بعد "الزلزال السوري" العينُ على حزب الله

في اليوم الثاني لـ «سورية بلا الأسد»، بقي هذا التطورُ - الزلزال يشغل لبنان والعالم، ليس فقط لأنه نَقَل «بلاد الشام» في نحو 10 أيامٍ من ضفةِ حُكْمٍ أَحْكَمَ قبضتَه عليها لأكثر من نصف قرن إلى مرحلةٍ لم تتبلور بعد كل مَعالم «قيادة دفّتها» بما ينأى بـ «سورية الجديدة» عن المزيد من العواصف الداخلية التي «تذكيها» عوامل إقليمية ودولية، بل في ضوء أبعاده الجيو - سياسية التي تُكَرِّسُ أن المنطقةَ بأسْرها تقف على مشارف «اليوم التالي» في خريطة نفوذها وتوازناتها.

وإذا كان سقوطُ «نظام الأسديْن» قيسَ بشكلٍ أساسي على «مقياس» معانيه وتداعياته الإقليمية في ضوء اعتباره استكمالاً لصورة «الأجنحة المتكسّرة» للمحور الإيراني الذي لم يكن استفاقَ بعد من إضعاف ذراعه الأقوى أي «حزب الله» في لبنان، حتى تلقّى ما بدا «ضربةً قاصِمة» في الحلقة الأهمّ من قوس نفوذه المترامي التي شكّلتْها سورية كجسر الربط والإمداد للحزب بالسلاح و«حامٍ لِظَهْره»، فإنّ «تسييلَ» هذه النتيجة بالترجمة العملية تتطلّب رَصْداً لأداء «المقاومة الإسلامية في لبنان» وصدى هروب الأسد على تعاطيها مع ملفين رئيسيين:
- الأوّل وقف إطلاق النار الذي دَخَل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر بموجب اتفاقٍ أدار رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري المفاوضات في شأنه مفوَّضاً من «حزب الله»، وغُلِّف منذ إعلانه بالتباساتٍ وعباراتٍ وكأنها «مَخرج طوارئ» للتفلّت من الأهداف العميقة للاتفاق والتي تتمحور حول إنهاء وضعية الحزب العسكرية «بدءاً من جنوب الليطاني» ومنْعه من ترميم بنيته العسكرية وإعادة تكوين مخزونه من السلاح والصواريخ.

- والثاني الانتخابات الرئاسية التي حدّد بري موعداً لجلسةٍ جديدة لها في 9 يناير، وسط اعتقادٍ بأن «الممانعة» تحاول الدفعَ نحو جعْل هذه المحطة تثمر رئيساً، ولو عبر «هندساتٍ» تقوم على «اقتناص» تقاطعاتٍ ولو ظرْفية أو «مصلحية» تتيح توفير أكثرية النصف زائد واحد لمرشّح يكون لها حصة وازنة فيه وتالياً في مرحلة «اليوم التالي» للبنان بعد الحرب، وهو ما يفسّر ما يشبه البطاقةَ الصفراء التي رَفَعها الرئيس دونالد ترامب عبر مستشاره الكبير للشؤون العربية والشرق أوسطية مسعد بولس أمام «رئيس بالـ 65» (صوتاً) ودعوته إلى التريث بعض الوقت، أي ضمنياً لِما بعد 20 يناير (دخول ترامب إلى البيت الأبيض)، وأهمية إشراك المعارضة في مجمل هذا المسار.

وفي ما خصّ وقْف النار ومآلاته، يسود ترقُبٌ ثقيل لكيفية تعاطي «حزب الله» معه وهل يقوم بـ «تكييفِ» أدائه تجاهه آخِذاً في الاعتبار «المعطى السوري» وانكشاف ظهْره على هذا المستوى، بحيث إنه بات بين «فكي كماشة» واقع جديد في «بلاد الشام»، بالحد الأدنى «غير صديق» ويلامس «المُعادي»، وقرارٍ حاسم من إسرائيل - التي تحتلّ شريطاً من عشرات البلدات في جنوب لبنان ولا توفّر ما تَعتبره «أهدافاً مشروعة» شمال الليطاني بموجب ما ينطبق عليه «التهديد الوشيك» - بإنهاء وضعيّته العسكرية، سواء بموجب مندرجات اتفاق 26 نوفمبر أو بالقوة.

«حزب الله»

ولم يكن عابراً أن «حزب الله» مضى في «تفعيلِ» موقفٍ سبق أن رسمه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم قبل 8 ديسمبر السوري، حين أكد أن مفهومه لاتفاق وقف النار أنه محصور بجنوب الليطاني، وهو ما كرره أمس بلسان النائب حسن فضل الله الذي رأى «أن ما يجري في سورية تحول كبير جداً وخطير وجديد (...) وهناك مَن بدأ يتحدث عن التأثيرات على والمقاومة، ولكن كل ما يجري في سورية على خطورته لا يمكن أن يضعفنا (...) ونعرف كيف نحمي بلدنا وكيف نواجه التحديات وكيف نتجاوز الصعاب مهما كانت».

وتابع «ان ما يتعرض له لبنان من اعتداءات يؤكد الحاجة الضرورية إلى المقاومة وأن حماية البلد تحتاج إلى تكامل بين المقاومة والجيش والشعب، والمقاومة تتابع هذا الموضوع بالأطر المناسبة وهي معنية، ولكنها تريد أن تكمل في المسار الذي له علاقة بتطبيق الإتفاق المحصور في جنوب الليطاني».

عراقجي

ولم يكن «حزب الله» وحدَه مَن أعطى أول إشارات «ما سيكون» على هذا الصعيد، إذ أعلن وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي «أن جبهة المقاومة تمرّ بفترة صعبة منذ أكثر من عام ولكن لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن هذا المسار سيتوقف عندما تخرج سورية من دائرة المقاومة».

وأكد انه «على الرغم من الضربات التي تلقاها، تمكن»حزب الله«من إعادة تنظيم نفسه بسرعة وكبّد الكيان الصهيوني الضحايا والأضرار وأجبره على وقف النار».

وأضاف «ليس الأمر وكأن المقاومة ستتوقف بدون سورية، كيف هو طريق تواصلنا مع اليمن؟ هل طريق تواصلنا مع غزة مفتوح؟ اليمن وغزة يقاومان. المقاومة ستجد طريقها على أي حال، لأنها هدف مثالي وليست حرب كلاسيكية، ولهذا السبب لا يمكن تدمير المقاومة، رغم أنها تواجه قيودا، لكنها في النهاية تمكّنت من توفير أسلحتها الخاصة ومتابعة طريقها الخاص. ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أن هذا المسار سيتوقف عندما تخرج سورية من دائرة المقاومة».

وما عزّز أهمية موقفيْ الحزب وعراقجي أنهما تزامنا مع اقتراب «لحظة الحقيقة» حيال اتفاق وقف النار مع بدء لجنة الرقابة الخماسية على تنفيذه (تقودها الولايات المتحدة برأسين عسكري ومدني – آموس هوكشتاين - وتضمّ ضباطاً من فرنسا واليونيفيل ولبنان وإسرائيل) عملها أمس حيث عقدت أول اجتماع لها في الناقورة.

القرار 1701

وجاء في بيان مشترك صدر عن سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في لبنان وعن «اليونيفيل» حول «التنسيق لدعم القرار 1701، أن»الولايات المتحدة وفرنسا واليونيفيل والقوات المسلّحة اللبنانية والقوات الإسرائيلية اجتمعت في التاسع من ديسمبر في الناقورة من أجل تنسيق دعمها لوقف الأعمال العدائية، الذي دخل حيّز التنفيذ في السابع والعشرين من نوفمبر. وكما ورد في إعلان الاتفاق، استضافت اليونيفيل الاجتماع الذي انعقد برئاسة الولايات المتحدة، بمساعدة فرنسا، وبمشاركة القوات المسلحة اللبنانية والقوات الإسرائيلية. وستجتمع هذه الآلية بوتيرة منتظمة وستنسّق عملها بشكل وثيق لتحقيق التقدّم في تطبيق اتفاق وقف النار والقرار 1701".

مقاربة «حزب الله»

إلى ذلك، قالت دوائر على بينة من مقاربة «حزب الله» لمرحلة ما بعد سقوط الأسد وارتدادات خروج سورية الحاسم من «محور الممانعة» عشية بدء تنفيذ اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، لـ «الراي» ان ثمة عوامل من شأنها الإطاحة بهذا الاتفاق، وتالياً عودة الحرب.

وفي تقويم هذه الدوائر لمقاربة الحزب أمكن التوقف عن الخلاصات الآتية:

- يقر الحزب بأن «سورية الجديدة» أعلنت وبوضوح على لسان المسؤولين عن إدارة شؤونها، أنها في موقع معادٍ لإيران و«حزب الله»، الأمر الذي تدرك معه إسرائيل ان لا خطوط لإمداد الحزب بالسلاح من إيران عبر سورية بعد الآن.

- التوغل الإسرائيلي في جنوب سورية لِما هو أبعد بكثير من الخط الأخضر من شأنه فتح شهية بنيامين نتنياهو على فرض المزيد من الوقائع الجديدة في سورية ولبنان عبر الفراغ الحدودي في سورية واتفاق وقف النار مع لبنان.

- إن «حزب الله» الذي يصرّ على قراءته الخاصة للقرار 1701 وآليات تنفيذه حصراً جنوب نهر الليطاني، لن يقرّ بـ«النص» الذي وافق عليه المفاوض اللبناني وتعتبره إسرائيل ومعها الولايات المتحدة وفرنسا إلزامياً، وهو يشمل سلاح الحزب وبنيته التحتية في كل لبنان.

وتذهب الدوائر نفسها إلى القول ان نتنياهو، الذي غالباً ما يهرب إلى الأمام، لن يتوانى عن تنفيذ تهديداته بالعودة إلى الحرب وبقوة في حال معاندة الحزب ومقاومته ما يَعتبره تفسيرات غير مُلْزِمة لما انطوى عليه اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، ولاعتقاده انه يملك ما يكفي من ترسانة في حال قررت تل أبيب العودة إلا الميدان.

وسيشكّل بدء عمل لجنة الرقابة أول اختبار فعلي «للنيات والأفعال» وخصوصاً لجهة كيفية التعاطي مع الشكاوى التي سيقدّمها الطرفان حول انتهاك بنود الاتفاق، وكيف سيتصرف «حزب الله» بإزاء أي شكوى إسرائيلية تتناول بنيةً عسكريةً له أو مستودعاً أو مصنع سلاح شمال الليطاني، وهل «سيسمح» للجيش اللبناني بالدهم و«التنظيف»؟

وتالياً كيف ستردّ إسرائيل على ما ستعتبره «توثيق» خرق الحزب للاتفاق وفق تفسيرها؟