المصدر: النهار
الكاتب: جاد فياض
الأربعاء 19 شباط 2025 08:45:44
انطلقت المحادثات الروسية – الأميركية في السعودية لتحضير أرضية القمّة المنتظرة بين ساكن الكرملين فلاديمير بوتين ونظيره في البيت الأبيض دونالد ترامب، والتي من المرتقب أن يكون على جدول أعمالها إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، ورفع العقوبات عن موسكو وإعادتها إلى منظومة المجتمع الدولي ومؤسساته السياسية والاقتصادية.
القمة المرتقبة ستكون حجراً في موزاييك المشهد الدولي الجديد، مع تشييد ترامب نظاماً عالمياً غير تقليدي بموجبه يتغيّر شكل العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي سياسة تتماهى جزئياً مع نظرية ثعلب الديبلوماسية الأميركية هنري كيسنجر القائمة على "التشاركية" والانفتاح على الصين وروسيا لمنظومة دولية تراعي المتغيّرات.
خلال اللقاء التحضيري الروسي – الأميركي في السعودية، تم التوافق على تطبيع العلاقات بين الطرفين، ووضع أسس للتعاون المستقبلي بين واشنطن وموسكو، وتعيين فريق لبدء العمل على مسار لإنهاء حرب أوكرانيا، واستمرار اللقاءات مع الوفد الروسي، وفق إعلان الخارجية الأميركية.
مدير مرصد الدول العربية في باريس أنطوان بصبوص يرى في سياسة ترامب "محاولة لتغيير النهج واعتماد سلوك معاكس تماماً" لسياسة سلفه جو بايدن، وانطلاقاً من هذا الواقع اقترح اللقاء مع بوتين، "ويريد أن يلمع نجم ديبلوماسيته لتحقيق جائزة نوبل للسلام"، وذلك من خلال إنهاء حرب أوكرانيا، "لكن ترامب يعي أن ثمة أثماناً يجب أن تُدفع لتحقيق مراده"، وفق ما يقول لـ"النهار".
بتقدير بصبوص، فإن الصفقة ستقوم على "وقف الحرب" من قبل روسيا واعتماد الخطوط الأمامية للجبهات كحدود، مقابل "رفع العقوبات عن موسكو وإعادتها إلى المجتمع الدولي ومجموعة السبع"، لكنه لا يرى أن ترامب سيدفع الثمن، بل على العكس، "فإن حلفاءه سيدفعون الأثمان، على رأسهم أوكرانيا، ومن بعدها أوروبا، ومن ثم حلف شمال الأطلسي".
هذه الصيغة التي تدور حولها التوقعات كنتيجة فعلية لمباحثات روسيا والولايات المتحدة على صعيد التحضير للقمّة سترسم شكل النظام العالمي الجديد القائم على أدوار لواشنطن وخصومها التقليديين، عكس النظام الذي اعتمده بايدن وقبله الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، التي قامت على دور الولايات المتحدة والحلفاء التقليديين، أي أوروبا.
ينطلق بصبوص من هذا الواقع ليشير إلى أن الأهداف البعيدة المدى تتمثّل باستقطاب روسيا "وإبعادها عن الصين بهدف محاصرة بكين"، وهذه المآرب ستكون لها أبعادها على الأوروبيين "الذين يواجهون خياراً لا ثاني له، وهو استيعاب الواقع الجديد وأخذ مصيرهم وأمنهم على عاتقهم بعيداً عن الاتكال على الناتو والمظلّة الأميركية".
أسهم نجاح المفاوضات المنتظرة بين بوتين وترامب مرتفعة وتتفوّق على أسهم الفشل التي يعوّل عليها الأوروبيون الغاضبون من تخطّي ترامب لاتحادهم وسعيه لعقد مفاوضات واتفاقات وصفقات دون إشراكهم فيها، والنجاح برأي بصبوص ينطلق من "رغبة مشتركة بوتينية ترامبية في الوصول إلى إنهاء الحرب ووقف الخسائر".
في المحصّلة، فإن بوتين ينتظر القمّة الأميركية – الروسية التي ستمنحه صورة "النصر" التي لطالما أرادها منذ سنوات، بعدما اعتمدت الولايات المتحدة ومعها أوروبا سياسة العزل ضده، وسيعود الدب الروسي إلى المجتمع الدولي حاملاً على كتفيه جثّتي أوكرانيا وأوروبا، فيما سيحقق ترامب مراده بهيكلة المنظومة الدولية وفق رؤاه التي يصفها البعض بـ"المجنونة وغير القابلة للتوقع".