المصدر: نداء الوطن
الكاتب: رنا سعرتي
الخميس 1 حزيران 2023 07:11:08
كتبت رنى سعرتي في نداء الوطن:
«بعد شهرين، لن يعود أحد مهتمّاً برياض سلامة وسيُترك لنفسه». هكذا علّق احد المصرفيين على قضية حاكم مصرف لبنان بعد انتهاء ولايته في تموز. ولكن حتّى لو لم يعد سلامة في سلّم أولويّات الطبقة الحاكمة بعد انتهاء ولايته، ألن يستمرّ كاتم أسرار الحكومات المتعاقبة خلال 30 عاماً، بتشكيل تهديد ما للسياسيين المتورطين الآخرين معه بتهم اختلاس المال العام وتبييض الاموال وغيرها؟ أم ان الامر قد حُسم، وسيصدر القضاء اللبناني الذي يصفه أهل داره بأنه «مسيّس» ويعاني من التدخلات السياسية في عمله، حكم البراءة بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟
لا شيء محلّياً حتى الآن
هذا ما ينذر به المسار القضائي الذي بدأ مع القضاة غادة عون، جان طنوس، غسان عويدات، هيلانة إسكندر، رجا حاموش، شربل أبو سمرا، والذي لم يصل الى نتيجة ملموسة وصولاً الى المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، الذي قرر بعد استجواب سلامة مؤخراً «تركه رهن التحقيق ومنعه من السفر وحجز جوازي سفره اللبناني والفرنسي»، وأرسل تقريراً تضمّن محضر الجلسة إلى فرنسا، وطلب من القاضية أود بوريزي تزويده بملف التحقيق الفرنسي. وكذلك فعل امس بشأن المذكرة الالمانية.
فهل سيحظى سلامة بـ»اللجوء السياسي» الذي حصل عليه كارلوس غصن في لبنان (بغض النظر عن التهم الموجّهة للطرفين)؟ وما مصير الدعاوى القضائية في الخارج في حال تمّت تبرئة سلامة في الداخل؟
بانتظار الحصول على الملفات الأوروبية
في هذا الاطار، أوضح مصدر قضائي لـ»نداء الوطن» ان القضاء اللبناني بانتظار حصوله على ملف التحقيق الفرنسي (ثم الالماني...)، والذي إذا حصل عليه سيلجأ على اساسه الى التحقيق مع رياض سلامة في الجرائم المالية المحددة تحديداً في التهم الموجّهة ضدّه، ليستنتج بعد التحقيق (اذا كان هناك قرار سياسي بتبرئته) عدم توافر الشروط القانونية للاسترداد أو عدم ثبوت التهمة أو اعتبار الفعل المُستند اليه طلب الاسترداد هو الفعل نفسه الملاحق به في لبنان، وبالتالي يصدر القضاء اللبناني حكمه بالتبرئة من تلك الاتهامات. مما يجعل محاكمة سلامة في الخارج وملاحقته على الجرم نفسه أمراً غير وارد، لكون الفعل الواحد لا يلاحق إلّا مرة واحدة سنداً للمادة 182 من قانون العقوبات. وهو السيناريو المرجّح والمخطط القيام به في لبنان من أجل «طيّ صفحة سلامة». واوضح المصدر انه من اجل نجاح هذا المخطط، يجب التحقيق مع سلامة بالتهم كافة الموجّهة اليه في الخارج وبحيثياتها المحددة. أما التحقيق معه واصدار حكم في جزء من التهم وليس جميعها لا يُسقط أمر الملاحقة او مذكرة التوقيف بحقه، بل يسقط فقط الملاحقة في التهم او الجرائم نفسها التي تمّت تبرئته منها في لبنان.
مالك: الدعاوى مختلفة بين هنا والخارج
في هذا السياق، أوضح الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك انه من الثابت ان الدعاوى المرفوعة ضد رياض سلامة في الداخل تختلف عن الدعاوى المرفوعة ضدّه في الخارج، وبالتالي لا أثر لهذه الدعاوى على تلك. وأشار لـ»نداء الوطن» ان موضوع المنازعات في الخارج المتعلّقة بشركة «فوري» واختلاس الاموال وتبييض الاموال وما الى ذلك، مختلفة عن الاتهامات الموجّهة ضدّه في الداخل لناحية المعطيات والاثباتات، «وبالتالي اي قرار يُتخذ من قبل اي قضاء، لبناني او خارجي، لا يؤثر على القضاء الآخر».
أما في حال حصول لبنان على الملفين الفرنسي والالماني وتمّ التحقيق ومحاكمة سلامة بالجرائم نفسها المتهم بها في الخارج، فشدّد مالك على انه لا يمكن معاقبة الفعل الواحد مرّتين سنداً للمادة 182 من قانون العقوبات، وبالتالي لا يعاقب على نفس الفعل سوى امام القضاء اللبناني سنداً للمواد 20 و 30 و 32 من قانون العقوبات اللبناني، والتي تمنح الاولوية والافضلية للقضاء اللبناني في حال قرر السير بالمحاكمات، حتّى في حال تمّ ارتكاب الجرم خارج الاراضي اللبنانية.
وفي حال قام القضاء اللبناني بتبرئة سلامة من الجرائم نفسها المتّهم بها في الملف الاوروبي، تسقط كافة الملاحقات القانونية ضدّه في الخارج، وتستطيع السلطات الفرنسية (وغيرها) ان تذهب باتجاه استئناف هذا القرار في لبنان، «علماً ان قرار التبرئة يجب ان يكون معلّلاً. وعلى ضوء التعليل يبنى على الشيء مقتضاه لناحية تداعيات قرار التبرئة على موقف لبنان في الخارج».
تمييز بين الشخصي والإقليمي
في المقابل، رأى مصدر قانوني ان المحاكم المتخصصة الدولية بالقانون الجزائي، تميّز بين الاختصاص الشخصي والاختصاص الاقليمي. وفي حال كان القضاء الفرنسي يلاحق سلامة على اساس الاختصاص الاقليمي، أي ان الجرم أو أحد عناصر الجرم الذي قام به قد تمّ على الاراضي الفرنسية، فان ذلك لا يتعارض او يتوقف في حال تمّت محاكمته في بلد آخر مثل لبنان على الجرم نفسه، وبالتالي تستمر الملاحقة قائمة في فرنسا حتى في حال صدور قرار بتبرئته في لبنان.
يبقى ان يسلّم القضاء الفرنسي والالماني (وغيرهما لاحقاً) ملف سلامة الى القضاء اللبناني، الذي من المرجح ان يعمد الى ضمّ الملفات وبدء التحقيق والمحاكمة «الشكلية» لسلامة، مع التذرع بمعاهدات مختلفة مثل معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للتثبيت بان السلطات اللبنانية تنظر بدعوى مماثلة بحق سلامة للأسباب القانونية نفسها، او رفع شعار تمسّك لبنان بمبدأ الاعتداء على السيادة اللبنانية والأمن القومي اللبناني في حال تشدد القضاء الفرنسي في موضوع تسليم كامل الملف.