المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الأربعاء 25 حزيران 2025 15:18:41
وسط تأكيد وزارة الاتصالات العمل على تطوير القطاع وتوسيع خدماته، يبحث المواطنون عن انعكاسات التطوير التي يفترض أن تطاول خدمات الاتصالات والانترنت التي يحصلون عليها. ومع تخفيض أسعار خدمات شركتي الخليوي تاتش وألفا، مقارنة بما كانت عليه سابقاً، فإنها لا تزال مرتفعة قياساً بنوع وجودة الخدمات، ومقارنة مع الأسعار المعتمدة في المنطقة والعالم. وتستعدّ تاتش وألفا لاستقبال موسم الصيف الذي سيشهد ارتفاعاً في الاستهلاك، لكن الاستعداد لا يُحدث تحوّلات جذرية للمستهلكين، خصوصاً على مستوى الأسعار. أمّا التغييرات الفعلية، فتُحال إلى المستقبل.
استقبال موسم الصيف
بدأت الشركتان سريعاً بإصلاح الأضرار التي لحقت بمراكزهما ومحطات الإرسال إثر الحرب الإسرائيلية على لبنان. فتمكّنتا من إصلاح نحو 90 بالمئة من المحطات المتضرّرة.
وقرّرتا استكمال الإصلاحات استعداداً لموسم الصيف، مع توقّع ارتفاع الاستهلاك في تلك الفترة. وبحسب المدير العام لشركة ألفا، جاد ناصيف، فإن الشركة "على جهوزية تامة لموسم الصيف، وتتوقّع ارتفاع استهلاك البيانات بنسبة 10 بالمئة"، لافتاً إلى أنّ "معدّل الاستهلاك الشهري للبيانات لكل مشترك بلغ 9.2 GB منها 93 بالمئة على شبكة الـ4G+".
واستعداداً لفصل الصيف فإن "الشركة بصدد تحويل مركز عمليات الشبكة Network Operations Center إلى مركز رقمي متكامل مدعوم بالذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الخدمة ومراقبة الشبكة بفاعلية أكبر".
علماً أنّها كانت قد وضعت "خطّة على 3 سنوات لتحديث الشبكة، وتتضمّن استثمارات لتحديث 80 بالمئة من مكوّنات الشبكة والبنية التحتية، لتكون في جهوزية تامة للمستقبل والـ5G".
بدوره أوضح المدير العام لشركة تاتش سالم عيتاني، أنّ الشركة "لديها خطة لتحسين الشبكة وتعمل على تحقيقها بالتنسيق مع وزارة الاتصالات، وتشمل، التغطية، السعة وتعزيز بعض سمات الخدمة".
واستعداداً لموسم الصيف، أكّد عيتاني أنّ الشركة "جهّزت نفسها بتوفير 6 محطات إرسال نقّالة MBTS ومحطتين ذات سعة عالية، لاستخدامها في مختلف المناسبات كالمهرجانات وغيرها، بالإضافة إلى إجراء تحسينات استباقية في مناطق الاصطياف وتلك التي ستشهد فعاليات متنوعة. كما أجرت عمليات ترقية السعة لروابط التجوال".
التماس تغيير الخدمات
تلك الخدمات لا ينتظرها المستهلكون، وذوي الدخل المحدود منهم. فهؤلاء ينتظرون تحسينات مباشرة على مستوى الكلفة وتقديم باقات أكبر من الخدمات، وفي مقدّمها إطالة عمر الخطوط الخليوية مسبقة الدفع، أي عدم اضطرارهم لـ"تشريج" الخط شهرياً، ما يعني إعادة شراء الشريحة أو "الخط" بشكل غير مباشر، في حين أنّ عمر هذه الخدمة في أغلب دول العالم يمتد بين 6 أشهر وسنة على أقل تقدير.
ومن غير الوارد أن تبادر الشركتان في المستقبل القريب لإجراء تعديلات فعلية على المدّة الزمنية لعمر الخطوط الخليوية. إذ أكّد ناصيف لـ"المدن" أنّ "استثماراتنا لا تتحمّل أن يبقى الخط بدون دفع لأكثر من شهر". وأوضح أنّ "ما يحدّد هذا الأمر هو حجم الإيرادات. وبعد إعادة التسعير في العام 2022، تراجعت الإيرادات بمعدّل 67 بالمئة". ورأى أنّ "المشترك لدى ألفا وتاتش، يدفع 8 دولارات كمتوسّط كلفة شهرياً، وهي بالكاد تكفي للقيام بالاستثمارات، وإذا تم تفعيل الخط المسبق الدفع ليدوم أكثر من شهر أو شهرين، فلن نستطيع الاستمرار في الاستثمار". واعتبر أنّ "كلفة الاستثمارات كبيرة خصوصاً في مجال الطاقة التي تشكّل 30 بالمئة من مجمل المصاريف التشغيلية، وهذه كلفة تحتّم أن لا يكون عمر الخط 6 أشهر أو سنة، في حين كانت كلفة الطاقة قبل الأزمة الاقتصادية 11 بالمئة".
وتماهى عيتاني مع ناصيف في اعتبار أنّ الوقت غير ملائم لمثل هذه التعديلات. لكنّه لم يقطع الأمل، فأكّد لـ"المدن" أنّ شركة تاتش "تتوجّه لمضاعفة الخدمات بالسعر الحالي نفسه. وخلال الأشهر الستّة المقبلة، سنطبّق العديد من الخدمات التي يحتاجها المواطنون". أمّا مسألة إطالة عمر الخطّ لسنة، جزمَ عيتاني أنّه "لا تستطيع ذلك، بسبب الكلفة، لكن الموضوع قيد الدرس".
تبريرات غير مقنعة
استناد ناصيف وعيتاني إلى كلفة التشغيل وتراجع حجم الإيرادات، لتبرير عدم تقديم خدمات فعلية للمستهلكين، أمر غير مقنع لأسباب كثيرة. أوّلها أنّ حجم الإيرادات كان مرتفعاً جداً قبل الأزمة، وكذلك حجم الهدر الذي كشفه ديوان المحاسبة. وفي الوقت عينه، كانت الأسعار التي يدفعها المواطنون مرتفعة جداً، وهي وإن كانت قد تراجعت من نحو 11 دولاراً إلى نحو 8 دولارات كمعدّل وسطي شهرياً، إلاّ أنها لا تزال مرتفعة.
كما أنّ اعتراف ناصيف بأنّ كلفة الطاقة كانت تشكّل 11 بالمئة من المصاريف التشغيلية، يستدعي التساؤل عن سبب عدم تخفيض أسعار الخدمات حين كانت المصاريف التشغيلية أقلّ ممّا هي عليه اليوم، وكانت الإيرادات أعلى.
ما استند إليه المديران العامّان للشركتين، رفضَه رئيس جمعية المستهلك زهير برّو الذي اعتبر أنّ "الشركتان تضخّمان حجم المصاريف والأكلاف لتخفيض حجم الأرباح". ودعا برّو في حديث لـ"المدن" إلى "إجراء مراجعة عامة لملف الاتصالات، وهذا القرار بيد الدولة".
أمّا مراجعة الأسعار، فتظهر بالنسبة إلى برّو، أنّ خفض متوسّط الكلفة الشهرية إلى 8 دولارات "لا يزال غير كافٍ، لأنّ الكلفة الشهرية في فرنسا على سبيل المثال، هي 2 يورو، وبخدمات أكبر وأفضل. أمّا دفع المستهلك لـ7 يورو، فيمكِّنه من الحصول على انترنت غير محدود وبتقنية الـ5G وبلا انقطاع وبتغطية أكبر".
ولذلك، لا يمكن لشركتي الخليوي في لبنان التذرّع بالأكلاف لعدم تقديم خدمات أكبر وبأسعار أقل. علماً أنّه في فرنسا "هناك مساحات واسعة مقارنة بعدد السكّان، ما يعني دفع تكاليف أكبر للاستثمار، في حين أنّ مساحة لبنان صغيرة والكثافة السكنية كبيرة، وهذا ما يقلّص كلفة الاستثمار". والأمور بالنسبة إلى برّو "واضحة تماماً. فهذا القطاع يبيض ذهباً لفئات معيّنة، ولذلك لن يكون هناك إصلاحات فعلية تفيد المستهلكين".
المستهلك لا يشعر بأي تحسينات كافية، وبيض الذهب يختفي في دهاليز لم تُكشَف بعد. فبتوثيق من ديوان المحاسبة قبل نحو 3 سنوات، تبيَّنَ أنّه خلال 10 سنوات، أي بين العامين 2010 و2020، حقّق قطاع الخليوي نحو 17 مليار دولار، ذهب منها 11 مليار دولار للخزينة العامة، في حين بقي هناك 6 مليارات دولار، من بينها نحو 1.4 مليار أكلاف مصاريف استثمارية للدولة و650 مليون دولار لتطوير الشبكات التقنية، ما يعني أنّ نفقات الدولة بلغت مليارين و50 مليون دولار، أي هناك 3 مليارات و950 مليون دولار مجهولة الأثر.