المصدر: الجمهورية
الأربعاء 23 أيلول 2020 07:19:15
تصعيد بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي عاجَله بيان قاسي اللهجة من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يتساءل في مضمونه عمّا قدمت بكركي للبنان من تضحيات أمام تقديمات المقاومة وتضحياتها؟
أوساط بكركي استغربت السؤال، فأكدت لـ«الجمهورية» أنّ «كلام غبطته كان واضحاً تماماً، وهو قال انّ كلامه ليس موجّهاً ضد طائفة بل يصبّ في المصلحة الوطنية العليا ويفوق كل زواريب السياسة الداخلية، وهو خطاب وطني بامتياز وغير سياسي وهو يقول علناً ما يُهمس به سرّاً وخَبثنة». فيما لفتت الأوساط نفسها الى أنّ «كلام الراعي يفتح حواراً وطنياً حقيقياً بعيداً من التكاذب متمسّكاً بالدستور واتفاق الطائف ودعوة الى عَيش مشترك حقيقي والى مشاركة وطنية سليمة، وهو يرفض لطائفته ما يرفضه لأيّ طائفة أخرى».
وعلّقت أوساط بكركي على بيان المجلس الشيعي، لافتة الى أنّ «غبطته يقول: «لبنان أكبر من الجميع وهم يردّون عليه بـ»طائفتنا أكبر من لبنان ومصلحتنا قبل مصلحة لبنان وشعبه». وأضافت: «غبطته يردد في مئوية لبنان: طائفتي هي لبنان، وهم يقابلونه بلبنان هو في خدمة طائفتنا. هو يتحدث عن عيش الميثاق الوطني والعودة الى روحيته، وهم يلهثون وراء مثالثة باتوا يمارسونها فعلياً، وها هي الطائفة الشيعية تطالب علناً بوزارة المال».
مظلوم: لا تُسأل بكركي ماذا قدّمت للبنان
عن تقديمات بكركي وتضحياتها من أجل لبنان يقول المطران سمير مظلوم: «من المعيب أن تسأل بكركي عن مقدار تقديماتها وتضحياتها للبنان»، مذكّراً بأنها والبطريركية المارونية «سبب وجود لبنان... فلا وجود للبنان ولا قيامة له كدولة لولا بكركي والبطريرك حويّك خصوصاً، هو الذي فرض لبنان بالقوة على العالم بواسطة هالته وهيبته وقوته بعد التفويض الجامع الذي منحه إيّاه جميع اللبنانيين».
وقال مظلوم لـ«الجمهورية» انّ «التقديمات التي عملت عليها بكركي منذ القرن السادس عشر لكي يقوم لبنان الحالي كانت السبب الأساس في قيامه، وهذا العمل تراكم على مرّ السنين بالتحالف مع فخر الدين والامارة... فيما الموارنة ساهموا المساهمة الأكبر في تحضير استقلال لبنان، بإيجاده كبلد مستقل ومميز وبلد الحضارة والعلم والمعرفة والثقافة والتنوع والادباء والشعراء... ولو لم يقدّم الموارنة منذ القرن السادس عشر حتى القرن العشرين ما قدموه لَما كان من وجود للبنان».
ويشير مظلوم الى أنه «بعد قيام لبنان قيل انّ المارونية أصبحت مارونية سياسية إلّا أنّ هذه المارونية السياسية قدمت هي أيضاً كثيراً للبنان وضَحّت بالكثير»، متسائلاً «مَن دافع عن لبنان في حرب الـ 75 وطوال الحروب اللبنانية ومَن ثَبّته؟ فلولا الموارنة والمسيحيون ولو لم يسقط آلاف الشهداء منهم في سبيل بقائه لكان لبنان اليوم ربما قد أُلحق بإسرائيل».
وأضاف: «من هنا يجب التذكير بأنّ الحرب امتحنت الجميع، والجميع قدّم الشهداء، ومن المعيب طرح السؤال على الموارنة تحديداً ماذا قدمتم للبنان؟».
وفي السياق، إنتقدت أوساط سياسية إثارة موضوع المداورة في الحقائب الوزارية، ولا سيما منها حقيبة وزارة المال، على لسان الراعي في عظته الاخيرة، معتبرة «أنّ تَطرّقه الى الشؤون السياسية الداخلية والخلافية يتناقض مع الحياد الايجابي الذي يُروّج له».
ويرد مظلوم على هذه الاوساط ليسألها هل تدرك معنى الحياد الايجابي؟ ويقول: «انّ حديث الراعي الاخير يندرج في صلب الحياد الذي يدعو إليه ويأتي في سياق الحدث ولا يمكن فصله عن مسار الحياد، فلبنان لا يمكنه الدخول في محور معين من المحاور الاقليمية او الدولية، والحياد هو حل للمشكلة التي نعيشها لإخراج لبنان من محاولات ضمّه يمنة أو يسرة ولكي يبقى مستقلاً ولجميع أبنائه وليس فقط للموارنة، لذلك يجب تحييده عن الخلافات والنزاعات الاقليمية».
وعن خطاب الراعي، قال مظلوم انه «جاء في السياق نفسه للحفاظ على لبنان الذي ضَحّت بكركي والموارنة لأجل قيامه مثلما ضحّى الجميع». وأضاف: «الراعي طالبَ بدولة حيادية وحكومة حيادية تطعم شعبها الجائع، وطالبَ جميع الأفرقاء وليس الشيعة فقط لأنه لا يمكن قيام الدولة من دون قيام الحكومة»، متسائلاً: «لماذا تسجيل الوزارات باسم الطوائف؟ وأين النص الدستوري الذي يؤكد هذا الواقع؟ فالراعي دعا الى النظر في الامور بعقلانية وموضوعية. وهو لم يكن، وليس في وارد، شَنّ الحروب على الآخرين، فالحكومة المستقلة هي لمصلحة جميع اللبنانيين وليست موجهة ضد «حزب الله» أو الشيعة او السنّة او الدروز».
«ماذا علّمنا التاريخ؟»
وتعليقاً على خطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأخير، قال مظلوم: «انّ التاريخ يعلّمنا انّ أي بلد اذا أراد شعبه العيش والقيامة له ولا يريد الدفاع عنه من خلال الاتحاد، سيذهب الى الزوال، فكم من شعوب زالت على مرّ التاريخ بسبب اقتتالها وخلافاتها، ولن نكون آخر دولة تزول. ويمكن للبنان كدولة الذهاب الى الزوال، ويمكن لثلاثة أرباع الشعب اللبناني أن تهاجر الى الخارج اذا لم تفنها الحروب او شيء آخر»
ويتوجّه مظلوم الى «من يهمهم الأمر» قائلاً: «إننا أمام وضع استثنائي درامي لا مخرج منه سوى بالحكمة والتبَصّر وتَنازل كافة الأفرقاء عن مصالحهم الشخصية ليحافظوا على لبنان الدولة»، سائلاً: «من سيبني لبنان إن لم يفعل اللبنانيون ذلك؟ ومن سيُعيد المواطنين الى منازلهم ومن سيعيد لهم أرزاقهم؟ مُستدركاً: «هذا لا يعني أننا فقدنا الامل أو أننا أوقفنا مطالبتنا المؤمنين بالمواظبة على الصلاة والتشفّع لقديسي لبنان، إلّا اننا في الوقت نفسه لا يمكننا «تجربة الله» وطلب أعجوبة منه يومياً! فاللبنانيون يرمون أنفسهم في النار ويطلبون من الرب الخلاص، فيما المطلوب خروجنا بمعرفتنا من نار جهنم. ألم يقل يسوع «لا تجرّب الرب إلهك؟».