بعد إنتظار طويل ومرير.. الحلم التاريخي لعمّال لبنان يتحقّق

بعد إنتظار طويل ومرير، تحقق الحلم التاريخي لعمّال لبنان وقواه الإنتاجية، بإقرار المجلس النيابي قانون نظام التقاعد في الضمان الاجتماعي، الذي يأتي في ظروف خسر فيها صندوق الضمان ملايين الدولارات من احتياطاته بالليرة في استثماره بسندات الخزينة وودائعه في المصارف ومصرف لبنان.

ما أتى به المجلس النيابي جاء نتيجة لإصرار إدارة الضمان وتصاعد المطالبات بضرورة الانتقال إلى نظام حماية اجتماعي يعيد بناء شبكة أمان اقتصادية خصوصاً لذوي الدخل المحدود والشرائح الاجتماعية التي تفني شبابها في العمل والإنتاج، لتجد نفسها بعد التقاعد على رصيف العوز والحاجة، ما لم تتوافر أطر عائلية تتبنى "آخرتهم".

مع حسرة المضمونين الذين بادروا مسرعين الى سحب تعويضاتهم المستحقة عند بداية مسار الانهيار النقدي والاقتصادي لحماية ما بقي من قيمتها، لعدم قدرتهم على إعادة ما قبضوه والإفادة من مفاعيل القانون الجديد، يتحضر المنتسبون الجدد ومن لا يزالون على قيود الضمان للانتساب للنظام التقاعدي، وفي سرّهم أن عائداً شهرياً منتظماً ومستداماً بعد سن التقاعد، يبقى أكثر ضماناً من تعويض نهاية الخدمة، المعرّض للضياع وخسارة قيمته السوقية، كما حصل أخيراً عند انهيار الليرة وسقوط الاستقرار المصرفي.

وإن كان البعض يرى في النظام الجديد، بديلاً من "#ضمان الشيخوخة" الذي طالبت به مرات ومرات قوى نقابية وسياسية عدة، من حيث التمويل وآلية الانتساب والجهة الموكل إليها إدارة المشروع، يعتبر آخرون أن إقراره يعيد بالشكل والمضمون استحضار دور ووظيفة وثقافة "دولة الرعاية" المأمول إقامتها في لبنان.

السماح للعاملين "على حسابهم" في الداخل وفي المغتربات، وأرباب العمل، وأصحاب المهن الحرة، بالانتساب الى النظام العتيد، يفتح الباب أمام أوسع شريحة مجتمعية لبنانية قد يصل عديدها للملايين مستقبلاً، للاستفادة والإفادة معاً، هو التمكن بعد الإحالة على التقاعد والتقدم في العمر، من الحصول على راتب شهري معقول نسبياً، يؤمن الاستقرار الاجتماعي للمنتسب ولعائلته، فيما الإفادة تتحقق من خلال مشاركته الآخرين في تحمّل أعباء التمويل المشترك عبر الاشتراكات الشهرية، في ما يُعرف بآلية "التعاضد" المالي.

تبقى العبرة دوماً في التنفيذ، وفي جدية المسؤولين عن نجاح المشروع أو القيّمين عليه، وفي الحاجة الملحة لمسارعة من يعنيه الأمر من المسؤولين في الدولة، الى توقيع وإصدار ما لا يقل عن 15 مرسوماً تنفيذياً ذي صلة، لإطلاق النظام عملياً والبدء بتحقيق حلم الأمان الاجتماعي التاريخي للبنانيين.

 

إذن، بعد نحو 20 عاماً على إقراره في مجلس الوزراء، أقر مجلس النواب مشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 13760 المتعلق بتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية بعد إدخال تعديلات على بعض مواده.

المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي، أوضح لـ"النهار" بعض تفاصيل المشروع، وخصوصاً حيال طريقة احتساب معاش التقاعد، وتعامل القانون الجديد مع من صفّى تعويضه واستمر في الخدمة وغيرها من المسائل التي تهم المضمونين كإزالة حاجز الـ30 سنة لاحتساب النسبة الأعلى من المعاش.

بالنسبة لطريقة احتساب المعاش التقاعدي، أوضح كركي أنه يتم على أساس الأموال التي يجمعها المشترك في حسابه الافتراضي بالإضافة الى الفائدة السنوية التي تضاف إليها. يضمن النظام، أن لا يقل المعاش التقاعدي عن أفضل إحدى الضمانتین:

- للمضمون الذي اشترك لمدة 15 سنة كاملة، نسبة 55% من الحد الأدنى الرسمي للأجور، المعتمد بتاريخ التقاعد، وتزاد هذه النسبة 1.75% عن كل سنة اشتراك إضافية، لتبلغ في حدّها الأقصى 80% من الحد الأدنى الرسمي للأجور، المعتمد في تاريخ التقاعد، من ذلك الحد .

- أما الضمانة الثانية، فهي عبارة عن نسبة 1.33% من متوسط أجور المشترك المصرح عنها طیلة فترة اشتراكه في هذا النظام والمعاد تقييمها حتى تاريخ التقاعد، وذلك عن كل سنة اشتراك للمضمون. كما يعاد تقييم وفهرسة(indexation) أجور المشترك وفقاً للزيادة في مؤشر متوسط أجور المشتركین، وبذلك من المفترض أن لا يقل المعاش التقاعدي لمن شارك في النظام لمدة 40 سنة مثلاً عن 53.21% (53%) من متوسط رواتبه المصرح عنها للضمان، ولمن قضى 30 سنة مثلاً، يجب أن لا يقل معاشه التقاعدي عن نحو (40%) من متوسط رواتبه المصرح عنها للضمان.

 

مع الإشارة الى أنه في حال تطوّر الاقتصاد اللبناني والوضع المالي وحسن إدارة استثمار الأموال، يمكن أن يتخطى المعاش التقاعدي هاتين الضمانتين (أي إن كان مجموع الاشتراكات والفوائد المتراكمة المجمعة في الحساب الفردي للمضمون يسمح له بمعاش تقاعدي أعلى من الضمانتين) وهذا ما يسمّى شق الرسملة في القانون.

ولكن، كيف يتعامل القانون الجديد مع من صفّى تعويضه في السنوات الأخيرة واستمر في الخدمة؟ هل يمكنه إعادة التعويض؟ ووفق أي سعر؟ يوضح كركي بالنسبة للمضمون الذي قام بتصفية تعويضه ويستمر في الخدمة، تحتسب فترة انتسابه الى نظام التقاعد الجديد بدءاً من اليوم الذي يلي تاريخ تصفية تعويضه، وتالياً لا يمكنه إعادة المبالغ التي سبق أن تقاضاها.

وفيما ساد الاعتقاد لدى البعض أنه تم إلغاء مبالغ التسوية، نفى كركي الأمر، موضحاً أنه "في جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب في 14/12/2023 التي تم خلالها إقرار قانون التقاعد والحماية الاجتماعية، أجريت تعديلات في اللحظات الاخيرة، بناءً على ملاحظات كنا قد وضعناها على بعض مواد هذا القانون وأرسلناها الى الامانة العامة لمجلس النواب".

كثر من الخبراء الاقتصاديين انتقدوا القانون وقالوا إنه مفخخ ومجحف وقد محا تعب الأجير لسنين طويلة وصفّر الحسابات، فأين هي فخاخ القانون وعوراته؟ وفق كركي، فإن هذا القانون هو "قانون بالغ الأهمية على الصعيد الوطني، ويُعدّ إنجازاً مهماً لمجلس النواب والحكومة ولإدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولكل من أسهم في إقراره من اتحاد عمالي عام وهيئات اقتصادية، لما سيكون له من انعكاسات إيجابية جداً على المجتمع اللبناني من خلال تأمين الحماية الاجتماعية للمتقاعدين، بالاضافة الى انعكاسات مهمة جداً على صعيد تنقل اليد العاملة والتصريح الفعلي عن الأجور المدفوعة للإجراء، وتالياً المساعدة في ضخ أموال جديدة في فرع ضمان المرض والأمومة، تمكن الصندوق من زيادة التقديمات الصحية للمضمونين فيه".

وبخلاف ما يقال بأنه مجحف وقد محا تعب الأجراء، يرى كركي أن "إقرار القانون يستهدف تأمين استمرارية المداخيل للمتقاعدين الذين باتوا دون الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية في ظل انهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي، ولا سيما أن التعويضات التي يتقاضونها عند انتهاء خدمتهم باتت زهيدة. أما بالنسبة لمخاوفنا التي سبق أن أعلنا عنها عند إجراء بعض التعديلات على مشروع القانون في اللجان النيابية المشتركة، وكان أبرزها إلغاء مبالغ التسوية، فقد تم العدول عنها عند إقراره النهائي من الهيئة العامة لمجلس النواب".

وعن كيفية احتساب المعاش التقاعدي لموظفي القطاع العام الذين يستفيدون من الضمان إذا تقاعدوا اليوم؟ يشير كركي إلى أنه سيُحتسب معاشهم التقاعدي بناءً على المعاشات التي يتقاضونها والمصرّح عنها والاشتراكات المسدّدة عنها وبناءً على الأحكام الواردة في نص قانون التقاعد.

وفي هذا الإطار، ذكر كركي أن وضع هذا القانون موضع التنفيذ يحتاج الى إصدار نحو 15 مرسوماً، ويتطلب إنجاز العديد من الخطوات وإنهاء المراحل المتتالية والمحددة في سياقه، وتالياً، إن سارت كل الأمور كما يجب، يتوقع البدء بتنفيذه خلال مدة سنتين حدّاً أقصى، على أمل أن تتحسّن الأوضاع الاقتصادية خلال هذه الفترة، بما سينعكس إيجاباً على رواتب جميع المضمونين ولا سيما موظفي القطاع العام.

وتحدث كركي عن أبرز التعديلات التي طرأت على المشروع، ومنها خفض عدد أعضاء مجلس الإدارة الذي أصبح 10 أعضاء (خبيران عن الدولة 4 خبراء عن الهيئات المهنية الأكثر تمثيلاً، 4 خبراء عن الهيئات العمالية)، على أن يُعيَّن مجلس إدارة جديد بالمواصفات الجديدة خلال 6 أشهر، مع إلغاء هيئة المكتب وإلحاق صلاحياتها بمجلس الإدارة. وتالياً أصبح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مؤلفاً من 4 أجهزة: مجلس إدارة، واللجنة الفنية، ولجنة الاستثمار، والمدير العام للصندوق الذي تخضع له أمانة السر. ويتم تعيين هؤلاء بمراسيم في مجلس الوزراء لفترة ولاية تمتد على مدى 5 سنوات.

وفيما تعثر اعتماد المكننة الشاملة للضمان لسنوات وسنوات، فإن القانون الجديد لحظ إنشاء منصّة رقمية مخصصة للخدمات الإلكترونية التي ستؤمن تسجيل المشتركين ودفع الاشتراكات والمخصصات والمستحقات، خلال مدة 12 من نشر القانون في الجريدة الرسمية. ولا يستبعد كركي إنجاز المكننة في فترة سنة خصوصاً إذا تأمنت الاعتمادات اللازمة لذلك، وتم تسهيل القرارات المتعلقة بها في مجلس الإدارة بالسرعة اللازمة.

ويختم كركي، بالإشارة الى أن أهمية هذا القانون تكمن في إمكان الانتساب الاختياري لجميع اللبنانيين المقيمين في لبنان أو في الخارج من العاملين لحسابهم الخاص وأصحاب العمل، وتالياً فإن من المفترض أن يشمل هذا النظام تدريجاً ملايين اللبنانيين.