تراجع "الإضاءة الليلية" بنسبة 90%

أشار البنك الدولي في تقريره الفصلي حول الوضع الاقتصادي في لبنان، إلى اعتماد مؤشر جديد في قياس النشاط الاقتصادي في لبنان، وهو «مؤشر الإضاءة الليلية»، أو «Night time lighting». وربط معدّو التقرير الذي جاء تحت عنوان «تفاقم الأعباء على بلد مأزوم»، بين مقدار «الإضاءة الليلية»، أي استهلاك الكهرباء، في المنازل والشوارع وبالتالي المناطق، وبين الناتج المحلي في البلاد. فوجدوا أنّ «الإضاءة الليلة» انخفضت مع انخفاض الناتج المحلي في سنوات الأزمة، ووصلت نسبة انخفاض الإضاءة إلى 90%.

قبل عام 2019، تاريخ انفجار الأزمة الاقتصادية في لبنان، كانت «الإضاءة الليلية» في المدن الرئيسية في ارتفاع مستمر ومرتبط مع الناتج المحلي. ووصلت إلى أعلى معدّلاتها مع تسجيل الناتج المحلي رقم 52 مليار دولار في عام 2019 (معلوم أنّ النقاش مستمر وهناك تباينات في تقدير الحجم الفعلي للناتج المحلي) من بعدها، بدأت «الإضاءة الليلية» بالتدهور في كلّ المدن والمناطق اللبنانية. وبحسب مختبر الدراسات في البنك الدولي، يشير مؤشر «الإضاءة الليلية»، إلى النشاط البشري والتنمية الاقتصادية وتطوّر البنية التحتية. ويُستعان في رسم خريطة «الإضاءة الليلية» للمناطق بصور الأقمار الصناعية المأخوذة في ساعات الليل، والتي تقيس شدّة انبعاثات الضوء الصناعي. وكلّما زادت، اعتبرت المنطقة متطورة اقتصادياً، والعكس صحيح.

تراجع «الإضاءة الليلة» لم يكن متوازياً، بل تفاوتت النسب وفقاً لتركز رؤوس الأموال والقدرات المادية للقاطنين في المناطق. على سبيل المثال، وصلت نسبة التراجع في «الإضاءة الليلية» في محافظتَي طرابلس وعكار إلى 90%. حيث تسجل هناك أعلى نسبة فقر في لبنان، وفقاً لتقرير الفقر الصادر عن البنك الدولي نهاية أيار الماضي. في المقابل، شهدت مناطق محافظتَي لبنان الجنوبي والنبطية تراجعاً أقل بنسبة «الإضاءة الليلية»، إذ وصلت إلى 60%، بحسب أرقام مختبر الدراسات.

وبالنظر إلى أرقام كلّ منطقة، يظهر تأثير التفاوت الاقتصادي بشكل أوضح على «الإضاءة الليلية» والقدرة على استخدام الطاقة الكهربائية وصرفها. ففي أقضية المنية - الضنية، بعلبك، والهرمل تخطت نسبة التراجع في الإضاءة الليلية الـ75% خلال سنوات الأزمة الممتدة بين عامَي 2029 و 2023. في حين لم تتجاوز النسبة ذاتها حاجز الـ40% في بيروت الإدارية وجزين. بمعنى آخر، إنّ التراجع في «الإضاءة الليلية» كان عامّاً، وشاملاً لكلّ المناطق اللبنانية. إلا أنّ نسبة التراجع لم تكن نفسها فأثر الأزمة الاقتصادية لم يأتِ بالوقع نفسه على عامة اللبنانيين. إذ تمكّنت الطبقات الميسورة من الحفاظ على نمط حياة مشابه لما كانت تعيشه قبل الأزمة الاقتصادية. فلم تتأثر قدرتها على تأمين الكهرباء بمثل ما حصل مع سكان الأحياء الفقيرة. إذ وصلت نسبة انخفاض «الإضاءة الليلية» في حي التبانة في طرابلس، وهو أحد أفقر الأحياء في المدينة الفقيرة إلى 76%.

وظهرت الفروقات أيضاً بين أحياء المنطقة نفسها، حيث تتجاور الأحياء الفقيرة والغنية، أو لا يفصلها سوى شوارع قليلة. على سبيل المثال، في الوسط التجاري لبيروت، وصلت نسبة التراجع في الإضاءة الليلية إلى 36%. في حين وصلت النسبة ذاتها إلى 73% في محلة الباشورة و65% في زقاق البلاط، حيث التلاصق مع وسط بيروت، بينما وصلت 67% في عائشة بكّار، وهي من الأحياء الفقيرة في العاصمة.

بداية عام 2023، ظهرت مؤشرات التعافي. ومع تقدير البنك الدولي لارتفاع قيمة الناتج المحلي من 20 ملياراً عام 2023، إلى نحو 23 ملياراً مع نهاية عام 2024 الجاري، بدأ استهلاك الطاقة بالتعافي، وارتفعت معه نسبة «الإضاءة الليلية»

ورغم ترويج البنك الدولي لمؤشر «الإضاءة الليلية» على أنّه أداة يعتمد عليها في المناطق ذات البيانات الاقتصادية المحدودة، أو غير الموثوقة. إلا أنّ ارتباط هذا المؤشر بأدوات قياس عالية التقنية، مثل الأقمار الصناعية يضع عليه قيوداً، ويحوّله من مؤشر ذي موثوقية إلى مجرد دليل ظرفي، أو أقله «مقياس غير مثالي»، بحسب إحدى الدراسات. على سبيل المثال، تختلف جودة البيانات بحسب نوعية الإضاءة المستخدمة في المناطق. مع استبدال المصابيح التقليدية بمصابيح موفرة للطاقة، كـ«مصابيح LED»، حيث تنخفض فعالية أجهزة الاستشعار الموجودة في الأقمار الصناعية على قياس انبعاثاتها الضوئية. كما تسهم ظروف الطقس، والتغييرات الموسمية في استخدام الأضواء في خفض جودة مخرجات هذا المؤشر.