بين اللبناني والقانون علاقة جدلية صعبة وهذا هو العلاج!

بين المواطن اللبناني والقانون علاقة جدلية «غريبة عجيبة» تستحق النظر لفهمها وتحليلها، لأن شعار دولة القانون وحكم القانون يكاد لا يغيب عن لسان أحد في لبنان. وحين نأتي إلى تطبيق القانون، يبدأ التحايل والتشاطر والتجاهل والتهاون، كما يحصل مثلا حيال تطبيق قانون السير وقانون منع التدخين وقوانين البيئة. وكأن اللبناني وعلى مدى التاريخ الحديث شب على عدم تطبيق القوانين بشكل فعال وحازم، ومن شب على شيء شاب عليه.

بالأمس بدأ عهد رئاسي جديد في لبنان، تعهد فيه رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في قسمه بالمجلس النيابي بـ«بناء وطن تحت سقف القانون وتحت سقف القضاء.. وبحريات تستند إلى حكم القانون»، قائلا إنه «عهد احترام الدستور وبناء الدولة وتطبيق القوانين».

والسؤال: هل المطلوب لبناء الدولة من جديد إعادة تفعيل القوانين أو إعادة التذكير بها عبر حملات إعلامية أو ما شابه، أو نسج ثقافة مواطنية جديدة لا مكان فيها للتحايل على القانون وإنما لاحترامه وتطبيقه؟

الباحث «في الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين وفي حديث إلى «الأنباء» قال: «ينتمي اللبناني إلى طائفته لا إلى دولة وقانون ونظام. وهذا ما يفسر مخالفته للقانون وعدم التزامه به كعدم دفعه الضريبة مثلا لأن دولته هي طائفته». ولفت إلى أنه «ليس من باب الصدفة أن يهتم (اللبناني) بتشييد مراكز ومؤسسات دينية، تعود لطائفته من دون الاهتمام ببناء مؤسسات لها علاقة بالشأن العام».

كما توقف شمس الدين عند نقطة هامة في معرض تعليله لمسار عدم التزام المواطن بالقانون، هي «أن القوى والجهات المعنية بتطبيق القانون من أمنية وبلدية وقضائية لا تسهر على تطبيقه، على غرار ما يحصل مثلا في حالات مخالفات السير والتهرب الضريبي والجمركي وعدم احترام المعايير البيئية».

وأضاف: «الأخطر من كل هذه الأمور التي يمكن أن تقع من دون ملاحظتها ومتابعتها والمعاقبة عليها من قبل القوى المعنية، هو ما يحصل على صعيد البناء. فإذا افترضنا وجود مليوني وحدة سكنية في لبنان، نجد أن ربعها مشيد من دون ترخيص أو مع ترخيص ولكن بمخالفة مضمونه. وتكفي جولة على الطرقات والأوتوسترادات العامة للوقوع على مشاريع تم بناؤها على جوانبها، من شقق ومطاعم ومحال من دون مراعاة المعايير والتنظيم المدني. وهي مشاريع مخالفة تسبب ما تسببه من زحمة سير وسوى ذلك من أمور».

وكنموذج عن علاقة اللبناني بالقانون، توقف الخبير الدولي في السلامة المرورية رئيس المرصد اللبناني للسلامة المرورية في منظمة «جوستيسيا» ميشال مطران عند العلاقة مع قانون السير. وقال لـ«الأنباء»: «علاقة اللبناني بالقانون صعبة جدا وينطبق عليها المثل القائل: الكل يريد التغيير لكن أحدا لا يريد أن يتغير، أي أن اللبناني لا يبدأ التغيير من ذاته». وأضاف: «في نموذج قانون السير، نجد أن اللبناني حين يسافر إلى الخارج، يلتزم بقانون السير فقط لأن هناك ثقافة ردع، أما حملات التوعية فالأكيد أنها لا تنفع إذا لم تترافق مع سياسة لتطبيق القانون. والأكيد أيضا أن التدخلات التي تقوم بها السلطة لتطبيق القانون لا تنفع. وقد استخدمت كلمة «تدخلات» لاختلافها الكبير عن «الإستراتيجية المستدامة»، لأن السلطة في لبنان تقوم بتدخلات في مواسم معينة، فتقيم القوى الأمنية حواجز على الطرقات حين يموت أشخاص أو يأتي وزير جديد أو عهد جديد، وفي اليوم التالي تنتهي التدخلات من دون أي خطة أو إستراتيجية مستدامة».

وبحسب مطران، فإن «معالجة الخلل في احترام القانون وتطبيقه تتوقف على أمرين: أولهما إرساء ثقافة ردع مستدامة مبنية على إستراتيجية، على أن تترافق مع حملات توعية بحيث تكون جزءا منها، لا أن تكون هذه الحملات هي التدخل الأساسي. وثانيهما بناء ثقافة قانون لدى الجيل الجديد أو الناشئ، لأن الجيل القديم لا تنفع معه التربية وإنما الردع».

وأوضح مطران أن «ثقافة الردع تقوم على فلسفة الجانب الموضوعي، بحيث يهاب المواطن القانون بفعل ما يسمع عن التشدد في تطبيقه والثقافة العامة للبلد. وفلسفة الجانب الذاتي المتعلقة بتجربة الشخص مع تطبيق القانون، وكلا المستويين غائبان في لبنان».

الأكيد أن لبنان لن يسلك سكة الإصلاح من دون قبضة من حديد للسلطة في تطبيق القانون، ومن دون ثقافة القانون لدى المواطن، وكلاهما حتى اليوم برسم الحلم بلبنان جديد..