ترحيل صفقة غزة يضع جبهة لبنان فوق فوهة بركان

على وقع ارتسام أوّل مؤشراتِ انتقالِ تل أبيب إلى مقاربة المسار الدبلوماسي لحربِ غزة بحساباتِ السِباق الرئاسي إلى «البيت الأبيض» وذلك على قاعدة إبطاء سرعة المفاوضات وعدم تقديم «هدايا» لجو بايدن الذي يَفْقد تباعاً «حَصانة» حزبه بوصفه «حصان الديمقراطيين حتى آخِر الطريق»، تَعَمَّقَ الرصْدُ لمدى تأثير الحساباتِ نفسها على السلوك العسكري لإسرائيل سواء في القطاع أو جنوب لبنان المرشّحيْن لفصولٍ جديدةٍ من مواجهاتٍ من الصعب التكهّن بما إذا كانت ستتمدّد على الجبهة اللبنانية في ضوء وضعية الـ pairing التي كرّسها «حزب الله» بينها وبين «الحرب الأصلية».

وفيما كانت جبهة جنوب لبنان تشهد استعادةً للمناخات الملتهبة مع استئناف إسرائيل الاغتيالات بالمسيّرات التي طاولت نهار أمس قائداً في «الجماعة الإسلامية» (قوات الفجر) في البقاع الغربي وعنصراً من «حزب الله» في الجنوب، لم تكن عابرةً المعطياتُ التي رافقتْ وصول وفد إسرائيلي إلى القاهرة والتي أشارتْ إلى استبعاد التوصل إلى صفقة تبادل قبل زيارة نتنياهو لواشنطن التي يتخلّلها إلقاءه كلمة أمام الكونغرس في 24 الجاري، وفق ما نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين، في الوقت الذي بَلْور وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أكثر تَحَوُّل الانتخابات الأميركية عنصراً في تشكيل القرار في تل أبيب في ما خصّ هذه الصفقة وما هو أبعد منها.

وفي دعوة بن غفير إلى تأجيل «صفقة التبادل» لِما بعد الانتخابات الأميركية وقوله في اجتماع وزاري «إن إبرام صفقة مع حماس الآن سيكون صفعة لدونالد ترمب وانتصاراً لبايدن» وفق ما نقلتْه القناة 13 الإسرائيلية، تكون ارتسمت بوضوح رهاناتٌ في تل أبيب على عودة الرئيس السابق إلى «البيت الأبيض» والتحرّر من ضغوطٍ وضوابط تضعها الإدارة الأميركية الحالية سواء في ما خص المسار السياسي لـ «اليوم التالي» في غزة أو مجريات الميدان على جبهة لبنان وحدود المواجهة العسكرية مع «حزب الله».

وإذا كان «تمديد» حرب غزة معروفاً في سقفه الذي سيقوم على تركيز العمليات العسكرية وتكثيف الاغتيالات «مهما كان الثمن» على صعيد الخسائر المدنية، وفق النمط الوحشي الذي ساد في الأيام الماضية مع إغراق المفاوضات في الدماء والمَذابح، فإنّ لا أحد يملك جواباً حول تداعياتِ إبقاء ملعب النار مشتعلاً في القطاع على «الجبهة التوأم» في لبنان في ظل سؤالين كبيريْن:

- هل ستكتفي تل أبيب بإستراتيجية «القصف السَجّادي» لقرى الحافة الأمامية واستهداف قادة وكوادر من «حزب الله» بالمسيَّرات ريثما يتّضح الخيط الأبيض من الأسود لجهة مَن سيدخل البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر المقبل في الولايات المتحدة، ليتحدّد في ضوئها إذا كان يمكن أن ترفع بعدها وتيرةَ الحرب على قاعدة «تصعيد تَعقبه تهدئة» لفرض رؤيتها لكيفية ضمان عدم تكرار 7 أكتوبر من المقلب اللبناني.

- وهل يملك «محور الممانعة» هوامش مناورةٍ تسمح له «بالتصرف» لإحباطِ ما يمكن أن يكون حرباً أوسع اتُّخذ قرارها في تل أبيب ويَبْقى فقط تحديد ساعتها على «توقيتٍ ترامبي»، وبحيث يُجَرّ الى المعركةِ الأكبر في المكان والزمان والجغرافيا التي تحدّدها إسرائيل.

وقد لاحظتْ أوساط سياسية أنه من خلف غبار هذين السؤالين فإن «مسرحَ» الحرب الأوسع كان بدأ يُعدّ، وصولاً إلى الجولان السوري المحتل الذي يشهد «صراعاً خفياً» حول إدخاله في أي مواجهة أشمل، وهو ما كان عبّر عن نفسه بـ«المسح الجوي» من «حزب الله» لكل المراكز والنقاط الحساسة للجيش الإسرائيلي فيه - وبعضها سبق ضرْبه - ثم بقصف إسرائيل (قبل 9 أيام) ما قالت إنه «أهدافاً للجيش السوري انتهكت اتفاق نزع السلاح الموقع عام 1974 في منطقة هضبة الجولان المحتلة» وذلك غداة مقتل زوجين إسرائيليين بصاروخٍ أطلقه حزب الله على الجولان، معتبرة «ان الجيش السوري مسؤول عن أي شيء يَحدث على أراضيه ولن نسمح بمحاولاتِ انتهاك اتفاق نزع السلاح».

«بطاقة صفراء»

والأخطر في هذا السياق كان التعاطي مع اغتيال إسرائيل، رجل الأعمال السوري محمد براء قاطرجي على طريقٍ محاذية للحدود بين لبنان وسورية قبل 3 أيام على أنه في إطار رفْع تل أبيب «بطاقة صفراء» بوجه النظام السوري بأنه لن يكون بمأمن من اسهتدافاتها بحال سُمح لمحور الممانعة بتحويل الجولان أحد ساحاتِ الحرب الأكبر، أي بالخروج عن التفاهم غير المعلَن الذي ترعاه موسكو بمنح «سماح» أو أقله عدم إضاءة «الأحمر» أمام الطيران الإسرائيلي في ضرْبه أهدافاً لـ«حزب الله» والحرس الثوري الإيراني في سورية ما دام نظام الرئيس بشار الأسد وجيشه محيَّداً.

وكان بارزاً ما أورده موقع «srugim» الإسرائيلي حول اغتيال قاطرجي، في تقرير نشر ترجمتَه موقعُ «لبنان 24» ونقل عن المحلل الإسرائيلي إيهود يعاري، أنّه «رغم عدم الحديث كثيراً عن حادثة اغتيال قاطرجي، إلا أن ما حصل كان حدثاً كبيراً ولا يمكن تجاهله أو إسقاطه من الحسبان بعد الحديث عن استهداف محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام في غزة»، قائلاً «حتى الآن، ظلت سورية خارج الحرب تقريباً بسبب إحجام الرئيس بشار الأسد عن المشاركة فيها إلى جانب محور المقاومة. ولكن بعد إطلاق النظام السوري لصاروخين على الجولان، هاجم سلاح الجو قاعدة في كفرسوسة بدمشق كما قضى على قاطرجي».

وأضاف «أن الشخص المذكور هو رئيس الامبراطورية الاقتصادية للنظام في سورية، ولديه عشرات الشركات التي كانت خاضعة للعقوبات الأميركية. وبنى قاطرجي شبكة طويلة من الاتصالات مع الحرس الثوري الإيراني ومع الذراع الهندسية للإيرانيين، وشارك بشكل منهجي في تهريب الأسلحة إلى حزب الله مع التهرب من العقوبات الغربية. إن القضاء عليه هو على نفس مستوى كبار المسؤولين في حزب الله».

ومعلوم أن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عرّف عن قاطرجي بأنه كان «مسؤولاً في العامين الأخيرين عن تمويل فصيل يدعى(المقاومة السورية لتحرير الجولان) الذي أسسه حزب الله وترأسه القيادي في الحزب سمير القنطار قبل مقتله في قصف إسرائيلي قرب دمشق نهاية العام 2015»، فيما أفادت «فرانس برس» أن هذا الفصيل يتولى تنفيذ عمليات ضد إسرائيل من جنوب سورية.

وعلى وقع الخشية الكبرى من ارتدادات التعثّر «عن سابق تصوُّر وتصميم» من إسرائيل لمفاوضاتِ وقف النار في غزة، استوقف الأوساط السياسية موقفان:

مداولات فرنسية - عربية

- الأول ظهّره بيان كان صدر عن قصر الاليزيه حول المداولات الهاتفية (قبل 3 أيام) للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والتي تناولت المفاوضات حول مقترح بايدن وفيه أن «جميع القادة شاركوا قلقهم العميق في شأن تكثيف التوترات على الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان ودعوا جميع الأطراف إلى تحمل المسؤولية وضبط النفس بأكبر قدر من أجل منع أي حريق إقليمي من شأنه أن تكون له عواقب مدمّرة على بلدان المنطقة والبحث عن منظور للسلام».

وأشار ماكرون إلى «أن فرنسا ستواصل الانخراط مع شركائها في البحث عن حل ديبلوماسي في لبنان، على أساس القرار 1701».

تحذيرات

- والثاني لوزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب في كلمته في جلسة مجلس الأمن عن الوضع في الشرق الأوسط ولا سيما القضية الفلسطينية، حيث أكد أنه «وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين خلال الأشهر الماضية، تحذيرات عدة من خطر توسع الحرب الى لبنان».

وقال: «كما سمعنا عشرات التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين التي تهدد بحرق لبنان، وتدميره، وإعادته إلى العصر الحجري».

وأضاف: «من على هذا المنبر، نجدد تحذيرنا من سوء التقدير، واللعب على حافة الهاوية، وجر المنطقة كلها الى انفجار كبير (...) إن هذه الحرب، إن وقعت، ستزلزل الشرق الأوسط برمته، وستكون عابرة للجغرافيا، وستؤدي الى أزمة نزوح جديدة لن تَسْلم أوروبا منها، ليس فقط من لبنان وإسرائيل، بل أيضاً من الدول المجاورة هرباً من الصواريخ، والمسيرات، والطيران الحربي. كما لن ينتج عنها سوى الدمار، والخراب والبؤس للمنطقة كلها، وانعدام فرص الحياة الكريمة لأهلها وسكانها، ما يعني مزيداً من الهجرة والتشرد».

وإذ أكد «أن الجبهة الملتهبة على حدود لبنان الجنوبية مشتعلة بسبب الوضع والحرب الدائرة في غزة»، مشدداً على «أن فلسطين ستبقى مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط»، لفت الى «ان أقصر الطرق لعودة عشرات آلاف النازحين من كلا الطرفين الى أماكن سكنهم ليس من خلال التهديد بشن حرب، أو إشعال جبهة أخرى، بل من خلال التطبيق الشامل والكامل للقرار 1701، ضمن سلة متكاملة بضمانات دولية واضحة ومعلنة، لتعزيز فرص الأمن والهدوء المستدام في جنوب لبنان».

وقد التقى بوحبيب في نيويورك وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، ووزير الخارجية الايراني بالوكالة علي باقري كني.

وبحسب المكتب الإعلامي للوزير اللبناني فإنه «في لقائه مع نظيره الإيراني، كان عرض للأحداث والتطورات في المنطقة».

واتفق الوزيران على«ضرورة بذل كل الجهود الممكنة للتوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة وفي جنوب لبنان، حيث إن أي تصعيد محتمل سيتطور إلى مواجهة كبيرة في المنطقة».