ترسيم الحدود... هل المطلوب توريط الوفد العسكري المفاوض؟

بكثير من الغموض والحيرة تلقف المعنيون والوفد المفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية كلام الرئيس ميشال عون الذي اعتبر فيه أن خط التفاوض ينطلق من النقطة 23 وليس 29 التي طرحت من دون حجج وبراهين. "وهذا الإعتراف ليس تنازلاً بل حقنا الحقيقي والفعلي وستكون الطاولة الرئيسية والاولى للتفاوض في قصر بعبدا ولا عودة وشيكة الى الناقورة قبل ان ننهي المتبقي من الخلافات".

كلام عون شكل فصلا جديدا من التمايز بين القيادة السياسية لملف التفاوض والقيادة العسكرية بحسب مصادر معنية مطلعة أكدت لـ"المركزية" أن "ثمة قطبة مخفية تتمثل بعدم تسمية الفريق الذي "أقنع" الرئيس عون بأن الخط 29 تشوبه العيوب، وكان المطلوب توضيح مدی دقّة هذا الكلام خصوصا أن عون كان كلف الوفد العسكري المفاوض بنفسه وأعطى توجيهاته الأساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة أي الخط 29، وقد دوّنت هذه التوجيهات في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 13\10\2020. وجاء هذا التكليف بناءً على قناعة تامة به وبعد شرح مفصّل لقانونية هذا الخط الذي يحفظ حقوق الشعب اللبناني، من خلال محاضرات وعروض علمية أجريت في القصر الجمهوري في النصف الأول من العام 2020. وفي كل الإجتماعات التي عقدها الوفد مع عون خلال فترة المفاوضات التي بدأت بتاريخ 14\10\2020 وتوقفت بتاريخ 4\5\2021، كان يؤكد دائماً على ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29 ويرفض حصر التفاوض بين الخط 1 والخط 23 كما يطالب الجانب الإسرائيلي".

وعن عدم وجود حجج تبرهن صحّة الخط 29، تؤكد المصادر أن هناك تقريرا تسلمه عون يدعم ويؤكّد الحجج القانونية لتبني هذا الخط  في ضوء صدور قرار محكمة العدل الدولية في شأن النزاع الحدودي البحري بين كينيا والصومال. والحق يقال إن العيوب موجودة في الخط 23، كونه غير تقني وغير قانوني ولا يمكن الدفاع عنه في المفاوضات، وهناك قرار من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل يؤكد هذه العيوب ويقترح استبداله بتعديل المرسوم 6433 في مجلس الوزراء. فماذا تغير اليوم ولماذا لم يظهر الفريق الذي أعاد التفاوض في ملف ترسيم الحدود إلى نقطة الصفر نفسه حتى لو سلمنا جدلا بأنه "اقوى" من الفريق المفاوض في نظر حلقة الرئيس الضيقة؟ وعلى أي أساس تم نسف قاعدتي العلم والقانون، ولماذا لم تحصل مواجهة بينه وبين الفريق المفاوض الذي يؤكد  قانونية التفاوض من الخط 29؟".

اسئلة عديدة قد يحملها الفريق العسكري المفاوض إلى قصر بعبدا في حال دعوته للجلوس إلى طاولة المفاوضات وهذه المرة في قصر بعبدا كما أعلن عون وليس في الناقورة. وتعتبر المصادر أن الأجواء التي خرجت من لقاء المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين مع المسؤولين خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى لبنان في 9 شباط تؤكد أن ثمة موقفاً موحداً حول اعتماد الخط 23   كخط للحدود، وإذا كان التفاوض على ترسيم الحدود البحرية استغرق 10 أعوام فالأكيد أن التفاوض على ترسيم الحقول قبل الحدود قد يمتد لعشرين سنة!".  

نقطتان رئيسيتان طرحهما هوكشتاين في لقاءاته مع المسؤولين:  الأولى إبلاغ الجهات اللبنانية عن تمكنه من تقليص الثغرات في موضوع الترسيم أثناء محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين، ومدى استعداد الجانب اللبناني لإظهار بعض الليونة والتخلي عن التمسك بالخط 29، والثانية جهوزية لبنان لاستئناف المفاوضات من حيث توقفت في أيار الماضي. وفي هذا الإطار تنفي المصادر أن يكون هوكشتاين قد أعطى مهلة للجانب اللبناني لإنجاز ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، علما أنه بات اليوم مستعجلا للعودة إلى المفاوضات والحصول على الأجوبة بعد الإعلان عن التخلي عن الخط 29 والتماس مؤشرات إلى إمكانية القبول بالخط المتعرج الذي يلغي أي شراكة في الحقول الغازية بين لبنان وإسرائيل، لا سيما في حقل قانا الذي يريده لبنان كاملاً، وحقل كاريش الذي يصبح كاملاً لإسرائيل، مع وجود طروحات تبقي على إمكانية الاستثمار المشترك، بحيث تقوم شركة عملاقة بالاستثمار في الحقول المتنازع عليها ويتفق على توزيع العائدات".

ما لم يعد خافيا أن ثمة قطبة مخفية في التباين بين النتائج التقنية والقانونية التي توصل إليها الوفد العسكري المكلف في التفاوض حول اعتماد الخط 29 وبين موقف عون الأخير في اعتباره خاليا من الحجج والبراهين. فهل المقصود توريط الوفد العسكري المفاوض من خلال دحض صدقية الدراسات التي قدمها للرئيس عون أم أن الفريق الذي أقنع الرئيس بالتنازل عنه يملك حججا أقوى على رغم العيوب الموجودة فيه من الناحيتين التقنية والقانونية، والعودة ربما إلى خط هوف وخسارة 370 كلم2 وتقاسم حقل قانا مع إسرائيل وتأخر عمليات التنقيب؟ خلاصة الكلام عدنا إلى نقطة الصفر.