بسّام الشيخ حسين: هكذا خططت ونفذت!

كتبت رحيل دندش في الاخبار: 

في منزله في منطقة الأوزاعي يستقبلنا المودع بسّام الشيخ حسين. يتحدّث الأربعيني، الذي تعرّف إليه اللبنانيون «مقتحماً» لمصرف، بهدوء عن يوم الخميس الفائت، الذي خطّط له بعدما تعرّض لشهور إلى الإذلال من المصرف الذي أودع فيه جنى عمره مؤكداً استعداده لتكرار تصرّفه مجدّداً

أربعة ليال أمضاها بسّام الشيخ حسين موقوفاً، لم تغيّر شيئاً من أفكاره. المصارف لا تفهم إلا بالقوة. التظاهرات التي بات يُدعى إلى المشاركة بها لن تفعل شيئاً. حديثه أوّل من أمس، بعد الإفراج عنه، عن نيته تكرار فعلته لم يكن وليد حماسة، بل اقتناع بأن هذا هو الحلّ الوحيد للحصول على الحقوق.

يؤكد أن اقتحامه لفرع «فدرال بنك» في الحمرا يوم الخميس الفائت لم يكن وليد لحظة غضب، بل نتيجة تخطيط ولّدته تراكمات المعاملة السيئة والشعور بالقهر في كلّ مرة كان يزور فيها المصرف ليسحب جزءاً من وديعته بناء على التعميم 158. ورغم أنه وافق على هذا التعميم، غير المنصف، إلا أن مدير البنك لم يكن يسهّل تسليمه مبلغ الـ400$ الذي يستحقه. «كلّ مرة كان يقول لي ما في مصاري، تعا الشهر الجاي. يقولها بلهجة الاستخفاف، وكأنّه يعني: روح بلّط البحر، ما إلك معي شي». تكرّر الأمر «كان يردّني ثلاثة أشهر، ثم يعطيني شهراً، فيما كانت الديون تتراكم عليّ إلى أن طفح الكيل وقرّرت: خلص بدي ياهن بدي ياهن».

خطط بسام لتلك اللحظة طويلاً. لم يحدّث أحداً بما كان ينويه «حتى زوجتي لم تكن تعرف». كان وضع والد بسام في المستشفى يعوّقه عن تنفيذ مخططه، انتظر إلى أن تحسّن، وبالفعل كان الوالد يوم تنفيذ الاقتحام «في وضع صحي مستقر في منزل العائلة».

يوم الاقتحام

توجّه كالعادة إلى المصرف راسماً السيناريو المتوقع. أن يردّه المدير ويرفض إعطاءه الـ400$، وهذا ما حصل. «مع أنني توقعت أنه لن يعطيني مالي، ولكن قلت لأجرّب. سألته فأجاب تماماً كما هو متوقع. قلت له: ماشي. طلبت منه التحدّث مع الإدارة، فأجاب أنه هو المدير. سألته هل تتحمّل مسؤولية ما تقول؟ أجاب: نعم. قلت له: ماشي وخرجت إلى السيارة».

يذكر بسام أنه في يوم الحادثة «كان هناك عميد متقاعد يطلب مبلغ 100 دولار. رفض المدير إعطاءه إياها وقال له ربما الأسبوع المقبل. العالم مسَلّمة، الواحد بينزل مريض وبوضع تعبان ويشحد ماله شحادة».

انتظر بسّام قليلاً خارجاً كي لا يثير الشبهة من بقائه، منتظراً أن يخف الازدحام ولكن عبثاً. أناس يدخلون وآخرون يخرجون «في النهاية قلت في نفسي خلص وطحشت على البنك».

أهبل أنت؟

أحضر بسام بارودته الشخصية (بخلاف ما انتشر عبر وسائل الإعلام من أنّها بارودة مدير الفرع)، وغالون البنزين من السيارة وأغلق باب المصرف، بعدما أخذ المفتاح من المدير تحت تهديد السلاح وبدأ برمي البنزين. «عندما رأى مدير البنك ذلك، أصابه الذعر، وفجأة ظهرت الأموال، وأراد أن يعطيني 400 دولار. هنا صرخت بوجهه: أهبل أنت؟ أريد كل أموالي. الـ209 آلاف دولار، إلا دولار واحد لا أقبل». قامت القيامة داخل البنك كما يتذكر بسام. أصيبت مودعة بالدوار من جراء الصدمة، أخرجها بسام وأقفل الباب على من تبقى «اثنان من المودعين أحدهما خرج بعد بضع ساعات، وبقي مودع واحد وموظفو البنك والمدير. طلبت من الجميع الهدوء وأن لا يحاول أحدهم الاقتراب مني وإلا سيتعرّض للأذى، ومن المدير التصرّف وإحضار الأموال حالاً».

الجو في الداخل كان «رواق» كما يصفه بسام. الموظفون يجرون اتصالاتهم. وهو طلب لهم الغداء. بعدها أعدّت إحدى الموظفات القهوة للباقين. أما عن حالة بسام وقتها: «كنت مغبّش في تلك اللحظات. أعصابي متحفّزة إلى أقصى درجة. أي حركة كانت تعني بالنسبة لي إطلاق النار حتى على القوى الأمنية. أجرمت ولم يكن من الممكن التراجع. يا قاتل يا مقتول كائناً من كان. تملكتني حالة من القوة أنا نفسي لم أعهدها من نفسي».

ولا ينسى بسّام القول إن سماع الدعم من الناس في الخارج أفرحه جداً «الصراحة كنت متوقعاً دعماً، ولكن ما حصل أكبر من توقعاتي».

الضغط عبر الأهل

خصّصت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ثلاثة ضباط للتفاوض مع بسام. رفض كلّ اقتراح دون آخر دولار من وديعته. «لكن بعدها أحضروا أهلي إلى الباب وصاروا يطلبون مني أن أقبل بعرض 35 ألف دولار، و400 دولار كلّ يوم. قلت لأهلي إن الضباط يكذبون عليكم، فلم يصدّقوني. وبالفعل بعدما خرجت غدروا بنا. وبدل أن أخرج إلى البيت من دون أن أتوقف، قال لي الضابط أننا سنذهب إلى المديرية لإجراءات روتينية. طلع كله كذب بكذب. وأنا بدوري أتخلى اليوم عن اتفاق 400 دولار كلّ يوم وأريد كلّ مالي دفعة واحدة. سأعود لاقتحام البنك. في الزنزانة أعلنت الإضراب عن الطعام، ولم أكن على علم بما يحصل في الخارج. إلى أن أرسلوا بطلبي لأفاجأ بأخي قادماً من أستراليا لرؤيتي بعد غياب 5 سنوات. وجاء أمر الترك من المديرية».

كان بسام يتوقع بعد كل هذه الإجراءات أن ينقل إلى العدلية ليشكو مدير البنك إلى القاضي «فهو من يجب أن يكون في الزنزانة لا أنا. لماذا تركوه ولم يحضروه ليحققوا معه ولنواجه بعضنا. أقلّه ليعرفوا لمَ جرى ما جرى؟ كنت أريد أن أقاضي البنك بعد الذهاب إلى البيت، على أساس أنه سيجلب لي حقي».

لا جدوى من التظاهر

بسام الشيخ حسين، عمره 42 سنة، من بلدة عيترون الجنوبية. لا يعمل حالياً وكان يعمل في السابق مع أخيه في سوبرماركت تملكها العائلة.

نسأله عن سبب إيداع أمواله في هذا المصرف بالتحديد، فيجيب بأن الـ«فدرال بنك كان في البداية بنك الجمال. وكنت على معرفة بمديره وهو يتصل كلّ مرة ويلح عليّ لأحضر المال. إلى أن وضعت المال عنده. حتى أهلي وضعوا أموالهم عنده».

لا يرى بسام جدوى في أي تظاهرات. تواصلت معي جمعية المودعين لأتظاهر معهم. كل هذا لا يجدي «أحمل ورقة مثل الأهبل وأصرخ إلى الأبد هذا ما يريدونه. كم مرة احتجوا ما كانت النتيجة. قلت لهم إما أن تنزلوا بسلاحكم فأنزل معكم أو لا تعاودوا الاتصال بي».

ماذا ستفعل بالـ35 ألف دولار؟ يجيب بثقة: «بدي زيدهن». حسناً وبالمستقبل بما تفكر؟ أريد أن أحصل على كل أموالي أولاً وبعدها أفكر بما يمكن فعله. هل حقاً أنت متفائل بأنهم سيعطوك كامل أموالك؟ «غصب عنهم. بالقوة».

هل تتوقع من أحد أن يفعل فعلتك؟ بدها جرأة كبيرة. وماذا تقول للناس؟ «كلّ واحد يحمل بارودته وينزل على البنك يا قاتل يا مقتول. انزل خذ مالك أفضل من الموت ذلاً من أجل ربطة خبز».