بعد ردّ الأحد الفائت هل تحقق الردع؟

كشف الرد الذي قام به "حزب الله" ضد إسرائيل رداً على اغتيال فؤاد شكر أرفع شخصية قيادية عسكرية لديه عن حدود قدرات الحزب والبون الشاسع ما بين تهديداته وحملاته الدعائية وحقيقة ما يمكنه أن يؤديه في ساحة المعركة ضد إسرائيل. فقد بدا من خلال الرد أن كل ما قيل عن رد مؤلم، وانتقام وعقاب شديد لإسرائيل لم يحصل، تماماً كما حصل ليل ١٣-١٤ نيسان الفائت عندما هاجمت إيران إسرائيل انتقاماً لمجزرة الأول من نيسان حيث دمرت أحد مباني القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت سبعة من كبار ضباط "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني" بينهم محمد رضا زاهدي أحد كبار الضباط التاريخيين في "الحرس".

يومها أدرك الإيرانيون أن التهديد بالعقاب شيء وتنفيذه شيء آخر ليس بمتناول طهران. وهذا بالفعل ما حصل مع "حزب الله". خطب وتهديد ووعيد وفي النهاية يعود كل طرف الى التصرف وفق حجمه ما لم يكن يسعى الى الانتحار. و"حزب الله" ليس تنظيماً انتحارياً. وهذا بحد ذاته ليس عيباً. فالأمين العام للحزب الذي تحدث ليل الأحد شارحاً أسباب التأخير في الرد، وحدود الرد وضوابطه يدرك تماماً أن أي رد جدي كان سيترتب عليه دفع أثمان باهظة جداً لا قدرة لـ"حزب الله" على دفعها فيما الهدف الأسمى هو الحفاظ على قدرات الحزب المذكور، وتمكينه من تشديد قبضته على لبنان بوصفه القاعدة المتقدمة للنفوذ الإيراني شرق البحر الأبيض المتوسط، على تماس مع إسرائيل.

فوظيفة "حزب الله" هي شرط المحافظة عليه وعلى هيمنته الأمنية والعسكرية السياسية والمذهبية على لبنان. وحرب "الإسناد" التي يخوضها تندرج في سياق تعزيز النفوذ الإيراني وليس المجازفة به كرمى لعيون حركة "حماس" في غزة. ومن هنا وعلى الرغم من الخسارة الكبيرة التي مُني بها "حزب الله" باغتيال فؤاد شكر في ٣٠ تموز الفائت، فإن هذا الفصل المؤلم طوي نهائياً مع آخر رشقة من صواريخ الكاتيوشا، ومع المسيّرات التي زعم "حزب الله" من دون أن يقدّم دليلاً ملموساً أنها استهدفت مجمعاً استخبارياً في ضاحية تل أبيب.

انتهى الموضوع مثلما انتهت قبله مشاريع الانتقام لقادة كبار آخرين سبقوا فؤاد شكر. هذا هو فن الممكن. وما قدمه "حزب الله" يوم الأحد فيما كان الإسرائيلي يلاقيه في منتصف الطريق هو أفضل الممكن. ولذا لم يكن التهويل الخارجي والداخلي ولا الوعد بتحقيق تقدم في المسار التفاوضي حول غزة السبب في تأخير الرد. لقد أتى التأخير لأن الحسابات كما اعترف السيد حسن نصرالله دقيقة ومعقدة ليس بالنسبة الى إسرائيل، بل، وهنا الأهم، بالنسبة الى "حزب الله" الذي وازن بين رد يرضي بعضاً من بيئته، ولا يؤدي به الى الهاوية ليس حباً بلبنان، بل ضنّاً بوظيفته كتنظيم أمني – عسكري وضعت مرجعيته الإقليمية بقاءه فوق كل اعتبار.

في هذه الأثناء عاد "حزب الله" وإسرائيل الى لعبة الاستنزاف. لكن هل جرى ردع تل أبيب؟ هنا السؤال الأهم. "حزب الله" يعبر أنه ربح معركة الردع، أما إسرائيل فترى أن الرد الذي بدا أقرب الى إظهار القوة منه الى استخدامها حقق لها ردعاً للمرحلة المقبلة من حملة الاغتيالات التي قد تواصل تنفيذها ضد الجسم الأمني والعسكري للحزب المذكور. ومن يراقب الرد على اغتيال أكثر من ٤٣٠ مقاتلاً وقيادياً ميدانياً وعلى رأسهم قائدهم جميعاً يدرك واقع الخيارات المتاحة أمام "حزب الله". بمعنى آخر، ثمة سؤال مطروح: ماذا لو استكملت إسرائيل موجة الاغتيالات الكبيرة كما الحال قبل الرد يوم الأحد الماضي؟ هل يكون "حزب الله" نجح في فرض معادلة رادعة؟