تعزيز التعاون الكهربائي بين دول الجوار: الأردن جاهز... ماذا عن لبنان وسوريا؟

تتعدد الحلول الموضوعة لحل أزمة "العضال" الكهربائي اللبناني، وأحد وجوهها الربط الكهربائي الثلاثي، الذي يعود الحديث عنه من وقت إلى آخر دون تحقيق أي تقدّم ملموس يساعد في رفد قطاع الكهرباء ببعض الدعم وساعات التغذية الإضافية.

الحرب السورية التي بدأت عام 2012، كانت إحدى العقبات التي تم "التذرع" بها لتبرير فشل مشروع ربط لبنان والأردن عبر سوريا، بخطوط نقل مباشرة، أو من خلال استجرار الكهرباء إلى لبنان من معامل الإنتاج السورية، القريبة من الحدود اللبنانية الشمالية، مقابل حصول سوريا بديلا منها عبر الخطوط الأردنية.
بيد أن التغيير الذي طرأ على السلطة في سوريا واقترابها من الاستقرار الأمني والسياسي، أعادا الكلام على تنشيط مشروع الربط وضرورة تحريك الاتصالات في اتجاه سوريا والأردن، لوضع خريطة طريق تقنية ومالية للمشروع.
وفي السياق، زار وزير الطاقة والمياه جو الصدي الأردن في إطار جهوده لإحياء مشروع الربط الكهربائي الذي توقف قبل أكثر من عقد، ولتقييم جهوزية الشبكات الوطنية في الدول الثلاث تمهيدا لاستئناف ضخ الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
وأكد وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني الدكتور صالح الخرابشة، جهوزية الأردن لتزويد لبنان جزءا من حاجاته من الطاقة الكهربائية فور اكتمال جهوزية الأطراف الأخرى ذات العلاقة، وأن خطوط الربط من جهة الأردن جاهزة بالكامل.

خلفية تاريخية
يعود تاريخ الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا إلى عام 2001، عندما تم تشغيل خط نقل بقوة 400 كيلوفولت يربط الشبكتين. غير أن هذا الربط توقف عام 2012 بسبب تداعيات الحرب السورية والأضرار التي أصابت البنى التحتية.
وفي كانون الثاني 2022، وقّعت اتفاقات جديدة بين وزراء الطاقة في الأردن وسوريا ولبنان لتزويد لبنان الكهرباء الأردنية عبر الشبكة السورية، في محاولة لتخفيف أزمة الطاقة التي يعانيها البلد.
لكن المشروع تعثر لاحقا بعدما عدّل البنك الدولي شروط التمويل، إذ طالب بإنهاء العقود كافة قبل بدء المفاوضات المالية، فضلا عن تأثير العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق، والتي عرقلت التنفيذ العملي لأي مشاريع طاقة تمر عبر الأراضي السورية.
وأكدت مصادر وزارة الطاقة أن "زيارة الصدي للأردن أتت في سياق المتابعة تمهيدا لاجتماع اللجنة الثلاثية المقرر عقده مبدئيا في 20 كانون الأول المقبل في الأردن". وسيناقش الاجتماع الخيارات الفنية والاقتصادية المتاحة، مع إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة، نظرا إلى تغير الظروف السياسية والتقنية والاقتصادية.
وعن موضوع التسعير، قال المصدر إنه لم يبحث على نحو مفصل في المرحلة الراهنة، باعتبار أن الأولوية الحالية تتركز على الجوانب الفنية وتقييم الجهوزية الكاملة"، مضيفا أن "من المبكر الحديث عن الأسعار قبل استكمال الدراسات الفنية".
وفيما أعلن الوزير الأردني أن خطوط الربط من جهة الأردن جاهزة بالكامل، أكد مصدر وزارة الطاقة أن لا معوقات تقنية أو لوجيستية كبيرة من الجانب اللبناني يمكن معالجتها بسهولة، مع التركيز على مراقبة الوضع الفني في سوريا لتحديد مدى قدرة شبكاتها على استيعاب متطلبات المرحلة المقبلة.
معضلة الهدر في لبنان
في المقابل، رأى محلل سياسات الشراكة بين القطاعين والخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون أن المشكلة لا تكمن في الربط الإقليمي نفسه، بل في شبكة الكهرباء اللبنانية التي تعاني خللا هيكليا مزمنا.
وقال بيضون إن نسبة الهدر في لبنان تصل إلى نحو 55 في المئة، أي أن أكثر من نصف الكهرباء المنتجة تضيع قبل أن تصل إلى المستهلكين، بسبب الأعطال التقنية والسرقات والتعديات على الشبكة.
وسأل: "إذا استوردنا الكهرباء من الأردن عبر سوريا، فكيف تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من تسديد مستحقات الأردن في ظل هذا الهدر الكبير؟ المشكلة تتعدى الجانب الفني لتشمل الإدارة والأمن، فشبكة الكهرباء في لبنان متفلّتة منذ عقود، والتعديات عليها شبه يومية".
ورأى أن "أي خطة لن تنجح قبل ضبط الشبكة بشكل كامل"، مشيرا إلى أن "ذلك يتطلب تعاونا واسعا بين القضاء ووزارة العدل والقوى الأمنية والجيش".
وطرح بيضون "اللامركزية في إنتاج وتوزيع الكهرباء كحل أكثر استدامة"، مشيرا إلى "نموذج زحلة الذي أثبت نجاحه، ويمكن تعميمه من خلال نظام الامتيازات واتحادات البلديات. كما أنه يمكن أن تؤمن مصدر إنتاج خاصا بها مستفيدة من الطاقة المتجددة كالرياح والمياه والطاقة الشمسية، وهي المصادر الوحيدة المتاحة حاليا بشكل مستدام."