بعد تأخير دام اكثر من ربع قرن... متى تبصر المناهج التربوية الجديدة النور؟!

بعد تأخير دام اكثر من ربع قرن، بدأ لبنان من خلال لجان ضمن المركز التربوي للبحوث والانماء بالعمل على تطوير مناهجه التربوية لمواكبة العصر، حيث التغيير الذي شهدناه على مر هذه السنوات لا سيما على مستوى التطور والتكنولوجيا لا يمكن مقارنته مع ما كانت عليه الامور في تسعينيات القرن الماضي.

ففي ايلول العام 2024 تم تأليف لجان المدى والتتابع للمنهج، التي تركز في وضع المواد الجديدة على تنمية شخصية الطالب كفرد صالح ومنتج، واعتماد مقاربات جديدة في التعليم منها دمج المواد، وتبني التقييم القائم على الكفايات، وتطوير كتب تتناسب مع المناهج الجديدة.  تشمل هذه التطويرات التركيز على المواضيع البيئية والصحية، وتحديث مادة التاريخ...

فأين اصبح عمل هذه اللجان، ومتى تبصر المناهج الجديدة النور؟

عضو في لجنة التاريخ بالمركز التربوي للبحوث والانماء وأستاذ تاريخ في كلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتور أمين ألياس، يشدد في حديث الى وكالة "اخبار اليوم"، ان وضع مناهج مدرسية في بلد مثل لبنان، ليس بالامر السهل كما يعتقد البعض، مذكرا ان آخر اصدار للمناهج كان في العام 1997، علما انه في معظم الدول يتم التجديد كل 4 او 5 سنوات، لكن في لبنان الاوضاع الامنية والسياسية تحول دون هذه المواكبة.

ويضيف: بالانطلاق من الواقع اللبناني فأن ما تم على مستوى المناهج كان عملا هائلا خاصة وان المقاربة مختلفة، اذ انها للمرة الاولى التي نبحث فيها في وضع مناهج للمستقبل وليس مناهج مأخوذة من عقلية الماضي، شارحا ان الاتجاه نحو مناهج تقارب الكفايات وتنمية الطالب على مستوى المهارات والمعارف والمواقف... اي "تعليم مرتبط بالحياة"

ويتابع ألياس: كل هذا مُدَعَم بقيم مستوحاة من منظومة القيم اللبنانية والمتماشية مع المبادئ الكونية والانسانية التي اقريناها في دستورنا حين اعلنا إلتزامنا بشرعة حقوق الانسان، معتبرا ان القيم اللبنانية ليست مفصولة عن القيم العالمية كالحرية، الديموقراطية، التعددية، واحترام التنوع....

متى سيبدأ التطبيق؟ يجيب ألياس: هذا السؤال تقني ويرتبط بمجموعة من العوامل، منها الماكينة الداخلية لصناعة المناهج التي اصبحت متقدمة جدا، ومنها ايضا ما هو مرتبط بالعامل السياسي، لان المناهج ستحال الى الحكومة لتقرها، ثم يتم الانتقال الى المرحلة التجريبية، قبل بدء التنفيذ على نطاق واسع خصوصا وانها ستكون ملزمة للمدارس في القطاعين العام والخاص، معتبرا ان المرحلة التجريبية قد تبدأ بعد سنتين - اذا لم يحصل ما قد يعرقل- مذكرا ان لجان المدى والتتابع شُكلت ما بين آب وايلول من العام الفائت، وبعد ايام من بدء عملها انفجرت الأمور فتوقف العمل الذي انطلق مجددا بشكل فعلي في آذار الفائت.

 وماذا عن مادة التاريخ التي يدور حولها اكثر من سجال؟ يقول ألياس: التاريخ بطبيعته جدلي ومحط نقاش، فلكل حدث قصص متعددة، وكي لا نقع في اخطاء سابقة التوجه لدى اللجنة المعنية هو نحو وضع "تاريخ موضوعاتي"، اي تم التطرق لكل موضوع وفق مقاربة التقصي من مناظير متعددة، بعنى انه لا تفرض رواية بل كل رواية موجودة، في حين ان الاساتذة والطلاب يطلعون على كل الروايات لاستخلاص الفكرة العامة من اي حدث. هذا الى جانب التشديد على المشتركات الموجودة في اي نزاع، فعلى سبيل المثال اذا تطرقنا الى موضوع الحرب في لبنان فالهدف لن يكون نكء الجراح، بل التركيز على المعاناة المشتركة بين اللبنانيين.

واذ يشدد على جانب الواقعية في طرح الموضوعات، يوضح ألياس انه في التاريخ لا يمكن ان نعلم كل شيء، بل علينا ان نختار موضوعات تاريخية هادفة.

وهنا يؤكد ألياس على ان الهدف تعزيز العيش معا وخلق profile  متطور لانسان جديد يستطيع ان يتفاعل مع قضايا مجتمعه وان يكون منفتحا على قضايا العالم ومشاركا في القضايا الانسانية، وبالتالي فاننا نحتاج الى التاريخ لبناء هذا الـ profile المتقصي الباحث الناقد والمفكر الخاص بكل انسان حر وديموقراطي ومبدع وصولا الى العمل كمجموعات.

ويختم: ما يهمنا من خلال التاريخ وكافة المواد هو بناء انسان مؤهل ليكون مواطنا ملتزما ببلد ودولة سيدة مستقلة ديموقراطية حديثة متطورة حاضنة للتعددية وتنظر الى المستقبل.