بعد لقاء بري وباراك: لبنان بين الورقة والنار

في كل زيارة لموفد أميركي إلى لبنان لمناقشة الوضع عند الحدود الجنوبية والعلاقة مع إسرائيل، تشخص الأنظار إلى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، حيث مقر الرئيس نبيه برّي "رأس حربة التفاوض"، كونه الحلقة الأقرب لحزب الله، والذي يفاوض باسمه ويقرّر معه مصير طائفة، وبلد بأكمله.

لا رسائل خفية

وفي إطار زيارة الموفد الأميركي توماس باراك اليوم إلى عين التينة، بعد لقائي بعبدا والسراي بالأمس، تشير مصادر مقرّبة من الرئيس نبيه بري لـ"المدن" إلى أن توقيت الزيارة لا يحمل في طياته أي رسالة، ولم يحصل أي تأخير، بل كان يوم الثلاثاء هو اليوم الذي حُدِّد سابقًا للزيارة. ورئيس المجلس لا يتعاطى بخفّة وشعبوية في أمور مصيرية تهدد مستقبل البلاد.

وثائق التفاوض

ثلاث أوراق معنونة "سري للغاية" باتت في عهدة الدولة اللبنانية: الأولى تحمل مقترح باراك الأول، والثانية ملاحظات لبنان والتي تضمنت "سبع أوراق"، والثالثة رد باراك الأحدث "بإحدى عشرة ورقة". وهنا تؤكد مصادر "المدن" أن الورقة الأخيرة حملت نصًّا مختلفًا عن النص الأول الذي وُضعت عليه الملاحظات، مما دفع الدولة اللبنانية إلى وضع ملاحظات جديدة، وإعادة بعض الملاحظات السابقة، وتكوين حصيلة نهائية للرد اللبناني، الذي سلّمه رئيس الجمهورية جوزاف عون، عاكسًا تفاهُمًا رئاسيًا حوله.

شروط لبنان

والأساس هو الضمانات التي حاول باراك التنصّل منها، لكن لبنان يُصرّ، وخصوصًا بلسان الرئيس بري -حسب المصادر- على أنه يجب أن تقوم إسرائيل بداية بخطوات تنفيذ الاتفاق، وليس فقط التعهّد بأنها "ستقوم". فلبنان، كما يؤكد رئيس البرلمان لباراك، قام بما عليه في منطقة جنوب الليطاني وفق اتفاق تشرين، بينما إسرائيل، وحتى اليوم، لم تقدّم أي خطوة ملموسة. وبالتالي، لا يمكن مطالبة لبنان بتقديم المزيد في موضوع السلاح، بينما إسرائيل تسرح وتمرح قتلًا واغتيالًا واحتلالًا للنقاط الخمس.

سلة متكاملة

مبدأ "الخطوة بخطوة" بدأ يتراجع، ومصادر الرئاسة الثانية تؤكد لـ"المدن" طلب رئيس المجلس أن يكون هناك سلّة متكاملة للحل، تضمن حقوق لبنان وأمنه الذاتي، وتجعله ينطلق في محادثات داخلية حول استراتيجية دفاعية. فلا يمكن مطالبة الحزب بتسليم سلاحه ومفاوضته على ذلك في ظل استمرار الاحتلال. ثم إن ما قيل حول مدة خمسة عشر يومًا تتوقف فيها إسرائيل عن الاعتداءات مقابل تقدم في موضوع نزع السلاح، تنفيه مصادر عين التينة وتقول: من يضمن إسرائيل بعد خمسة عشر يومًا؟

اللقاء الإيجابي

ولكن، وبالرغم من كل ما أحاط الزيارة من أجواء سلبية أثّرت في الشارع اللبناني الذي كان ينتظر لقاء باراك- بري، تقول مصادر رئيس المجلس لـ"المدن": "الزيارة دحضت الأجواء السلبية التي كانت قائمة، وعكست جوًّا إيجابيًا، وباراك تفهّم وجهة نظر الجمهورية اللبنانية التي عكسها الرئيس نبيه بري له". وتُجيب المصادر على سؤال حول ما إذا كان تصريح باراك لدى خروجه بأنه "متفائل، واللقاء كان ممتازًا"، بالقول: "نعم، باراك تكلّم صدقًا، اللقاء الذي جمعه بالرئيس بري فعلًا كان ممتازًا". ولكن يجب انتظار النتائج، ففي كل مرة نحاول إحراز تقدم لصالح لبنان، وعلينا أيضًا أن نرى كيف ستتجاوب إسرائيل مع أميركا في هذا الشأن.

نفي التباين

أحاديث عدة تسربها وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة حول تباين بين الرئيس نبيه بري وحزب الله في شأن الرد على باراك، بينما تلفت مصادر عين التينة إلى أن التوافق تامّ وحتمي، ولا مشكلة بتاتًا، وكل ما يُحكى هو من نسج الخيال. فالرئيس نبيه بري، وبصفته رئيسًا لحركة أمل، يشارك حزب الله المخاوف نفسها من اعتداءات إسرائيل التي لا تجد رادعًا لها، خصوصًا أنهما يتشاركان البيئة نفسها، والأزمات نفسها، ولديهما هاجساً رئيسياً هو "إعادة الإعمار". وهذا البند وحده يشكّل حجر أساس في أي اتفاق قد يحصل مستقبلًا.

الحل أو الانهيار

لم تكن الثالثة ثابتة، لكنها خطوة نحو الحل أو الانهيار. رئيس مجلس النواب يعلم تبعات انهيار وقف إطلاق النار، لكنه يعلم أيضًا أن أي خطوة إضافية من لبنان، من دون أي خطوة إسرائيلية، فذلك يعني أن لبنان بات مستباحًا، ولا شيء عند ذلك باستطاعته إيقاف مطامع إسرائيل التوسعية.