تشكيك أميركي باستعادة "الحزب" لقدارته

يخوض لبنان غمار مشهد سياسي وعسكري معقد يُتَرجم بالضغط الأميركي والدولي المكثف على استراتيجية الحكومة اللبنانية لبسط سيادة الدولة على كامل البلاد ونزع سلاح «حزب الله» وغيره. وقد عكس الإنذار الأميركي الأخير الموجّه للمسؤولين اللبنانيين لحظةً محوريةً في تاريخ لبنان. فقد قدّمت الإدارة الأميركية من خلال المبعوث الرئاسي الأميركي توم برّاك خطةً شاملةً تتضمن نزع سلاح «حزب الله» وتطبيق الإصلاحات المالية اللازمة، مع جدول زمني واضح. وأكد برّاك حرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب واستعداد إدارته لمساعدة لبنان على بناء مستقبل تنمية وسلام. وقال: «في لبنان، ثمة فرصة جديدة لمستقبل خالٍ من قبضة إرهابيي «حزب الله»، مشيرًا إلى «القرار التاريخي والجريء والصحيح ببدء التنفيذ الكامل لاتفاقية وقف الأعمال العدائية المُبرمة في تشرين الثاني 2024، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، واتفاق الطائف». كما قال: «أتاح الرئيس (عون) ورئيس الوزراء الجديدان أول فرصة حقيقية منذ عقود لشراكة أكثر إنتاجية مع الولايات المتحدة»، لافتًا إلى أن قرارات مجلس الوزراء الأخيرة تُطبّق أخيراً حل «أمة واحدة، جيش واحد» في لبنان.

ووفقًا لهذه الخطة، من المتوقع أن يلتزم لبنان بنزع سلاح «حزب الله» بحلول 31 كانون الأول، وبدء العملية في غضون 60 يومًا، وإتمامها في غضون 120 يومًا. وفي واشنطن بدا الخبراء والدبلوماسيون منقسمين حول إمكانية تطبيق هذا «المقترح الطموح» الذي يهدف لمعالجة «إشكالات مزمنة متعلقة بالفصائل المسلحة العاملة داخل حدودها».

ويؤكد مصدر دبلوماسي مقرب من وزارة الخارجية الأميركية أن نجاح لبنان في تنفيذ هذه الإجراءات يتوقف على عاملَين محوريين: ضمان أمن إسرائيل، وتمكين الجيش اللبناني من تولي دور القوة العسكرية الشرعية الوحيدة في البلاد. ويؤكد المصدر أن تحقيق هذا التوازن يتطلب الالتزام الصارم بالمراحل المحددة، وعلى لبنان أن يُحوّل الالتزامات إلى نتائج ملموسة بشكل حاسم. وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بقوله: «هدفنا في لبنان هو دولة لبنانية قوية قادرة على مواجهة «حزب الله» ونزع سلاحه».

ويشير الخبراء إلى أن «حزب الله»، إلى جانب الفصيل الشيعي في الحكومة، يعارض بشدة مبادرات نزع السلاح. وتُعتبر مقاومته جزءًا من موقف أوسع نطاقًا ضد التدخلات الأميركية، معتبرًا نزع السلاح استسلامًا للقوى الأجنبية، وهي وجهة نظر قد تزيد من تصعيد التوترات.

وعلى الرغم من هذه المعارضة، من الواضح أن المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، قد ربط أي تعاون ودعم عسكري أو اقتصادي بعملية نزع السلاح. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى تعزيز الجيش اللبناني مع تقويض سلطة الجماعات المسلحة غير الحكومية. وقد أشار خبير استراتيجي عسكري إلى أن ربط انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بالسيطرة الفعلية من الجيش اللبناني يمثل إعادة هيكلة مهمة للمشهد الأمني اللبناني. ولا تهدف هذه الاستراتيجية إلى تمكين الجيش فحسب، بل تهدف أيضًا إلى إعادة تشكيل الديناميكيات السياسية بما يخدم حكومة مركزية قادرة على تحدي نفوذ «حزب الله».

ويعتقد بعض المحللين أن نهج إدارة ترامب الحازم تجاه نزع السلاح يتعارض مع «وجهات النظر الأكثر براغماتية للمسؤولين اللبنانيين»، الذين يميلون إلى تفضيل المفاوضات والتكامل التدريجي. وقد أدى هذا التباين إلى فجوة واضحة بين توقعات الولايات المتحدة والواقع على الأرض في لبنان.

علاوة على ذلك، يُعرب المسؤولون الأميركيون عن حذرهم إزاء التحديات الاقتصادية المرتبطة بهذه الخطة. إذ يعتمد الدعم الاقتصادي الهادف إلى إعادة الإعمار بعد الحرب اعتمادًا كبيرًا على التزام لبنان بمقترح نزع السلاح. وأشار دبلوماسي أميركي إلى أن ربط المساعدات المالية بنزع السلاح يعكس استراتيجية الترغيب والترهيب، إلا أن الفشل المحتمل في الوفاء بهذه الوعود قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية.

في حين يواجه لبنان هذا الوضع المتطور، يراقب الخبراء عن كثب توازن القوى وتداعياته على الاستقرار الإقليمي. ويتوقعون أن تكون الأسابيع والأشهر المقبلة حاسمة بالنسبة للبنان في مواجهة هذه التحديات الملحة أو مواجهة خطر الانزلاق إلى صراع أوسع بين الجماعات المسلحة وسلطة الدولة.

 

 

 

وما يزيد الأمور تعقيدًا، أن تقييمات الاستخبارات الأميركية الأخيرة تشير إلى أن «حزب الله» يسعى إلى إعادة هيكلة قيادته. ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة حول قدرة «الحزب» على استعادة قوته العملياتية إلى مستويات ما قبل الحرب، لا سيما في ضوء الخسائر الكبيرة والتدقيق المكثف من جانب السلطات اللبنانية والقوات الدولية. فقد أفادت مصادر عسكرية أميركية أن قيادة «حزب الله» شهدت نسبة إصابات بلغت 45 % بين صفوفها القيادية. ويسلط معهد دراسات الحرب في واشنطن الضوء على الصعوبات التي يفرضها فقدان القادة المخضرمين، ما يجعل استبدالهم بمقاتلين عديمي الخبرة أمرًا صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا، ما يعيق قدرة «حزب الله» العملياتية بشكل كبير. إضافةً إلى ذلك، تواجه جهود «حزب الله» في إعادة إمداده بالأسلحة تدهورًا بسبب «فقدان طرق التهريب الحيوية وتدمير المخزونات»، ما يعيق الدعم الإيراني. وتُقيّد هذه الديناميكيات الإقليمية المتغيرة قدرة إيران على توريد الأسلحة إلى لبنان بشدة.