بضائع مزوّرة... من البقاع الى كل لبنان

فيما استنفر المجلس الاعلى للدفاع أمس للبحث في الاجراءات الواجب اتخاذها لمكافحة عمليات التهريب عبر المعابر الحدودية غير الشرعية بعد ان بات بديهياً انّ شروط صندوق النقد الدولي المسبقة تتضمّن ضبط الحكومة للمعابر غير الشرعية، ورغم انّ المديرية العامة للجمارك نشرت دوريات لتعقب شاحنات القمح والمحروقات بين بيروت والبقاع ومن بيروت الى الشمال وصولاً الى الحدود البرية اللبنانية السورية، إلّا انّ مصادر معنيّة في البقاع أكدت لـ«الجمهورية» انّ عمليات التهريب، خصوصاً في ما يتعلّق بالمحروقات، تتمّ من خلال تحميل المحروقات بالشاحنات من بيروت وتفريغها في مخازن محطات المحروقات في البقاع، وهو إجراء شرعي مُتّبع خلال عمليات نقل المحروقات من المستورد الى المحطات كافة. إلّا انّ المهرّبين، وبالتعاون مع بعض محطات المحروقات في البقاع، يقومون من جديد بسحب المحروقات من مخازن تلك المحطات الى شاحنات اخرى، ليتم بعدها نقلها برّاً الى سوريا.

قد لا تكفي عمليات التهريب تلك لاستنزاف الدولارات المدعومة في لبنان، لتضاف اليها تجارة جديدة تنشط في مناطق عدّة في لبنان وتحديداً في البقاع، تساهم في خروج الدولارات من لبنان.

تقوم هذه التجارة على استيراد أو تهريب أكياس وعبوات التغليف للمواد التنظيفية ذات العلامات التجارية المعروفة، خصوصاً مساحيق غسيل الثياب وعبوات صابون الجلي، من تركيا عبر الحدود البرية السورية - اللبنانية غير الشرعية، لملئها بمساحيق مغشوشة او بمياه مخلوطة بالصابون.

وقد استغلّت هذه التجارة المستجدّة الفوضى الناتجة عن تفشي فيروس كورونا وعن غلاء الاسعار وعدم مراقبة الاسواق، لكي تتعاقد مع شركات طباعة في تركيا متخصّصة بتزوير packaging أبرز العلامات التجارية من مختلف المواد الاستهلاكية، وطلب أعداد كبيرة من اكياس وعبوات المواد التنظيفية، خصوصاً «ماركة» معيّنة ومعروفة من مسحوق غسيل الثياب وصابون الجلي، على ان تتم تعبئتها في معامل في البقاع بمواد مغشوشة.

تبلغ كلفة هذه التجارة حوالى 4500 ليرة لكلّ كيس مسحوق غسيل، يتم بيعه للتاجر او محلات البيع بالتجزئة بحوالى 14500 ليرة، إلّا انّ الاسعار تُحدّد للمستهلك بالسعر الفعلي للمنتج الاصلي نفسه، اي عند حوالى 50 ألف ليرة (مسحوق الغسيل)، علماً انّ التاجر يكون على دراية بأنها بضاعة مغشوشة ومزوّرة، لكنه لا يستطيع بيعها بأقلّ من السعر الفعلي للمنتح الأصلي، لأنّ ذلك سيطرح علامات استفهام قد تؤدي الى كشف بضاعته المغشوشة.

وقد أكد مصدر معنيّ بهذه التجارة لـ«الجمهورية» انه يمكن للمستهلك ان يكتشف المنتجات المزوّرة من خلال رقّة الكيس او عبوة التغليف، بالاضافة الى رائحة المسحوق حيث انها في بعض المنتجات المزوّرة، كريهة جدّاً ولا يمكن تجاهلها.

عباس

في هذا الاطار، أكدت مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة عليا عباس لـ«الجمهورية» انّ الوزارة على دراية بهذا الموضوع، وقد قامت مؤخراً بضبط مستودعَين كبيرين لتعبئة المواد المغشوشة، واحد في البقاع والآخر في عاليه، وقد تمّت مصادرة البضائع المزوّرة والمواد المغشوشة ومحاسبة المعنيّين. وأشارت الى انّ المستودعين اللذين تمّ ضبطهما متخصّصين بتعبئة مواد مغشوشة وتزوير المواد التنظيفية من العلامات التجارية المعروفة لمساحيق غسيل الثياب وصابون الجلي ومساحيق التعقيم مثل Ariel, Persil, Dettol, Fairy وPril...

وأكدت انّ الوزارة تقوم بعمليات مراقبة دورية في كافة المناطق لكشف المنتجات المزوّرة وتَعقّب مصادرها، مطالبة المواطنين بالتبليغ عن اي مستودع او مصنع يقوم بعمليات التزوير تلك، إلّا أنه لا يمكن فرض رقابة تامة في كافة المناطق اللبنانية.

افرام

من جهته، حذّر رئيس مجلس ادارة مصلحة الابحاث العلمية الزراعية ميشال افرام من «استفحال وتكاثر ظاهرة الغش في المواد التنظيفية والاستهلاكية والادوية والمبيدات الزراعية».

وقال افرام: «انّ الكثير من الفحوصات المخبرية تؤكد على الغش الذي يتم التداول به في مختلف المواد»، سائلاً: من يراقب نوعية المواد؟

ولفت الى تواجد كبير في الاسواق لمساحيق غسيل الثياب هي عبارة عن «ملح»، وشامبو عبارة عن مياه مخلوطة بالقليل من الصابون، وصابون للأيدي تتسبّب بالحساسية، ومعجون أسنان شبه فارغ ولا يُعلم محتواه، بالاضافة الى الكثير من البضاعة المغشوشة.

ونَبّه افرام الى انّ الشعب يشكو من أسعار خيالية غير منطقية ومن صلاحية منتهية أو معدّلة ومحتوى غير مطابق للمواصفات، لذا يدفع المواطنون من كل الجهات الصحية والمالية والغذائية، متسائلاً «أيّ مستقبل بَقي لمواطن لا يعرف ماذا يأكل وماذا يشرب؟».

وتطرّق افرام الى موضوع نوعية الاسمدة والادوية الزراعية، فقال: «الكثير من نتائج تحاليل الاسمدة والادوية تظهر أنّ بعضاً منها غير صالح، وهي عبارة عن ملح أو أي مواد أخرى غير المواد الفعّالة المذكورة. وبالتالي، هذه المواد الكيميائية (أسمدة، أدوية...) لا تعطي أي نتيجة، كما أنها قد تتسبّب بتراكم الاملاح ومواد أخرى غير مرغوب بها في الانتاج الزراعي، في التربة وفي المياه الجوفية، وللتذكير بأنّ هذا الموضوع خطير وهو مُتداول منذ زمن طويل».

وطالبَ افرام «برَفع الجهوزية عند مختلف الفرق التفتيشية، وزيادة معدل الفحوصات المخبرية، والكشف على المواد الاستهلاكية والتنظيفية والزراعية للحفاظ على ما تبقّى من صحة عند اللبنانيين».