المصدر: أساس ميديا
الكاتب: نقولا ناصيف
الجمعة 14 شباط 2025 08:08:16
بفضل “بركات مار مارون” بشّر رئيس البرلمان نبيه برّي في 8 شباط بتأليف حكومة الرئيس نوّاف سلام. وعلى غرار ما بات شائعاً مِن أنّ مَن يتذكّر الرئيس فؤاد شهاب وعهده هم المسلمون لا المسيحيون، صار يقول لبرّي مَن راح يروي له ما شاع في خلال عيد القدّيس مارون، وبعده في مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها: بعدما حضر القدّاس للمرّة الـ33، وهو عمر وجوده على رأس السلطة الاشتراعية، بينما حضره رؤساء الدولة الذين رافقهم مذّاك بين ستّ أو تسع سنوات تبعاً لعمر ولاياتهم، آن الأوان لرئيس المجلس أن “يتعمّد” (تقبّل سرّ العماد). أمّا هو فردّد ما نُقِل إليه: بعد 33 مرّة من حضور قدّاس مار مارون “صار فيني صحّح للبطرك”.
يبدي الرئيس نبيه برّي ارتياحاً أمام زوّاره إلى تأليف الحكومة الجديدة. ينتظر بيانها الوزاري كي يُحال إليه، ثمّ يحدّد موعد جلسة مثولها أمام البرلمان لنيل الثقة، دونما أن يكون على عجلة. ما يقوله أمامهم أن ليس ثمّة ما هو متّفق عليه سلفاً في البيان الوزاري سوى “أولويّة مصلحة البلد”، وهو ما لا يجعله متوجّساً منه أو مصدر تحفّظه: “أمام الحكومة أوّلاً الإصلاحات التي تعرفها وأنا أضع في رأسها الودائع”.
لا يمنح حكومة سلام فترة سماح على غرار المعتاد لحكومات جديدة، وهي في الغالب مئة يوم. يقول: “لا أعطيها يوماً واحداً. لا فرصة لديها، ولا وقت لتضييعه، وعليها مباشرة العمل فوراً. عليها أن تنجح وعلينا أن نساعدها على أن تنجح”.
ماذا عن بند المقاومة في البيان الوزاري؟
يقول برّي: “لا خلاف ولا مشكلة. هناك حقّ الدفاع عن النفس واحترام المواثيق الدولية التي تعطي هذا الحقّ وتشرِّعه. لا أفهم أولئك الذين يحاربون طواحين الهواء ويفتعلون مشكلة لا وجود لها في الأصل، عندما يتحدّثون عن معادلة جيش وشعب ومقاومة. لم ترد مرّة في أيّ بيان وزاري لأيّ حكومة، بل عبارة حقّ اللبنانيين في مقاومة الاحتلال والدفاع عن أرضهم وتحريرها”.
يبدو برّي مطمئنّاً إلى استقرار الحكومة الجديدة وتضامنها، مع أنّه لم يرتَح إلى صورة الوزراء الأربعة الملتقطة في معراب مع رئيس حزب القوات اللبنانية “الذي لم يُسمّهم ونحن ظننّا أنّها حكومة غير حزبيّين”.
بركات مار مارون
فضَّل لو حصل الاتّفاق عليها في الاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا في 7 شباط، و”كنت تفاديت مغادرته بعدما تعذّر الاتّفاق مع رئيس الحكومة. وجدت أنّ النقاش الطويل معه بلا جدوى، بعدما أصرّ على الاسم الذي رشّحه للوزير الشيعي الخامس. لا يريد سواه ولا فائدة من الاستمرار في الاجتماع، فخرجت. عندما عاد إلى التفاهم في اليوم التالي على اسم يقبل به الجميع عزوتُ ما حصل إلى بركات مار مارون”.
مع ذلك، سجّل برّي مآخذ ثلاثة على الحكومة الجديدة لم يرَ سبباً فيها لاستبعاد ثلاثة أفرقاء لهم حضورهم هم تيّار المردة والتيار الوطني الحرّ وكتلة الاعتدال الوطني: “كان في الإمكان استيعابهم وتتّسع لهم الحكومة. الظاهر أنّها تتّكل في التمثيل المسيحي على حزبين فقط هما القوات اللبنانية وحزب الكتائب. الأوّل حصل على أربعة وزراء لم يسمّهم، والثاني على وزير واحد. المفارقة أنّ الوزراء المسيحيين الآخرين السبعة كانوا في حصّتَيْ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي احتكر لنفسه المقاعد السنّيّة كلّها”.
عندما قيل له إنّ الرئيس رفيق الحريري كان بدوره يحتكر التمثيل السنّيّ، أجاب رئيس المجلس: “صحيح، لكنّه كان قابضاً عليهم جميعهم”.
والوزراء السنّة الحاليّون؟
يقول عنهم وعن آخرين إنّهم “حصّة كبيرة لمَن أتى بهم ويقبض عليهم”، في إيحاء إلى العامل الخارجي ودوره المباشر في تأليف الحكومة.
في المقابل يؤكّد برّي، وهو متيقّن من تماسك التضامن الحكومي، أن “لا ثلث معطِّلاً بعد الآن. ليس في الحكومة ثلث معطِّل، ويُفترض أن لا يكون بعد اليوم. أوجده الانقسام الحادّ بين اللبنانيين في الماضي، فأصررنا عليه من أجل تحقيق التوازن الداخلي. هذا الانقسام لم يعد الآن، ولا أحد في حاجة إلى ثلث معطّل وينبغي أن ننتهي منه إلى الأبد. نحن في مرحلة لَمّ البلد”.
تعديل قانون الانتخاب
بعدذاك يسرد سلسلة استحقاقات يعتقد أنّ من الضروري إيلاءها الاهتمام والتحسّب لها، ولبعضها تداعيات مقلقة:
– أوّلها، ما أبلغه به الفرنسيون من أنّ إسرائيل تصرّ على أن تبقى في خمس نقاط في جنوب لبنان بعد 18 شباط: “لست مطمئنّاً إلى حصول الانسحاب من كلّ الأراضي اللبنانية بعدما حدّد لي الفرنسيون وكشفوها أمامي نقاط التمركز هذه. عدم الانسحاب من الجنوب إخلال بالاتّفاق المعقود مع إسرائيل برعاية الأميركيين الذين عليهم أن يفرضوه. وهو ما قالته الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في لبنان أخيراً. قلت لها في الاجتماع إنّ الأهمّ بالنسبة إلى لبنان الانسحاب الإسرائيلي، فردّت بأنّها ذاهبة إلى إسرائيل للبحث هناك في الموضوع. قلت لها أيضاً بوجوب حصول الانسحاب في 18 شباط بلا قيد أو شرط بحسب الاتّفاق الذي لا نرى فيه إلّا بنوداً ثلاثة أساسية: وقف النار فوراً وانسحاب إسرائيل، انتشار الجيش اللبناني بعد جلائها، انسحاب “الحزب” إلى شمال نهر الليطاني. البنود الثلاثة متدرّجة ومتلازمة. لن يترك الجنوبيون بيوتهم وأرضهم مستباحة إن لم تنسحب إسرائيل وسيقاومونها. نتذكّر أنّ إسرائيل وصلت ذات يوم إلى أبواب قصر بعبدا (1982) وتراجعت، وخرجت من الجنوب (2000). يجب أن يعي الأميركيون أنّ عليهم أن يقدّموا الانسحاب الإسرائيلي هديّة إلى الحكومة اللبنانية، ومدّها بأوّل دفع للنجاح في مهمّاتها. وحدهم يستطيعون فرضه على إسرائيل، وهم أكثر المعنيّين بنجاح الحكومة الجديدة لأنّهم أوّل الداعمين لها”.
– ثانيها، قلقه من الأحداث الجارية على الحدود الشرقية مع سوريا: “ما يحصل هناك أبعد بكثير من اشتباكات بين مسلّحين وعشائر. خشيتي أن تكون وراءها محاولة إحياء مشروع قديم هو نشر أحد ما على الحدود بيننا وبين سوريا”، في إشارة إلى تحريك نشر قوّات دولية في المنطقة.
– ثالثها، قانون الانتخاب وتالياً الانتخابات النيابية العامّة في أيّار 2026، وهما يقعان في سلّم أولويّات حكومة سلام، علاوة على أنّ ولايتها تنتهي بإنجاز الاستحقاق. إلّا أنّ برّي يؤكّد أنّ القانون الحالي للانتخاب بعد انتخابات 2018 و2022 “لم يعد في الإمكان الاستمرار به. أعوذ بالله. لن يبقى كما هو. إمّا تغييره أو تعديله على الأقلّ بإضافة صوت تفضيلي ثانٍ إليه كي نتخلّص من التصويت المذهبي والطائفي فيه”.