مختلفة وحاسمة... أوكرانيا وروسيا تستعدان لأكبر معركة

ينظر مراقبون وخبراء عسكريون بأن انسحاب القوات الروسية من محيط كييف يمثل "انتصارا" للمدافعين عن العاصمة الأوكرانية الذين قاتلوا بشراسة لأكثر من شهر.

لكن الاحتفال بالانتصار هذا طغت عليه صور المأساة التي اكتشفت وسط أنقاض مدينتي بوتشا وبوروديانكا، اللتين انتشرت في شوارعهما جثث المدنيين الذين يعتقد أنهم قتلوا على يد الجنود الروس.

وكذلك، يطغى الترقب للمعركة الكبيرة المقبلة، في دونباس، شرق البلاد، على أي إحساس بالابتهاج نتج عن الانتصار في كييف.
وتقول صحيفة الغارديان البريطانية إن "هزيمة القوات الروسية في الشمال تمثل نقطة تحول في الحرب"، مضيفة "على المدى المتوسط، ستبقى أوكرانيا الآن على قيد الحياة، لكن بالنسبة لجنودها لا توجد فترة راحة".

وتستمر الحرب في منطقة دونباس منذ ثماني أعوام، وقتل أكثر من 90 جنديا أوكرانيا في عام 2021 على خط التماس بين القوات الأوكرانية والقوات الانفصالية المدعومة من روسيا.

ومنذ أواخر فبراير تعرضت المواقع الأوكرانية لنيران مدفعية منتظمة مع دفع الانفصاليين إلى شن هجمات على الخنادق الأوكرانية.

وتقول الصحيفة إن الهدف من هذه الهجمات كان تحييد 40 ألف جندي أوكراني في منطقة عمليات القوات المشتركة (JFO)، ومنعهم من التأثير على معارك ماريوبول أو خاركيف أو كييف.

وتستعد القوات الروسية للتوجه شمالا لقطع خطوط الإمداد إلى دونيتسك، فيما تتشكل وحدات روسية أخرى بعضها تم تشكيله حديثا وبعضها أعيد هيكلته للتقدم جنوبا حول لوهانسك من خاركيف لاستكمال التطويق.

وتقول الصحيفة إن المعركة ستكون مختلفة تماما عن التقدم في كييف، حيث لم تكن الوحدات الروسية في بداية الحرب جاهزة أو مجهزة للقتال العنيف، كما أن قرب منطقة القتال من روسيا يجعل موسكو قادرة على تلافي مشاكل الامدادات، وتمتلك الدفاعات الجوية الروسية تغطية جيدة فوق دونباس.

في المقابل، تضم القوات الأوكرانية في JFO بعضا من الوحدات الأكثر احترافية والأفضل معنويات في البلاد، كما إن أعدادهم كبيرة تكاد تكون مساوية لأعداد الروس.
الاستيلاء على كامل دونباس
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن الهدف الرئيسي لروسيا الآن هو الاستيلاء على الأجزاء من منطقة دونباس الشرقية التي لم تسيطر عليها موسكو بعد.

وقبل الهجوم عينت موسكو الجنرال، ألكسندر دفورنيكوف، الذي يقود المنطقة العسكرية الجنوبية المسؤولة عن العمليات في دونباس للإشراف على الحملة حسبما قال مسؤول أميركي للصحيفة.

وعلى عكس المرحلة الأولى من الصراع المستمر منذ ستة أسابيع فإن هذا التحول يجبر أوكرانيا على خوض معارك تقليدية تشارك فيها دبابات ومدفعية وطائرات على تضاريس مستوية وقاحلة في كثير من الأحيان تسمح لروسيا بالاستفادة من تفوقها في المعدات العسكرية.

ويعتقد أن روسيا ستبدأ هجومها من مناطق شمال مدينة إيزيوم الأوكرانية.

وبدأت أوكرانيا أيضا في تحريك وحدات نحو دونباس من مناطق شمال أوكرانيا التي استعادتها بعد انسحاب القوات الروسية.

ودعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى تقديم مساعدة عاجلة قبل هذه الجولة الجديدة من الصراع، محذرا من أن موسكو لم تتخلى عن تطلعاتها لإخضاع أوكرانيا.

وقال الرئيس "لا تزال روسيا تعيش في الأوهام، وتقوم بجمع دروع جديدة وقوات جديدة على أراضينا، وهذا يعني أننا بحاجة إلى المزيد من العقوبات، والمزيد من الأسلحة لدولتنا".

وفي محاولة لتعطيل إعادة الانتشار الأوكرانية، قالت روسيا إن قواتها نفذت سلسلة من الغارات الجوية على مراكز السكك الحديدية الأوكرانية.

ولقي نحو 57 شخصا حتفهم في هجوم صاروخي روسي، الجمعة، على محطة للسكك الحديدية في مدينة كراماتورسك في دونباس بينما كانت مكتظة بالمدنيين الذين كانوا يحاولون ركوب قطارات الإجلاء باتجاه غرب أوكرانيا، وفقا للسلطات الأوكرانية.

ونفت موسكو أنها نفذت تلك الضربة.

وقالت الإدارة الأوكرانية في دونباس إن روسيا شنت عدة ضربات صاروخية إضافية على منطقة دنيبروبتروفسك غرب الإقليم، الأحد، مما أدى إلى تدمير مبنى المطار ومنشأة أخرى للبنية التحتية في المنطقة ومنشأة صناعية في مدينة بافلوهراد.
وأضافت أن ستة من عمال الإنقاذ أصيبوا في دنيبروبتروفسك عندما أصاب صاروخ روسي أحد المواقع للمرة الثانية في وقت لاحق من اليوم.

ودمرت القوات الأوكرانية الليلة الماضية رتلا روسيا كان يتحرك نحو إيزيوم، وفقا لحاكم خاركيف.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها استهدفت دنيبرو بصواريخ كاليبر من فرقاطة تابعة لأسطول البحر الأسود وإن صواريخها أصابت أيضا ميكولاييف بجنوب أوكرانيا ومطارا عسكريا قرب خاركيف حيث قالت إنها دمرت منظومة صواريخ مضادة للطائرات من طراز إس-300.

وقال مسؤولون أوكرانيون وغربيون إن العديد من مجموعات الكتيبة الروسية التكتيكية التي انسحبت من شمال أوكرانيا تعرضت لضربات شديدة لدرجة أنها لن تتمكن من إعادة الانتشار على جبهة دونباس في أي وقت قريب.

ونقلت وال ستريت جورنال عن مسؤول كبير في البنتاغون قوله "لقد رأينا مؤشرات على بعض الوحدات التي تم القضاء عليها حرفيا".

وقال إن روسيا تحاول حشد نحو 60 ألف جندي احتياط لسد الفجوة في الجنود.

نوع مختلف من الحروب
وتقول الصحيفة إن هذا النوع المختلف من الحروب، حيث تواجه التشكيلات الكبيرة بعضها البعض بدلا من ضربات الوحدات الصغيرة، هو سبب رئيسي وراء قول كييف إنها بحاجة ماسة إلى أسلحة ثقيلة، مثل المدفعية والدبابات والبطاريات المضادة للطائرات التي كان معظم الحلفاء الغربيين مترددين في توفيرها حتى الآن.

وقال وزير الخارجية الأوكرانية ديميترو كوليبا "ستذكرك معركة دونباس بالحرب العالمية الثانية، بعملياتها ومناوراتها الكبيرة، ومشاركة الآلاف من الدبابات والعربات المدرعة والطائرات والمدفعية، ولن تكون هذه عملية محلية، بناء على ما نراه في استعدادات روسيا".

وقال كوليبا بعد اجتماعه مع وزراء منظمة حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي. "إما أن تساعدونا الآن - وأنا أتحدث أياما وليس أسابيع - أو أن مساعدتكم ستأتي بعد فوات الأوان وسيموت الكثير من الناس".
أسلحة ثقيلة
وفي حين سعت أوكرانيا في البداية إلى الحصول على أنظمة أسلحة ثقيلة من تصميم الاتحاد السوفيتي وتدريب قواتها على استخدامها، فإن الإمدادات المحدودة من هذه المعدات والذخيرة، إلى جانب احتمال نشوب صراع طويل، تعني أن كييف تطلب الآن شراء أسلحة ثقيلة من حلف شمال الأطلسي، حسبما قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف.

وقال في خطاب نشرته وزارة الدفاع فإن "الأسلحة السوفيتية الصنع التي حصلنا عليها لا يمكن إلا أن تعزز أوكرانيا لفترة قصيرة".

وقال إن أوكرانيا تمكنت من الفوز في الجولة الأولى من الحرب بسبب اشتباكات المشاة عن قرب، لكن روسيا غيرت الآن تكتيكاتها وتعتمد بشكل أكبر على ضربات المدفعية والطيران والصواريخ بعيدة المدى، وهي أسلحة تمتلك أوكرانيا قدرة محدودة على مواجهتها.

وقال ريزنيكوف "الحرب تدخل مرحلة التنافس على الموارد، التي تكاد تكون غير محدودة في روسيا مقارنة بأوكرانيا".

ويكثف القادة الغربيون دعمهم. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي قام السبت بجولة حول كييف مع زيلينسكي، عن مساعدات عسكرية جديدة وغيرها من المساعدات التي تشمل 120 مركبة مدرعة وأنظمة صواريخ جديدة مضادة للسفن، بالإضافة إلى حزمة الجمعة من صواريخ ستارستريك المضادة للطائرات قصيرة المدى، و800 صاروخ آخر مضاد للدبابات وذخائر عالية التقنية.

وأعلنت الولايات المتحدة عن 400 مليون دولار كمساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا في أبريل نيسان من إجمالي 1.4 مليار دولار منذ بدء الحرب في 24 فبراير شباط.
وتزود واشنطن كييف بصواريخ جافلين وستينجر ومئات الطائرات بدون طيار من طراز سويتشبلايد ورادارات مضادة للمدفعية - ولكن حتى الآن لم تجهز أسلحة ثقيلة طلبتها كييف.

وحتى الآن، لم تزود أوكرانيا بالدبابات سوى من جمهورية التشيك، التي أرسلت دبابات T72MS السوفيتية التصميم، في حين شحنت سلوفاكيا إلى أوكرانيا نظام الدفاع الجوي S-300 بعد نشر بطاريات باتريوت لتحل محله.

وقبل أن يبدأ الغزو الروسي الشامل في فبراير شباط كانت أوكرانيا تسيطر على نحو ثلثي منطقتي دونيتسك ولوهانسك اللتين تشكلان دونباس.

أما البقية فهي تحت حكم ما يسمى بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، وهما دويلتان تم إنشاؤهما بعد تدخل روسيا في عام 2014، عندما ضمت موسكو أيضا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.

وقال مسؤولون أوكرانيون إن أهداف موسكو تتجاوز على الأرجح الاستيلاء على هذه المناطق، وإن بوتين يسعى إلى تدمير أفضل الوحدات الأوكرانية في معركة دونباس ثم يحاول مرة أخرى الاستيلاء على بقية البلاد، بما في ذلك كييف.

وفي الوقت نفسه، تحاول أوكرانيا ببطء استعادة العاصمة الإقليمية الوحيدة التي لا تزال في أيدي الروس، وهي مدينة خيرسون الجنوبية.

ووصل القتال إلى الضواحي الشمالية للمدينة، حيث يسمع وابل من المدفعية للسكان كل ليلة تقريبا. وتجمع عدة مئات من سكان خيرسون، الأحد، في المدينة حاملين الأعلام الأوكرانية في مسيرة احتجاجية فرقتها القوات الروسية التي أطلقت النار في الهواء، وفقا لروايات شهود عيان.

وتقول الصحيفة إنه خلافا لما حدث في المناطق الشمالية من كييف وتشيرنهيف وسومي، حيث يتعاطف جزء من السكان في دونباس مع روسيا. وفي منطقة لوهانسك، غير أربعة من رؤساء بلديات المدن مواقفهم بالفعل وبدأوا في التعاون مع الجيش الروسي، بما في ذلك عمدة مدينة روبيجن الواقعة على خط المواجهة، وفقا للإدارة الإقليمية.

وفي ماريوبول المحاصرة، حيث تستمر المقاومة الأوكرانية الشرسة في أجزاء من المدينة، وتربط قوة روسية كبيرة، تولى عضو في مجلس المدينة من حزب سياسي موال لروسيا مهام رئيس البلدية تحت رعاية قوات الاحتلال الروسية، وقالت أوكرانيا إنها بدأت إجراءات محاكم بتهمة الخيانة ضده.

ولقي ما لا يقل عن 5000 شخص، وربما أكثر من ذلك بكثير، حتفهم في ماريوبول تحت القصف والقصف الروسي، وفقا لعمدة المدينة المنتخب.