بين السيناريو الأفضل والأسوأ: الحكومة حتماً ولا اعتذار

بدا واضحاً من كلام رئيس الحكومة المكلف نواف سلام من قصر بعبدا غداة اجتماعه برئيس الجمهورية أول من أمس، عن التزامه التأليف وأنه ليس بساعي بريد، أنه قرر استعادة زمام الأمور في الملف الحكومي، بعدما لمس أن الأمور مرشحة لأن تفلت من يديه وتنزلق مجدداً إلى منطق المحاصصة والتقاسم على غرار ما كانت عليه آليات تأليف الحكومات.

أكثر من سيناريو فرض نفسه أمام اللهجة التي أطل بها سلام من بعبدا، في مؤشر واضح أن مسار التأليف ليس وردياً، ومناخات التفاؤل والإيجابية التي سادت انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف سلام بدأت تتراجع أمام العقد الحكومية، التي يعول اليوم على رئيسي الجمهورية والحكومة لتذليلها، انسجاماً مع الزخم العربي والدولي، وقبل تراجع وتيرته لمصلحة أولويات إقليمية أخرى يتقدمها ملفا غزة وسوريا.

حرص الرئيس المكلف على الرد على الانتقادات أو التسريبات التي ترددت في اليومين الماضيين في الإعلام، كاسرة المناخ الإيجابي، فحدد ثلاث ثوابت ستحكم الحكومة العتيدة: تأكيد صلاحيات رئيس الحكومة واستعمالها كاملة على نحو يقطع الطريق على أي محاولات جارية لاستدراج سلام إلى تركيبات لا تشبهه ولا تشبه صورة العهد الجديد وخطاب القسم. وهذا أمر بقدر ما طمأن جزءا من الطائفة السنية، أزعج جزءاً آخر بدأ يشعر بأن الإقصاء يمارس على هذه الطائفة وليس على غيرها. علماً أن الانزعاج ينسحب أيضاً على اختيار الشخصيات المقترحة للوزارة.

الثابتة الثانية رفضه مبدأ المحاصصة، والتزام حقائب لفريق دون آخر، علماً أن هذا المبدأ سيكون رهن الاختبار، بعدما ثبت أن حقيبة المال ستسند إلى شخصية شيعية، ستكون النائب السابق ياسين جابر الذي استدعاه الرئيس نبيه بري من لندن. يلاقي هذا الأمر انزعاجا في أوساط الكتل الأخرى التي تعجز عن حجز مقعد وزاري لها وفق ما تطلبه وليس وفق ما يرتئيه لها الرئيس المكلف، وقد يكون حزب "القوات اللبنانية" أسطع دليل على ذلك، إذ ترى "القوات" أن لها الأفضلية والحق في الاختيار، وإن كانت تنازلت عن هذا الأمر لتسهيل مهمة الرئيس المكلف، لكنها حتماً لا تقبل بأن ينسحب الأمر عليها وحدها دون سائر الكتل.

أما الثابتة الثالثة فتتصل بقرار سلام أن تكون حكومته من خارج المنظومة السياسية والحزبية، أي بوجوه جديدة لا تشكل مرآة أو انعكاساً للأحزاب، رغم تلمس زواره رغبته في توزير شخصيات مخضرمة مثل الوزيرين السابقين طارق متري أو غسان سلامة. وعليه، سيقع سلام في التناقض، الذي سيدفع القوى السياسية إلى المطالبة بتسميات لشخصيات كان لها حضورها سابقاً في العمل الحكومي أو النيابي.

ولا تقف عقد التأليف عند هذا الحد، بل هي تزرع طريق الرئيس المكلف بجملة من الألغام والمطبات بسبب المعايير الموضوعة للتأليف. وهذا الأمر يدفع إلى السؤال عما إذا تبددت الأجواء المتفائلة بسرعة التأليف، وما سيكون مصيره؟

أكثر من سيناريو يجري تداوله في الأوساط المواكبة لهذا المسار، تذهب من الأكثر تفاؤلاً إلى الأكثر تشاؤماً، علماً أن سيناريو واحدا هو الأقرب إلى التحقق. ففي حين يرى السيناريو المتفائل أن الحكومة ستبصر النور نهاية هذا الأسبوع على أبعد تقدير، ليكون المشهد الحكومي قد اكتمل قبل انتهاء مهلة الستين يوماً على اتفاق وقف النار، ومواكبة لزيارتي وزيري خارجية السعودية والكويت، ينحو السيناريو المتشائم نحو اتفاق الرئيسين على تشكيلة تعلن من بعبدا ولا تحظى بثقة المجلس، فتتحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال. وتتناقض الآراء حيال هذا السيناريو بين من يرى أنه مؤذٍ للعهد في بداية انطلاقته، بحيث تضرب صورته وقدرته على الإنجاز، فيما يرى بعض آخر أن هذا السيناريو على ضرره، لن يؤثر في العهد لأنه سيطلق يد الرئيس في شكل كبير في ظل وجود رئيس حكومة من دون صلاحيات. وبحسب آراء قانونية، يمكن حكومة مماثلة أن تعمل من خارج المفهوم الضيق لتصريف الأعمال، مستندة إلى تجربة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حيث تم اعتماد مبدأ أن الضرورات تبيح المحظورات.

المؤكد وفق مصادر سياسية أن الأمور لن تصل إلى هذا الحد، ولو أن كل المعلومات المتوافرة تشي بأن سلام قرر السير بوضع تشكيلة حكومية وفق مواصفاته ومعاييره، من اختصاصيين مقبولين من الأحزاب، وسيطرحها على الرئيس وتنال الثقة لكنها قد لا تحظى بالتسهيل والتجاوب في المجلس إذا جاءت حصراً من اختصاصيين وأكاديميين أو من رحم المجموعات المدنية الناشطة مثل مجموعة "كلنا إرادة" التي ترى أوساط مراقبة أنها تحمل معها مشاريع اقتصادية من شأنها أن تقلق من هم في السلطة، ليس لأنها أجدى، بل لأنها ترمي إلى استبدالهم شكلاً وليس مضموناً.

وعليه، ورغم المناخ المتردد حيال ولادة وشيكة هذا الأسبوع، لا تستبعد المصادر المواكبة هذا الأمر، وإن كان أي تأخير قد يحصل سيكون لمصلحة ألا تفضي الأجواء الراهنة إلى حكومة تحدّ وأمر واقع تحكم على نفسها بالفشل!