المصدر: المدن
الكاتب: نافع سعد
الثلاثاء 27 آب 2024 14:13:15
كيف تعمل مسيّرات حزب الله بنجاح متفاوت، رغم كل التقنيات التي يملكها الجيش الإسرائيلي؟ وكيف تستطيع التحليق واختراق الحدود وأنظمة التشويش والوصول إلى أهدافها، رغم تعطيل إسرائيل نظام الـ"جي.بي.إس"؟
تُعد قدرة الطائرات المسيّرة على الملاحة من دون الاعتماد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إنجازًا كبيرًا في هذا المجال. وابتدأ تطوير هذه التقنيات كحل للتحديات اللوجستية في عمليات الإنقاذ في المناطق التي تعاني من ضعف أو انقطاع إشارات الـGPS. ولكن مع تزايد النزاعات العسكرية وتطور تقنيات التشويش الإلكتروني، برزت الحاجة لطائرات مسيّرة قادرة على الملاحة الذاتية.
ساهم التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي على تنوع الحلول المتعلقة بالملاحة الذاتية وانتشارها على نطاق واسع. اليوم، تسعى الدول والجماعات المسلحة غير الحكومية إلى تطوير طائرات مسيّرة تتمتع بمزيد من الاستقلالية والقدرة على العمل في بيئات معادية. لم يعد الأمر مقتصرًا على تفادي التشويش أو القرصنة، بل أصبحت استقلالية الطائرات من دون طيار جزءًا أساسيًا من الاستراتيجيات العسكرية المستقبلية.
بدائل الـGPS في المسيّرات
تعتمد معظم الطائرات من دون طيار على نظام GPS أو ما يشبهه لتحديد مواقعها الجوية بدقة وتحديد مساراتها. ولكن، في حال المسيّرات التي لا تعتمد على أنظمة تحديد المواقع العالمية، تبرز أهمية استخدام مجموعة متنوعة من المستشعرات والتقنيات لتعويض غياب GPS.
تستخدم هذه المسيّرات مجموعة من الأجهزة مثل البوصلة الإلكترونية لتحديد الإتجاهات والجيروسكوبات ومستشعرات التسارع ومستشعرات الضغط الجوي ومستشعرات الليدار (LiDAR) وكذلك الكاميرات. هذه الأجهزة تعمل بتناغم لتوفير بيانات دقيقة حول موقع الطائرة، مسار طيرانها، والتعرف على البيئة المحيطة بها. يتم معالجة هذه البيانات بواسطة خوارزميات تسمح بمقارنة الصور والبيانات الملتقطة مع الخريطة المخزنة واتخاذ قرارات التشغيل المناسبة في الوقت الحقيقي.
تحديد الموقع بالرؤية الآلية
التحدي الأكبر للطائرات من دون طيار في غياب نظام GPS هو قدرتها على تحديد موقعها الجوي (Aerial Position)، فانعدام تحديد الموقع يعني عدم وجود مسار واضح لرحلة الطائرة من الأساس. هنا تبرز أهمية المستشعرات البصرية مثل LiDAR والكاميرات عالية الدقة، التي تلتقط الصور في الوقت الحقيقي وتقوم بتحليلها لتحديد موقع الطائرة من خلال مقارنتها بخريطة معدة مسبقًا للمنطقة. يعتمد برنامج تشغيل الطائرة على خوارزميات متقدمة لتحديد مسار الطائرة وتوجيهها من نقطة انطلاقها إلى نقطة الوصول، يشبه ذلك إلى حد كبير مسار رحلة السيارة ذات اللون الأزرق في خرائط غوغل.
ذكرت مجلة "The Economist" قبل شهر أن القوات الخاصة الأوكرانية طورت برنامجًا جديدًا يُدعى "Eagle Eyes"، والذي يمكّن الطائرات من دون طيار من التحليق من دون الاعتماد على نظام GPS، في محاولة لتحييد جهود التشويش الروسية. بالإضافة إلى القدرة على الملاحة بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي عبر تحليل الرؤية الآلية وتخطيط المسار، يمكن للبرنامج الأوكراني التعرف على الأهداف، مثل منصات إطلاق الصواريخ والدبابات، والتعامل معها إما بإسقاط القنابل أو الانقضاض الإنتحاري عليها، من دون الحاجة إلى تدخل من المشغل.
خوارزمية المسار والتخطيط الحركي
إن غياب نقاط مرجعية على طول الرحلة الجوية يعني أن الطائرة المسيّرة تطير بشكل أعمى. فالرحلة ليست مجرد إعطاء الطائرة أمرًا بالطيران المستقيم بين النقطة "أ" والنقطة "ب". بالطبع يتم تخطيط المسار مسبقًا، لكنه بعيد كل البعد عن الخط المستقيم، سواء على مستوى الارتفاع أو بالنسبة إلى ممرات الطيران الأفقية الآمنة، حيث أن تجنب العوائق والمخاطر ضروري جدًا لوصول الطائرة إلى هدفها. ومع ذلك، قد تطرأ العديد من المتغيرات على الرحلة وتجبر الطائرة على تغيير المسار أو تصحيحه. هنا تبرز أهمية الخوارزميات مثل خوارزمية ديكسترا (Dijkstra)، والتي تساعد في العثور على المسار الأمثل بين نقطتين. أما خوارزمية (D* Lite) فهي تُستخدم لإعادة التخطيط عند اكتشاف عوائق جديدة أثناء الطيران. إن سرعة تحليل إشارات مستشعرات قياس المسافات مثلاً قد تمكن الطائرة من تفادي الاصطدام بمبنى عالي والالتفاف حوله ثم إعادة تخطيط المسار من جديد.
برامج النظام الذاتي للطيران
عند الحديث عن التحكم بالطائرات المسيّرة بواسطة الكمبيوتر، قد يظن البعض أن ذلك يتطلب ميزانية ضخمة. ولكن في الواقع، يمكن لأي شخص تحميل برنامج تشغيل الروبوتات (ROS) وخوارزميات الملاحة الذاتية على كمبيوتر صغير مثل Raspberry Pi 4. ويوتيوب مليء بفيديوهات تشرح كيفية القيام بذلك خطوة بخطوة.
هناك أيضًا برامج معروفة مثل نظام RTK GPS للطائرات من دون طيار، وهو اختصار لنظام تحديد المواقع العالمي الحركي في الوقت الحقيقي. تُستخدم هذه التقنية في المسوحات الطبوغرافية وتوفر دقة تصل إلى مستوى السنتيمتر، مما يمكن الطائرات من دون طيار من إنشاء خرائط طبوغرافية دقيقة ومفصلة للغاية. تتراوح تكلفة نظام RTK GPS للطائرات من دون طيار من 2000 إلى 6500 دولار أميركي.
كذلك يُعد التحديد والتخطيط المتزامن (SLAM) خوارزمية معقدة تسمح للطائرات من دون طيار المستقلة برسم خريطة لبيئة غير معروفة مع تتبع موقعها في الوقت نفسه. يمكن لـSLAM استخدام مستشعرات مختلفة لتصور محيطها، بما في ذلك LiDAR والمستشعرات فوق الصوتية والكاميرات. يقوم مستشعر LiDAR بإصدار نبضات ليزر ويقيس الوقت الذي يستغرقه الليزر للانعكاس من الأجسام المحيطة. بعد ذلك يقوم برنامج ExynAI بإنشاء خريطة سحابية نقطية ثلاثية الأبعاد من خلال تحليل مكان هذه النقاط بالنسبة لوحدة القياس الداخلية في روبوت الطائرة (IMU).
مسيّرات حزب الله
من المرجح أن المسيّرات المتنوعة التي يستخدمها حزب الله في الحرب المستمرة منذ عشرة أشهر على الجبهة الجنوبية لا تعتمد على نظام GPS، بل تعمل بمستشعرات وكاميرات تصوير وخوارزميات الطيران الذاتي. ومن المحتمل أن بعضها يمتلك خاصية تشغيل وإطفاء الطيران الذاتي والتحول إلى التحكم اليدوي عند الحاجة. مسيّرة استطلاعية مثل الهدهد التي اغتنمت صوراً عالية الدقة، احتاجت العودة إلى قاعدتها ملاحة دقيقة جداً نظراً لأهمية المعلومات التي تحملها، ومن المرجح أنها تحولت إلى التحكم اليدوي بعد عودتها إلى الأجواء اللبنانية. وقد تكون صور الهدهد والأهداف التي حددتها تشكل إحدى الخرائط التي تعتمد عليها المسيّرات الهجومية والانتحارية الأخرى، حيث تتناسب الصور التي التقطها الهدهد تماماً مع حاجة المسيّرات التي تعتمد على الرؤية الآلية وخوارزميات الطيران الذاتي. ومن الملاحظ من التقارير الإخبارية أيضاً، أن دقة الملاحة في مسيرات حزب الله ليست هي نفسها في كل الأنواع. فهي تتراوح بين ما هو دقيق جداً كتلك التي سقطت مباشرة بين قدمي مشغل بالون التجسس في أحد المواقع العسكرية، وأخرى فشلت في الوصول إلى هدفها وسقطت على مزرعة دجاج!