بيرم يعلن عن زيادات للأجور... والقطاع الخاصّ يتذمّر: استعجل الإعلان!

صحيح أن الخطوة تحضر متأخرة وسبقتها إجراءات لغالبية أصحاب وأرباب العمل، وتخطّتها موازنات الأجور في القطاع الخاص، حتى باتت نسبة لا يستهان بها من قوى الإنتاج تقبض جزئياً أو كلياً بالدولار الفريش، بيد أن تحرك وزير العمل مصطفى بيرم باتجاه الهيئات الاقتصادية للاتفاق معها على مشروع لتعديل الحدود الدنيا للأجور، وتوحيد بدلات النقل والمتممات القانونية مع القطاع العام، جاء بمثابة سيف ذي حدين.

حدّ الزيادة العتيدة التي يحتاج إليها صغار الموظفين، وخصوصاً ممّن لم يشملهم عطف وإمكانيات مؤسّساتهم، وكذلك أصحاب الأجور المعدّلة الذين يبتغون من الزيادة قوننة مداخيلهم للإفادة مستقبلاً من تراكم الاشتراكات في تعويضات نهاية الخدمة، حيث إن غالبيتهم تخطت رواتبهم الحد الأدنى الحالي بأشواط وتتماهى مداخيلهم الشهرية مع تطوّر سعر صرف الدولار.

الحد الآخر، يهدد القطاع الخاص الذي بعدما تلقى جرعة مقوّيات، وبدأ يشعر بالتحسّن العام الفائت، عاد "القهقهرى" ليقترب من مربع الجمود السابق، بعد اندلاع حرب غزة والخوف من تمدّدها الى لبنان، وصار من غير الواقعي والعلمي قبوله بتحمّل أيّ أعباء إضافية، وخصوصاً ثقل الأجور لما لها من تداعيات مقلقة على موازنات مختلف مؤسسات القطاعات الاقتصادية، وقد تحدّ من صمودها في هذه الظروف، وتهدّد بقاءها في السوق".

إعلان وزير العمل أنه اتفق مع الهيئات الاقتصادية وممثلي العمال على "توحيد بدل النقل بين القطاعين العام والخاص وزيادة الحد الأدنى للأجور ليصرّح عنه في الرواتب وفي الضمان الاجتماعي لزيادة وارداته وتحسين عملية الاستشفاء"، لم يستسغه أرباب العمل خصوصاً في ظلّ ما تعانيه مؤسساتهم واستثماراتهم من تراجع حركة الأعمال.

بيرم الذي أكد أن بدل النقل في القطاعين العام والخاص سيرتفع من 250 ألفاً الى 450 ألفاً يومياً أي ما يعادل 100 دولار شهرياً، وأنه تشاور في موضوع رفع الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص مع رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ومع رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير، كشف أنه حدّد موعداً للجنة المؤشر يوم الخميس المقبل.

رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير الذي لم ينف التشاور مع بيرم في شأن الأجور "لكننا لم نحدّد التفاصيل، بل اقتصر الكلام على ضرورة أن نتحرك خطوة في هذا الشأن". وأكد أنه "تم الاتفاق على اجتماع للجنة المؤشر هذا الشهر، بيد أننا لم نتطرّق الى الأرقام التي لا يزال الكلام حيالها بعيداً جداً، إذ علينا أن نجتمع أولاً كهيئات للاطلاع على إمكانيات كل قطاع من القطاعات الاقتصادية ومن بعدها لكل حادث حديث، علماً بأن الأوضاع لا تزال ضبابية خصوصاً بعد الاعتداء الإسرائيلي في الضاحية أول من أمس".

ولكن مصادر أخرى في الهيئات الاقتصادية وضعت الكلام الذي صدر عن وزير العمل في خانة التمنّي أكثر ممّا هو ينم عن الكلام الواقعي، وأشارت الى أن كلام بيرم سيكون موضع نقاش في اجتماع للهيئات الاقتصادية اليوم بعد الظهر، مع التأكيد أن "الهيئات ليس في وارد زيادة الأجور أبداً حالياً". وقالت "حتى لو كانت ثمة نيّة بالموضوع، فإن الهيئات يجب أن تتشاور في الأمر، إذ ثمّة تحفظات في بعض القطاعات خصوصاً مع تراجع نشاط الأعمال بعد حرب غزة، وتالياً فإن الوزير استعجل كثيراً الإعلان عن الزيادات".

وإن كانت الهيئات الاقتصادية تجد في إعلان الوزير بيرم عن البحث في زيادة الأجور تسرّعاً في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، فإن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر أكد أن الزيادة وتوحيد بدلات النقل أمر لا مفر منه، وأنه لا يجوز تأجيل الموضوع أكثر. وأكد لـ"النهار" أن الحديث كان واضحاً مع شقير وبعض الهيئات على زيادة الأجور مع شبه اتفاق على دعوة هيئة المؤشر للاجتماع الخميس المقبل (مع إمكان تأجيله يوم واحد أو عقده الأربعاء المقبل على اعتبار أن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري سيزور الاتحاد الخميس). وسيكون على جدول أعمال لجنة المؤشر توحيد بدلات النقل في القطاعين العام والخاص لتصبح 450 ألفاً يومياً، إضافة الى إعادة تقييم الأجر، إذ من غير المعقول أن يبقى الحد الأدنى للأجور على معدل 110 دولارات، فيما يجب أن لا يقل عن 400 دولار شهرياً". ولا ينكر الأسمر أن "الوضع الاقتصادي صعب، ولكن واجباتنا كاتحاد عمالي أن نسعى لتحسين ظروف العمال، علماً بأن الاتفاق على الزيادة تم قبل حرب غزة، ولكن أتت الحرب لتقضي على كل شيء". مع الإشارة الى أن الزيادة الأخيرة للأجور أقرّت في نيسان الماضي، إذ رُفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص الى 9 ملايين ليرة أي بزيادة 4 ملايين ونصف المليون، وزيادة بدل النقل إلى 250 ألف ليرة عن كل يوم حضور، ورفع سقف المرض والأمومة ضعفين. وتم الاتفاق حينها أن تخضع هذه الزيادات خاضعة للمراجعات تبعاً لتقلّبات سعر صرف الدولار لمراعاة العدالة في هذه المسألة.

ويؤكد الأسمر أن جزءاً كبيراً الهيئات الاقصادية لا يلتزم بالحد الأدنى للأجور، بل تدفع رواتب لعمالها 400 دولار وأكثر، ولكن المشكلة هي في التصريح للضمان الاجتماعي، فالبعض يتهرب من التصريح عن الأجر الفعلي للمضمونين، وخصوصاً بالنسبة إلى مبالغ التسوية، فيما يصرّح آخرون على سعر صرف 15 ألف ليرة، مع الإشارة الى أن غالبية المؤسسات والشركات تسدّد أجور موظفيها إما جزئياً أو كلياً بالدولار الأميركي، ولكنهم لا يصرّحون للضمان بذلك. لذا نحاول بأي طريقة زيادة الأجور والتصريح الفعلي عنها للضمان الاجتماعي بغية رفد الصندوق بأموال تمكنه من الصمود والاستمرار بتقديماته الصحية والعائلية للمضمونين.