تغيّرت الدنيا فمتى يتغيّر الممانعون؟

حتى الآن لم يثبت "حزب الله" أنه قادر على إعادة إنتاج نفسه بشكل مغاير لما كان عليه طوال أربعة عقود منذ أن أُنشئ بقرار إيراني.

والظاهر أن الحزب المذكور لم يأخذ علماً بأن المرحلة مختلفة عما سبقها، وأن كل شعاراته وسردياته في الداخل والخارج قد سقطت بالضربة القاضية.

لم يعد "حزب الله" حركة مقاومة، انتهت هذه الكذبة الكبيرة. ولم يعد حركة تحرير لما بقي من أراضٍ لبنانية محتلة، فقد كانت مجرد ذريعة لامتلاك السلاح، وتحويل لبنان إلى قاعدة إيرانية متقدمة بوظيفة استراتيجية وحيدة تتعلق بحماية النظام في طهران. أسقطت حرب "الإسناد" هذه الوظيفة الإيرانية، وانتهت بسقوط مدوٍّ للحزب المذكور في حربه بالإنابة مع إسرائيل، وفي ارفضاض المكونات اللبنانية عنه لما أدركت أنها ما عادت قادرة على المواءمة بين نظرتها للبنان ومصالحها في التركيبة اللبنانية وبين تهوّر الحزب المشار إليه، ومقامراته الخارجية، ومشروعه التمدّدي الداخلي الخطير على حساب توازنات البلاد الدقيقة.

عملياً، سقطت وظيفة الحزب الإقليمية وسقطت في الداخل اللبناني. ومع الأسف لم نلمس تغييراً جدياً في عقلية القيادة. وشعورنا أن طهران التي تبدو مستكينة بعض الشيء، تعدّ العدة للانقضاض على المعطى اللبناني الجديد عبر ذراعها الجاهزة للانقلاب على الموجة السيادية في البلاد.

وفي هذا الإطار يبدو أن سلوك الحزب المذكور يعتمد على المراوغة، والعمل على إجهاض عملية تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته اعتماداً على التفسير الخاص الذي يعتبر أن سحب السلاح ينطبق على منطقة جنوبي الليطاني، فيما الأساس هو بسحب كل السلاح غير الشرعي على كامل الخريطة اللبنانية. من هنا وجوب التحوّط لما يمكن أن يقدم عليه "حزب الله" داخلياً، والأهم إبقاء الأعين مفتوحة على حركة المتواطئين العاملين الذين لم يصدقوا بعد أن لبنان دخل مرحلة جديدة مغايرة لمرحلة الهيمنة والسيطرة الاحتلالية للحزب على البلاد.

 هذا الأمر ينطبق على طاقم حاكم منقاد يمسك بالحكومة ومجلس النواب، وعلى مفاصل أساسية من الدولة أكان في الأسلاك الأمنية التي أدخلت وقدمت حماية لأركان النظام السوري السابق، إضافة إلى السلطة القضائية التي لا يزال بعض أركانها يتماهون مع "حزب الله" ويواصلون التصرّف وكأنهم لا يزالون في عصر انقضى. وفي هذا الإطار من المهم أن ترفع يد "الثنائي الشيعي" عن الاستحقاق الرئاسي وأن يُمنع رئيس مجلس النواب من مواصلة التلاعب بالنصوص الدستورية من خلال تفسيرها على مقاس فريقه أو مِلّته. فلا تعقد جلسة انتخاب من دون الالتزام بالامتناع عن التعطيل بفتح جلسة ودورات متتالية إلى أن ينتخب الرئيس الجديد. لم يعد من الجائز ترك الحبل على غاربه في مجلس النواب. ولم يعد مقبولاً أن يتحول مجلس النواب أو أم المؤسسات إلى أداة ومطيّة لشخص أو لفريق بعينه.

من يرِدْ بلداً فعليه أن يتعلم كيفية العيش مع الآخر، لا الهيمنة عليه أو الاعتداء على وجوده بالطرق والوسائل التي حصلت في العقدين الماضيين. ما كان سابقاً لم يعد حاضراً ولا مستقبلاً. فتعقّلوا!