المصدر: Kataeb.org
الثلاثاء 17 كانون الثاني 2023 13:47:32
كيف ينظر النائب منذ العام 1972، المشارك في الطائف وما بعده، إلى الأزمة اللبناية اليوم. أهي أزمة دستورية أو وطنية أو أزمة الطائفة المارونية أم هو النظام وقد تهاوى وتحلل؟
بالنسبة إلى حرب فإن "العطب بعدم انتخاب رئيس للجمهورية سياسي وليس دستورياً. فالدساتير والقوانين تتضمن دوماً بعض الإبهام والأصل في من يطبقها".
في قراءته القانونية يجزم أن "المادة 49 لا تحدد نصاباً خاصاً. فحيث يطلب الدستور أن يكون النصاب محدداً نصّ على ذلك بوضوح، كالمادة 76 التي تنص على حضور ثلثي المجلس. أما انتخابات الرئيس فلا نص حول الثلثين. بالتالي، النصاب المطلوب دستورياً هو النصف زائد واحداً بالدورة الثانية. لكنني أتفهم العناصر التي دفعت بعض الناس، الذين يشكلون مرجعية صادقة، إلى اعتماد نظرية الثلثين، وهي الرغبة في حماية أية أقليات ومنع استفراد طائفة بفرض رئيس، مما يتعارض مع مبدأ الميثاقية. كان هذا مثلاً منطلق البطريرك نصرالله صفير الذي لم يشجع على انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد. الأسلم وطنياً أن يشارك جميع النواب بالانتخاب، لكن النصاب لا يحتاج إلى كثير اجتهاد. ومع الأسف، فإن بعض النواب يستخدمون الحجج لممارسات غير دستورية ولا قانونية، وكثر يعرفون ما يترتب على ذلك من اختلال النظام والتوازن السياسي، لكنهم لا يهتمون. ما يغلب هو المصالح الشخصية والفئوية".
يرفض تحميل الموارنة وحدهم مسؤولية عدم انتخاب رئيس: "فلا يمكنهم منفردين القيام بأي شيء. وإن إلقاء المسؤولية عليهم فقط خطأ وكيدية".
الصيغة والخيار الصعب
يقول حرب لـ"المدن": عندما اختار اللبنانيون صيغة العيش المشترك واعتمدوا النظام الديموقراطي إطاراً لحياتهم، اختاروا خياراً صعب التحقيق والالتزام به، لاسيما في هذه الظروف التي برزت فيها تيارات التطرف الديني، خلافاً لما بُشّر به من تكامل الحضارات، فصرنا في صراع الحضارات.
الصيغة اللبنانية في ذاتها صعبة، والقدرة على إنجاحها تكلف التزاماً واقتناعاً راسخاً بها وبكل ما يستوجب عمله لحمايتها. وفي جزء أساسي، هذا يستدعي كذلك شعباً واعياً يحاسب ويعاقب ويعزل من يهددون تلك الصيغة والتجربة. الصيغة لا تزال مليئة بالتحديات. وهي، في كل فترة، تضع الجميع أمام امتحان الإرادات واعتماد العقل والمنطق والمصلحة العامة".
على ضوء ذلك، "وبعد فترة طويلة في العمل السياسي، يتبين أن الشعب اللبناني، مع الأسف، لا يتصرف كشعب ينتمي إلى دولة ووطن وهي جزء من هويته ووجوده. لم يمارس حقوقه وواجباته في المحاسبة رغم كل ما يتعرض له من مآسٍ".
في عرف حرب "إذا كان الناس مسؤولين عن عدم المحاسبة، فإن المسؤولية الكبرى تقع على من تولوا المسؤوليات السياسية ولم يكونوا على مستوى الدور، لجهة تعزيز الدولة وتحويلها من فكرة ومشروع إلى مؤسسات وإدارة تحتكم إلى القوانين في المساءلة والمحاسبة، وهدفها تأمين حياة كريمة للناس".
لا يستثني حرب أحداً من المسؤولية "بمن فيهم النخب الثقافية التي لم تبلور مشروعاً وأفكاراً مؤثرة. وكثر من هذه النخب انتقلت من جانب إلى آخر، من دون إعادة قراءة عميقة لتطور الأحداث وتأثيراتها، فازداد تضعضع الهوية الوطنية. وملفت للإنتباه أن معظم المتطرفين في اليمين اليوم، حسب تعريفات قديمة، ينتمون إلى الحركات اليسارية سابقاً".
روحية الدستور
رداً على سؤال، الدساتير في كل العالم لا تدخل في التفاصيل. هي مبادئ وقيود عامة متوافق عليها، ويبقى فيها بعض الإبهام الذي يتكل على وعي المسؤولين. لا يوجد دستور ولا حتى قانون مثالي من دون ثغرات. فحتى القوانين تحتاج إلى مراسيم تطبيقية. ويُفترض بمن يطبقون القانون أن يكونوا على مستوى عال من المسؤولية والمعرفة والخبرة والتجرد وفهم عميق لروحيته، بما يسمح لهم بحسن تطبيق الدستور والقانون معاً. وفي هذا السياق يمكن لأشخاص فاسدين، لا يطمحون إلا لتحقيق مصالحهم الشخصية، أن يخرّبوا أفضل دستور ويشوهوه عند التطبيق؛ كما يمكن لأشخاص صالحين يريدون خدمة بلدهم وازدهاره أن يحولوا دستوراَ سيئاً إلى وسيلة لخدمة بلدهم. العيب ليس في النصوص بل في النفوس".
خطأ برّي الكبير ومسؤولية الموارنة
يكشف حرب أن نجله مجد، الذي ترشح على الانتخابات النيابية الأخيرة، أعد دراسة قانونية تعتبر أن النائب الذي يتغيب ثلاث مرات عن المشاركة في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يجب اعتباره مستقيلاً، ويقول: "وجدت هذه المقاربة دستورية وقانونية وأخلاقية".
ويشير حرب إلى أن "الرئيس نبيه برّي يرتكب خطأ كبيراً عندما تنتهي الجلسة الأولى ويُفقد النصاب يدعو إلى جلسة جديدة، مع العلم أن الدورة الأولى تم عقدها، وبالتالي هذا يسهل على المعطلين التعطيل".
يأسف لأن "الميثاقية صارت كقميص عثمان، يعلق عليها كل التفسيرات الخاطئة. فتحولت من ميثاقية إلى تعطيلية صادرت الدستور والبلد".
وإلى أي حد يتحمّل الموارنة مسؤولية التعطيل وفراغ المنصب الأول في الجمهورية المخصص لهم؟
يجيب: "لا يتحمل الموارنة وحدهم المسؤولية. فلا يمكنهم منفردين القيام بأي شيء. وإن إلقاء المسؤولية عليهم فقط خطأ وكيدية. المشاركون بالجرم من كل الطوائف. تحميلهم المسؤولية وحدهم، تماما كالقول أن جميع الموارنة مرشحون للرئاسة، فيه تحامل وبعض إهانة. والدليل أن المعطلين اليوم من كل الطوائف، التيار الوطني الحر وحزب الله وغيرهم. الموارنة مسؤولون بالحفاظ على الصيغة، لكن ذلك لا يعفي الآخرين من المسؤولية. وإنني أعاني في محيطي من تزايد الشكاوى من ابتعاد جزء كبير من المسلمين عن الحرص على العيش المشترك، وما يجمع بين اللبنانيين على حساب طروحات مقلقة".
يشدد أن "الطائفة المارونية، كما سائر الطوائف، فيها خامات جيدة ولا تفتقر لأصحاب الطاقات والخبرات والرؤى. لكن الظروف اليوم "فالتة" والسلاح هو المتحكم. وانتخاب الرئيس المقبل لا يمكن أن يشكل نقطة تحول إلا إذا اخترنا الرجل المناسب، الذي سيجعل من مصلحة كل لبنان هدفه الوحيد. أما الرئيس الذي يُرضي كل الناس، أي يكذب على كل الناس، فسيعمق الأزمة ويسهم في مزيد من تراجع لبنان".
وعن دور بكركي يقول: "لا يفترض بالبطريركية المارونية أن تتعاطى بالسياسة. هي حامية فكرة لبنان ودستوره وصيغة العيش المشترك، وحين تدخل في التفاصيل تفقد مقامها الوطني".
في المقابل، يتخوف حرب من "دولة حزب الله على الصيغة اللبنانية وعلى الدويلة اللبنانية"، كما يحرص على التوصيف، متخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى "انفراط العقد اللبناني، واستقلالية كل طرف. وهذا أخطر ما يمكن أن يواجه لبنان".
وبسؤاله عن مواصفات الرئيس المفترض يبتسم حرب متسائلاً: "وهل نحن متفاهمون على تفسير واحد للكلمات ومعانيها؟ هل كلمة وطني أو مقاومة أو مستقل لها مفهوم واحد عند كل الأفرقاء؟". يضيف"لا أملك وصفة سحرية للخروج من أزماتنا الكثيرة. لكن الأكيد أننا نحتاج أولاً إلى انتخاب رئيس يحترم الدستور ويلتزم بأحكامه، وأن يكون مترهباً، لا مصالح شخصية أو فئوية له، ويحكم فقط حسب ما تمليه مصلحة لبنان".