نداء الوطن
الكاتب: سامر زريق
السبت 31 أيار 2025 06:56:00
برنامج تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية المصاغ من قبل اللجنة اللبنانية - الفلسطينية المشتركة التي سارع رئيس الحكومة إلى تشكيلها، وفق خطة متدرجة من 3 مراحل، وبإطار زمني لا يتجاوز مطلع الخريف المقبل، كشف عن مدى جدية الرئيس نواف سلام في تنفيذ مندرجات البيان الوزاري لحكومته، والخطوط العريضة لخطاب القسم، ولا سيما تلازم مساري الإصلاح وتفكيك الجيوب والهياكل العسكرية والأمنية.
حسب مصادر قريبة من دوائر رئاسة الحكومة، فإن الخطة تنص على تسليم الفصائل الفلسطينية سلاحها بشكل مباشر إلى الجيش والأجهزة الأمنية، على أن يعقب عملية التسليم دوريات منتظمة للأجهزة اللبنانية داخل المخيمات، للتأكد من استتباب الأمن ومنع أي طرف من استغلال فرصة أو فجوة قد تتشكل مستقبلاً بحكم تطور مسار الأحداث من إعادة إنتاج هياكل أمنية وعسكرية تفرض هيمنتها.
وبالتالي فإن البرنامج المطروح يعيد المخيمات الفلسطينية إلى "كنف الدولة" بعدما كانت على مدار عقود "جيوباً" خارج سلطتها يتزاحم فيها نفوذ حكومات وأجهزة استخبارات. فيما عرقلة عملية التسليم ستقابل بإجراءات حكومية مشددة ضد المعرقلين تصل إلى حد إلغاء إقامات وترحيل قيادات، وملاحقة مطلوبين كانوا يتمتعون بهامش من حرية الحركة إبان وصاية الحزب الإلهي.
يدرك "الحزب"، الذي كان يتذرع بأسبقية سحب سلاح الفصائل الفلسطينية والسلاح السني عموماً، أنه بعدما جرى تطهير 80 % من جنوب الليطاني، سيصار إلى البدء بقواعده وأنفاقه شمال الليطاني قريباً، وصولاً إلى معقله الحصين في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبشكل أسرع مما كان يتوقع، حيث تتعامل الحكومة والعهد مع عاصمة نفوذه وفق الآية الكريمة "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً".
وإن كان الدخول إلى مخيمي "مار الياس" و"شاتيلا" يعد ميسّراً سياسياً، حيث لا يسع العصابات المنظمة في الثاني "مقاومة" قبضة الدولة، فإن مخيم "برج البراجنة" يشكل بروفة لرد فعل "الحزب" وكيفية تعامله حينما يصير موعد جعل الضاحية الجنوبية منزوعة السلاح. وهذا بالضبط ما فجّر غيظ "حزب الله" ودفعه إلى شن هجوم عارم ضد رئيس الحكومة، سبق الموقف الذي أعلنه حول انتهاء عصر تصدير الثورة الإيرانية، ولم يوفر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تعرض لهجوم لا يتسق مع مفاهيم خطب الجمعة وأدبياتها.
يقول الله تعالى في سورة الإسراء "واستفززْ من استطعت منهم بصوتك وأجْلِب عليهم بخيْلك ورجلك". هذه الآية تجسد حال "حزب الله"، حيث يبدو في الأيام الأخيرة خصوصاً كمن "مسّه طائف من الجن"، إذ راح يستفزّ كل حلفائه ومَواليه، حتى داخل حركة "فتح" نفسها، وضاعف وتيرة تحرشات "فوج الأهالي" بقوات "اليونيفل"، لوضع الرئيس سلام تحت ضغط هائل، ومن خلفه "العهد".
استراتيجية الهجوم الاستباقي هذه اشتملت على جهد إعلامي هائل لاصطناع تباين بين بعبدا والسراي الحكومي، دفعت بالرئيس جوزاف عون إلى التدخل عبر الجملة المفتاحية التي قالها وزير الإعلام بأن "ملف السلاح في عهدة رئيس الجمهورية" بقصد احتواء موجة الضغط المفتعل على رئيس الحكومة، وتوجيه رسائل لمن يعنيهم الأمر بأن الآليات التنفيذية التي تمضي بها الحكومة تحظى بدعم رئاسي صلب.
في المقابل، لا يلتفت الرئيس سلام لخطاب "الحزب" الهجومي وحملاته الضارية، ويتعامل ببرودة "العارف" بحراجة وضعه وحاجته إلى بيع الوهم لجمهور اعتاد التعبئة ومفردات "خطاب الكراهية" وأنه "أشرف الناس". كما كان يدرك منذ البداية أنه ضيف ثقيل وغير مرغوب به من قبل القوى السياسية التي تشكل ثنائية "المافيا والميليشيا"، وأنها لن تتورع عن عرقلة برنامج حكومته وإفشالها لإعادة إنتاج نفوذها ومصالحها. ويعتبر أن أفضل رد عليها هو العمل لتخليص الدولة من براثن الدويلة وجيوبها وشركائها، وفق قاعدة "ما لم يتحقق بالعمل، يمكن تحقيقه بالمزيد من العمل".