برودة المساعي الخارجية وجليد الحوارات الداخلية: شتاء "الفراغ"

كتب منير الربيع في المدن: تراجع منسوب التعويل الداخلي على بورصة المواقف والمساعي الخارجية، لإنتاج تسوية لبنانية. بعد موقف أمين عام حزب الله حول عدم التعويل على مساع خارجية من شأنها أن تقود إلى إنجاز تسوية سياسية لبنانية، تقضي بانتخاب رئيس وتشكيل الحكومة.. بدأت القوى اللبنانية في البحث عن مضمون هذا الكلام.
اتصالات متعددة أجريت من قبل مسؤولين لبنانيين بجهات خارجية لتلمّس حقيقة المواقف الإقليمية والدولية. يصل بعض المسؤولين إلى قناعة بأن كل ما جرى من اتصالات ولقاءات في الفترة السابقة، حول الملف اللبناني، لم تصل إلى النتيجة النهائية حتى الآن. وتشير المصادر إلى أن المساعي مستمرة ولكن ربما خفتت وتيرتها.

ضمن ملف الإقليم
تستدل المصادر اللبنانية على هذا الكلام بالاستناد إلى ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً، في مؤتمر بغداد 2، الذي عقد بالأردن، حين قال إن حل الأزمة اللبنانية والسورية والعراقية يحتاج إلى تضافر الجهود السابقة بين الدول المعنية. وهذا الكلام تعتبره المصادر بأنه يحيل الأزمة اللبنانية إلى معالجة ملفات المنطقة والإقليم. أي أن التسوية في لبنان قد تكون بحاجة إلى انضاج تسوية أوسع في المنطقة.
في هذا المضمون ثمة التقاء وتقاطع مع كلام نصرالله، ولكن في الوقت نفسه هناك تعارض معه. فنصرالله شدد على أن لا اهتمام خارجياً بلبنان، ولا علاقة للملف النووي الإيراني ولا للمفاوضات السعودية الإيرانية بمعالجة الأزمة اللبنانية. وهنا مكمن التناقض مع جوهر كلام ماكرون. أما لجهة التقاطع، فإن حديث نصرالله عن طول أمد الأزمة والانتظار طويلاً في حال لم يتم حصول توافق داخلي، يعني أن الحلّ سيكون مستبعداً. وبالتالي، فمضمون الموقف يشير بشكل غير مباشر إلى أن الاستعصاء الداخلي سيكون بحاجة إلى دفع خارجي لتجاوزه. وحتى الآن، فإن هذا الدفع غير متوفر نظراً لانشغال القوى الإقليمية والدولية بملفات أخرى.

اجتماع باريس
هنا تقول المصادر المتابعة، إنه كان هناك بوادر لوضع خطة عمل لبنانية تساعد عليها القوى الإقليمية والدولية، ولكنها لم تصل إلى خواتيمها. في المقابل، يبقى التعويل على الاجتماع المنتظر في باريس، والذي سيضم الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، المملكة العربية السعودية، ودولة قطر للبحث في الملف اللبناني. حسب ما تقول مصادر ديبلوماسية، لم يتحدد حتى الآن الموعد النهائي لهذا الاجتماع، والذي قيل إنه سيعقد منتصف الشهر الحالي، فيما هناك إشارات أخرى تفيد بأنه قد يتم تأجيله حتى شهر شباط المقبل. ولكن هذا الأمر لم يحسم بعد، بانتظار التواصل بين الدول المعنية والمهتمة.

في المقابل أيضاً، وبنتيجة عدم وضوح برنامج عمل هذا الاجتماع وموعده، تلجأ قوى لبنانية إلى اعتبار أنه لم يعد بالإمكان التعويل على النتائج السريعة التي قد يحققها اجتماع الدول الأربع، لا سيما أنه لا بد أيضاً من التواصل مع إيران، والتي تمرّ علاقتها مع باريس في أزمة حالياً، فيما التعويل الأساسي يبقى على الدور الذي ستكون دولة قطر قادرة على لعبه بين هذه العواصم المتناقضة. إلا أن ذلك سيكون بحاجة إلى المزيد من الوقت. وهنا تقول المصادر إن مسؤولين لبنانيين زاروا باريس مؤخراً، وعقدوا لقاءات مع مسؤولين، إلا أنهم لم يلمسوا اقتراباً لموعد الحلّ أو التسوية، فيما سمعوا كلاماً واضحاً بأن باريس منفتحة على كل الخيارات، ولا تضع فيتو على أحد، ولا تتمسك بمرشح واحد، إنما الأهم هو توفر عناصر التوافق.

الحزب الواثق
لكل هذا السياق انعكاسات متعددة على الساحة الداخلية، سواء من خلال تحركات جديدة ستشهدها الساحة السياسية بين عدد من الكتل النيابية، وهو ما كان قد طالب به نصرالله من خلال تشديده على عقد جلسات حوار ثنائية أو ثلاثية.. بالإضافة إلى حركة أخرى تقوم بها كتل وسطية أو في المعارضة.

يبقى الانعكاس الأساسي على بعض ما يقدّمه معارضون للحزب من قراءات، تبدو بالنسبة إليه خاطئة، عندما يقول هؤلاء مثلاً إن الحزب في وضع مربك، أو أن تحالفاته تمر في حالة تضعضع. هذا الأمر لا يبدو واقعياً بالنسبة إلى الحزب، والذي يعرف جيداً أن لا تسوية في لبنان يمكن أن تحصل من دون موافقته. أما بالنسبة إلى الرهان على الخلاف بينه وبين التيار الوطني الحرّ، فهذا الأمر يحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجته. وهنا يبدو الحزب واثقاً من تحقيق ما يريده، في مقابل تقديمه موقفاً سياسياً متكاملاً يتضمن الانفتاح على أي خيار يمكن أن يؤدي إلى تسوية أو توافق. بل ويعتبر الحزب أن التضعضع يصيب الآخرين من خصومه، والذين لا تبدو مواقفهم منسجمة.