المصدر: النهار
الأحد 15 كانون الاول 2024 11:11:41
يعجز محمد أرترك عن أكل الخبز الذي تعدّه زوجته خديجة فقد خرج المواطن التركي الأجوف الوجنتين للتو من سجن سوري حيث فقد نصف أسنانه فيما النصف الآخر على وشك السقوط.
ويؤكد لوكالة "فرانس برس": "كان التعذيب متواصلاً"، مستعيداً ضربات الهراوات التي كان يتلقّاها على الفم من جانب الحراس في فرع فلسطين وهو سجن في دمشق أمضى فيه جزءاً من سنوات اعتقاله في سوريا على مدى 21 سنة تقريباً.
أوقف محمد في العام 2004 بتهمة التهريب وعثر عليه مساء الإثنين في بلدته ماغاراجيك الواقعة على مرتفع على بعد حوالى عشر دقائق من الحدود السورية عبر حقول الزيتون.
ويقول الرجل البالغ 53 عاماً الذي يبدو من خلال ملامح وجهه ومشيته أكبر سنّاً بكثير "ظنت عائلتي إنّي مت".
في الليلة التي حرّر من السجن، سمع إطلاق نار وراح يصلّي موضحاً "كنّا نجهل ما يحصل في الخارج. ظننت أن ساعتي قد حانت".
ثم راح يسمع ضربات مطرقة متسارعة. وبعد دقائق على ذلك، فتح عناصر فصائل المعارضة المسلّحة الذين دخلوا دمشق لإسقاط حكم بشار الأسد، أبواب السجن.
"كما لو كنّا في نعش"
تروي زوجته التي جلست في باحة المنزل العائلي مع ابنتها التي كانت في شهرها السادس عند اعتقال والدها "لم نراه منذ 11 عاماً، كنا نظن أنّه قضى لم يعد لدينا أي أمل".
حكم على محمد الذي لديه أربعة أبناء، بالسجن 15 عاماً وزج في زنزانة تحت الأرض تحت رحمة حراس متحمّسين من دون الاكتراث لموعد نهاية عقوبته في العام 2019.
ويروي قائلاً "كانت عظامنا تظهر من شدّة الضرب بالمطرقة على المعصمين".
ويتابع "لقد صبّوا المياه المغلية في عنق معتقل آخر. وقد ذاب جلد عنقه ونزل إلى أسفل" مشيراً إلى وركيه.
وينزع جاربه ليظهر كاحله الأيمن الذي عليه بقع داكنة جراء السلاسل.
ويؤكّد "خلال النهار كان ممنوعاً منعاً باتاً الكلام (..) كنّا نجد صراصير في الطعام ونعاني من الرطوبة وتنتشر رائحة مراحيض"، متحدّثاً عن مرور أيام "من دون ملابس ولا مياه ولا طعام، كما لو كنّا في نعش".
ويضيف "كانوا يضعون 115 إلى 120 شخصاً في زنزانة واحدة تتسع لعشرين شخصاً. قضى كثيرون جوعاً"، مؤكّداً أن الحراس "كانوا يرمون من قضى في مكب نفايات".
"حبل في السقف"
ويقول المعتقل السابق إنّه عانى أيضاً من كره الحكومة السورية السابقة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي كان يحث منذ أشهر الحرب الأولى في سوريا العام 2011 بشار الأسد على مغادرة السلطة.
ويوضح محمد أرترك "نحن الأتراك تعرّضنا لتعذيب كثير بسبب ذلك" مؤكّداً أيضاً أنّه حرم من أدوية بسبب جنسيته.
وللتخلّص من هذا الرعب، كان يتمنّى أن يُشنق. ويوضح "في أحد الأيام اقتادونا إلى مكان اعتقال جديد ورأيت حبلاً متدلّياً من السقف وقلت في قرارة نفسي الحمدالله الفرج آتٍ".
بشكل متكرّر يوقف روايته ليشكر الرب و"رئيسنا العزيز إردوغان" على عودته على قيد الحياة إلى كنف عائلته وألا يكون بين الضحايا الكثر للسجون السورية الذين يزيد عددهم على الأرجح عن 105 آلاف بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقرّه في لندن.
تعطيه إحدى شقيقاته مجموعة من الصور القديمة، على إحداها يظهر مع صديقه فاروق كارغا الذي دخل السجن في سوريا معه، بعيد التقاط هذه الصورة.
إلا أن فاروف كارغا لم يعد إلى دياره.
يؤكد محمد أرترك "قضى جوعاً في السجن قرابة العام 2018... كان وزنه 40 كيلوغراماً".