بعد رد "حزب الله" عود على بدء في انتظار الانتخابات الأميركية!

لم يعد سرا أن رد "حزب الله" فجر الأحد الفائت على اغتيال إسرائيل أرفع شخصية عسكرية لديه كان منضبطا إلى أقصى الحدود، وهدف إلى إقفال الملف وتجنب الانزلاق إلى حرب واسعة ليست في مصلحته. ويقيننا أن قيادة الحزب المذكور كانت تعرف سلفا حدود القضية. لذلك، وبعد خطاب أول للأمين العام للحزب المذكور ٢٤ ساعة إثر الاغتيال أتى عالي النبرة ومرتفع السقوف والتهديدات، جاء الخطاب الثاني بعد أسبوع أكثر اعتدالا، كأن الهدف من تغيير اللهجة كان تحضير الرأي العام القريب من الحزب وحلفائه لئلا يذهب بعيدا في التصور أن عقاب "حزب الله" لإسرائيل لن يكون حدثا مفصليا في المواجهة التي بدأت بشن "حزب الله" حرب "الدعم والإسناد".

بعد الهجوم بـ٣٤٠ صاروخا وعدد من المسيرات الانقضاضية، تحدث الأمين العام السيد حسن نصرالله بلهجة أتت لتوضيح حدود الرد وإمكاناته الموضوعية. وكان الأساس طي صفحة الرد في إطار أفضل الممكن. وإذا كان من المهم الانتقام لاغتيال فؤاد شكر، فإن بقاء الحزب هو الهدف الأسمى في كل وقت. فنتائج حرب "الدعم والإسناد" هي في أقل تعديل "صعبة جدا" على "حزب الله" الذي خسر مئات من مقاتليه وقادته الميدانيين وصولا إلى رئيس أركان التنظيم العسكري، من دون أن يتغير شيء بالنسبة إلى معادلة الحرب الميدانية في قطاع غزة الذي سحقه الإسرائيليون بوحشية لا نظير لها في الحروب الحديثة. بل إن نتائج هذه الحرب الخاصة بـ"حزب الله" وبوظيفته كفصيل يأتمر بقرار المرشد الإيراني علي خامنئي، عرضته على الأرض لضربات قاسية جدا أظهرت الفارق الكبير بين المزاعم الإعلامية لقوته وقدراته، وحقيقة المواجهة مع إسرائيل وخلفها الغرب بأسره.

والفارق النوعي على مختلف الصعد يزداد وضوحا عند المقارنة بين الحرب الإعلامية والنفسية التي تتقنها مرجعية الحزب من طهران، والإسرائيلي وخلفه الأميركي عندما هب المرشد الأعلى قبل يومين لاستئناف التفاوض بين الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة مسعود بزشكيان و"العدو" الأميركي في شأن البرنامج النووي الإيراني.

ومع أن طهران تواصل توعد تل أبيب بالانتقام لاغتيال رئيس الكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في مجمع تابع لـ"الحرس الثوري" في قلب العاصمة، فإنها تكتشف أن الحدود مرسومة بالقدرات الحقيقية والملموسة للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الذي يتعامل مع إسرائيل بوصفها عضوا غير رسمي في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فيطبق معها المادة الخامسة من ميثاق الحلف الذي ينص على اعتبار أي هجوم تتعرض له إحدى الدول الـ٣٢ الأعضاء هجوما على الحلف. والواقع أن إسرائيل هي الدولة الـ٣٣ التي تماثل بأهميتها الدول الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

ومن هنا إدراك القيادة الإيرانية أن الذهاب أبعد من حروب "الدعم والإسناد" التي تخدم حصرا مشروع إيران التوسعي في المشرق العربي يشكل مجازفة كبيرة وخطرة جدا على مستقبل النظام.

استنادا إلى ما تقدم، فإن طي صفحة الانتقام من لبنان قد لا يعني بالضرورة طيّه لدى إيران بطريقة فجّة. لكن سلوك "حزب الله" يؤشر للصورة الكبيرة لمعسكر "وحدة الساحات". وبالنسبة إلى لبنان، عودة إلى المواجهات في انتظار موعد الانتخابات الأميركية في ٥ تشرين الثاني المقبل، أو أن يأتي حدث كبير يعيد خلط الأوراق في فلسطين ولبنان وسوريا. من هنا نفهم القرار الأميركي الإبقاء على جهوزية المجموعتين الضاربتين التابعتين لحاملتي الطائرات "فراكلين روزفلت"، و"ابراهام لينكولن"، فضلا عن المجموعة البرمائية "واسب"!