تصحيح الأجور مطلع العام: قرض جديد من البنك الدولي؟!

كتب خضر حسان في المدن:

بقي تصحيح الأجور خارج البحث الجدّي للسلطة طيلة سنتين من عمر الأزمة، فيما معالجة آثار التدهور بقيت ضمن نطاق "الترقيع" على شاكلة المساعدات الاجتماعية أو زيادة بدلات النقل أو دفع "غلاء معيشة".. وغيرها من التسميات التي تعطى للقطاعين العام والخاص. على أن هذه المساعدات لا تدخل ضمن أساس الرواتب والأجور، لتفادي ما ترتّبه من مستحقات لأصحابها عند التقاعد، سواء من المؤسسات أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يعاني في الأصل من تهرّب الكثير من المؤسسات الخاصة من التصريح الحقيقي عن أعداد موظفيها ورواتبهم الحقيقية.
وحتى اللحظة، تطرح الوزارات، وعلى رأسها وزارة العمل، واللجان النيابية، وفي مقدّمتها لجنة الاقتصاد، تصحيح الأجور بما لا يخرج عن إطار المكرمات والمعونات، من دون الاقتراب من الحد الأدنى للأجور، الذي يبقى الحديث عنه حَذِراً، ومن دون تحديد السبل المؤثرة فعلاً في إجراء انقلاب للأجور يغطّي "الانقلاب المعيشي الذي نعيش فيه"، على حد توصيف وزير العمل مصطفى بيرم.

 

الحد الأدنى للأجور
لم يشهد الحد الأدنى تعديلاً منذ العام 2012، فهو مستقر عند 675 ألف ليرة، رغم الحاجة لزيادته تماشياً مع ارتفاع معدّلات التضخّم، وتخطيها للحاجة إلى تصحيح أجور بسيط، قد يُعالج بزيادة كالتي حصل عليها موظفو القطاع العام عبر سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت في العام 2017.

وإن كان الاتحاد العمالي العام، قبل العام 2019، يرى بأن الحد الأدنى يجب أن يرتفع إلى مليون و200 ألف ليرة، فإن احتمالات تحديد معدّل الحد الأدنى مفتوحة حالياً، بسبب الزيادة المضطردة لمعدّل التضخّم الذي لا يواجهه حد أدنى ثابت. فحين كان المطلوب هو مليون و200 ألف ليرة، كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة ثابتاً، وكانت معدّلات التضخم ترتفع بنسب ضئيلة ومتقاربة. فعلى سبيل المثال، وحسب إدارة الإحصاء المركزي، بلغ معدّل التضخم التراكمي من العام 2012 حتى العام 2017، نسبة 13.21 بالمئة. أما معدّل التضخم من كانون الأول 2018 حتى تشرين الثاني 2021، فوصل إلى 632 بالمئة.
وبالتالي، إن كان الحد الأدنى في زمن الـ1500 ليرة للدولار يجب أن لا يقل عن 800 دولار، فإن تخطّي التضخّم الـ600 بالمئة، يوجب أن يكون الحد الأدنى نحو 2000 دولار، وهو ما يوازي اليوم نحو 54 مليون ليرة. وإن كانت الأمور في الواقع لا تجري وفق حسابات الأرقام، فإن على الدولة إيجاد توليفة قابلة للحياة، تجمع إمكانياتها وإمكانيات أرباب العمل لتصل إلى تعديل مناسب للحد الأدنى، يكون منطلقاً حقيقياً لتصحيح الأجور.

ولا يمكن للدولة استمرار التغاضي عن هذا الحق "الذي كرّسه قانون العمل عبر نصّه وجوب إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور مرّة كل سنتين على الأقل، وهو ما لم يحصل منذ العام 2012"، وفق ما يقوله النقابي أديب أبو حبيب، الذي يشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن تصحيح الأجور الذي يتضمّن تعديل الحد الأدنى "هو حق للعمال والموظفين، ولا يجب أن يقتصر الأمر على المساعدات الإجتماعية. فالتصحيح لا يعني تمكين العامل من الأكل والشرب فقط. ومن هنا، القضية الأكبر بالنسبة للعمال لا تقتصر فقط على تصحيح الأجور، بل على إيجاد حل للوضع الاقتصادي عموماً، لا الاكتفاء بإصدار بطاقة تمويلية".

 

بين الصندوق والبنك
فقدت الدولة القدرة على تأمين تمويل ذاتي لأي مساعدة أو تصحيح أجور. فالمرة الأخيرة كانت عبر تمويل سلسلة الرتب والرواتب من الضرائب، وهو باب غير مجدٍ حالياً. وبما أن صندوق النقد الدولي هو المسار الوحيد للخروج من الأزمة، لا جدال في أنه المسار الوحيد أيضاً الذي يؤدي إلى إنجاح عملية تصحيح الأجور.

التقدّم بخطوةٍ نحو صندوق النقد وطرح إمكانية تصحيح الأجور تحت مظلته، تحيلنا إلى البنك الدولي الذي يملك التمويل. فلا يبقى بنظر الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، غير البنك الدولي لتمويل التصحيح "لكن علينا أن نسأل أولاً: هل التصحيح يعني مساعدة مالية فقط أم يطال الحد الأدنى للأجور؟".
حسب ما يقوله عجاقة لـ"المدن"، فإن "البنك الدولي لا يعارض تمويل تصحيح الأجور بوصفها مساعدة مالية، لأنها ذات طابع اجتماعي إنساني. لكن البنك لا يقدّمها كمساعدة مستمرة". ويلفت عجاقة النظر إلى أن التمويل، وإن أخذ صورة المساعدة، لكنه "يأتي بصيغة قرض. والحصول على قرض من البنك، لا ينفصل عن رأي صندوق النقد الذي يربط المساعدات بإجراء إصلاحات اقتصادية".
إن تجاوزنا كافة العراقيل والشروط المطلوبة من صندوق النقد، فإن تمويل تصحيح الأجور من مصدر غير العجلة الاقتصادية الداخلية، سيؤدي إلى مزيد من التضخّم. فالاقتصاد حالياً بلا استثمارات أجنبية، وهي المسوِّغ الاقتصادي الأصلح للتمويل. كما لا يمكن الرهان على التجّار والمستثمرين المحليين لأنهم يعانون من الأزمة ويقولون بأنهم يخسرون، وبالتالي لن يقبلوا بزيادة الرواتب والأجور. وإن كان القطاع الخاص أكثر مرونة في إمكانية تأمين زيادة، وإن أقل مما ينبغي، تبقى العقبة الأساس لدى القطاع العام. فهل يطبع البنك المركزي أوراقاً نقدية بلا قيمة، ويعلن إنفلات معدّلات التضخّم؟.

المزيد من التضخّم هو ما سيواجه اللبنانيين مع أي تصحيح للأجور مرتقب في العام 2022. على أن التصحيح ضروري وواجب ومحق. وأيضاً، ضخ كتلة نقدية إضافية بالليرة، سيعني المزيد من الخسارة في قيمتها، أي ارتفاع إضافي لسعر الدولار. أما وضع صيغة للتمويل بالدولار بقرضٍ من البنك الدولي، فلا يعني حتمية تراجع سعر الدولار، لأن قاعدة العرض والطلب معطّلة في السوق. فلا عَجَبَ في هذه الحالة إن وصلت الأمور إلى طريق مسدود.