المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الخميس 6 حزيران 2024 07:35:51
تنطلق المنسّقة الخاصّة الجديدة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت التي تسلمت مهامها حديثاً خلفاً للمنسّقة السابقة يوانا فرونتسكا، في تولي مسؤولياتها، وسط تحديات ضخمة متفاقمة فرضتها التطورات الدراماتيكية المتسارعة جنوباً، مع ارتفاع حدة التصعيد على الحدود، فيما قرار مجلس الأمن الدولي الرقم ١٧٠١ مطروح بنداً أساسياً ووحيداً ربما على طاولة أي مفاوضات محتملة قريباً بين لبنان وإسرائيل برعاية أممية.
منذ وصولها يوم السبت الماضي، بدأت بلاسخارت فوراً جولة زياراتها البروتوكولية، فالتقت وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب ثم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بعدما مهّدت لوصولها ببيان مقتضب نشرت فيه نبذة عن سيرتها المهنية، مرفقة بتجديد لموقف الأمم المتحدة المتطلع إلى التعاون الوثيق مع السلطات اللبنانية وجميع الشركاء لتعزيز تنفيذ القرار ١٧٠١.
تحمل بلاسخارت رصيد ٢٥ عاماً من العمل في المجال الديبلوماسي والأمن الدولي، ولها خبرة في شؤون الشرق الأوسط، هي في الواقع في أمسّ الحاجة إليها لفهم تعقيدات الوضع اللبناني والتعاطي مع القيادات السياسية فيه.
أمام بلاسخارت فترة قصيرة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة لإعداد إحاطتها الأولى إلى مجلس الأمن في شأن تطبيق القرار الدولي. ليست ولن تكون هذه الأشهر المقبلة على لبنان سهلة في ضوء الانتهاكات اليومية المتصاعدة للقرار جنوباً أو حتى للتجديد للقوات الدولية العاملة هناك التي تنتهي ولايتها في آب المقبل، من دون إغفال أن التجديد الأخير حصل في ظل خلافات كبيرة حول صياغة القرار الذي أعدّته فرنسا وتناول توسيعاً لمهمات هذه القوات وهامشاً أوسع في حرّية تنقلاتها، وعدم التنسيق مع الجيش، ما اعتُبر انتقاصاً من دور الجيش وقفزاً فوق مندرجات القرار الدولية، وأثار ردود فعل قوية لدى "حزب الله" الذي اعتبر في حينها أنه مهما تكن اللغة أو الصياغة المعتمدة فستبقى حبراً على ورق! الأمر الذي تُرجم على أرض الواقع خلال الأشهر الماضية، إن على مستوى الاستهدافات التي طالت دوريات اليونيفيل أو على صعيد هامش التحرك.
لا تخفي بلاسخارت حجم التحديات التي يواجهها لبنان، وقلقها خاصةً من التطورات على الخط الأزرق. وفي أولى محادثاتها مع مسؤول لبناني، كشفت المسؤولة الأممية أنها ناقشت مع وزير الخارجية ضرورة عودة الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية وإعادة الالتزام بتنفيذ القرار الدولي لضمان الأمن المتبادل والمستدام.
وإن كانت المهمة الرئيسية لبلاسخارت تتصل في الدرجة الأولى بمتابعة تنفيذ القرار الدولي، فإن هذا لا يحول دون توقفها عند ما وصفته بالجمود السياسي الطويل الأمد والحاجة إلى انتخاب رئيس جديد والى مؤسسات فاعلة لقيادة البلاد للخروج من الأزمة والتحرك نحو التعافي المستدام.
في أول حديث لها خصّت به "النهار"، تحدثت عن انطباعاتها فقالت "إن انطباعي الأوّليّ عن لبنان لم يُبن فقط على أزماته وتحدياته. فلبنان هو أيضاً بلد يفتخر شعبه بثقافته الغنية ومجتمعه التعددي ويواصل السعي والابتكار والتطلّع لدفع البلد نحو مستقبلٍ أفضل. وهذه الطاقة معدية. بعبارة أخرى: لبنان يُلهم".
وقالت "يشرّفني ويسعدني أن أعمل ضمن فريق الأمم المتحدة في لبنان. مع الأسف، يتزامن وصولي مع فترة مضطربة مليئة بتحديات غيرمسبوقة للبنان وللمنطقة ككلّ. إنّ التخطيط المشترك والجهود الجماعية سيكونان أساسيين لإحداث التأثير المرجوّ. إنّني أتطلع للعمل عن كثب مع جميع الشركاء، في لبنان وخارجه، لتحقيق هذا الهدف".
عن أول جولة من الاجتماعات التي عقدتها مع القادة اللبنانيين هذا الأسبوع، كشفت أنه "جرى البحث في عددٍ من الأولويات، أولاها وأهمّها الوضع المقلق للغاية في جنوب لبنان وعلى طول الخط الأزرق. إنّ تكثيف تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق يسبب خسائر مدنية فادحة، مع وقوع العديد من الضحايا المدنيين، ونزوح داخلي لعشرات الآلاف منهم، وتدمير واسع للبنية التحتية المدنية، على كلا الجانبين. كلّ هذا يؤكد الحاجة الملحّة للعودة إلى وقف الأعمال العدائية، ومن ثمّ الشروع في عملية سياسية تستند إلى التنفيذ الكامل للقرار 1701 (2006)، لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع وضمان الاستقرار على المدى الطويل من خلال معالجة بنود القرار العالقة".
أضافت: "كذلك ناقشنا الفراغ الرئاسي الذي طال أمده وضرورة أن تعمل مؤسسات الدولة بشكل كامل، وأهميّة الإصلاحات الاقتصادية والمالية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحفيز التعافي، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين السوريين وتداعياتهاعلى لبنان إن لم تتم معالجتها".
وخلصت إلى القول إنه "على الرغم من أنّ هذه التحديات كبيرة ومعقّدة، فإن الحلول ممكنة ويمكن تحقيقها إذا توفّرت الإرادة السياسية اللازمة وسادت روح التعاون، بالإضافة إلى توفر الدعم القادم من الشركاء الدوليين".