المصدر: العربية
الاثنين 28 شباط 2022 20:09:35
بنى البنك المركزي الروسي، احتياطيا ضخما من الأصول والعملات الأجنبية، بهدف الحفاظ على استقرار العملة في مواجهة ذعر السوق.
وكشفت صحيفة فايننشال تايمز عن مكونات الاحتياطي الروسي البالغة قيمته 630 مليار دولار في نهاية يناير الماضي، والمكون من أصول وودائع مقومة بالعملات الرئيسية في العالم (الدولار واليورو والجنيه الإسترليني واليوان)، بالإضافة إلى ما يقرب من 2300 طن من الذهب.
ومن المرجح أن تؤدي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على البنك المركزي إلى جعل الجزء الأكبر، إن لم يكن كل هذه الاحتياطيات عديمة الجدوى.
وشكك خبراء في قدرة روسيا على استخدام أي من هذه الاحتياطيات، لأنها في الغالب ليست تحت تصرف المركزي الروسي، أو متواجدة في خزائنه، وفقاً لما يشير إليه التصنيف العالي لمعظم مكونات الاحتياطي، خاصة الأوراق المالية والعملات الأجنبية البالغة قيمتها أكثر من 463 مليار دولار، من بينها 311 مليار دولار في الأوراق المالية الأجنبية والمودعة لدى أمناء حفظ خارج روسيا.
وفنّد الزميل الزائر في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، عثماني ماندينغ، الكيفية التي يمكن للبنك المركزي الروسي بها تحويل الأوراق المالية إلى نقد في حال احتاج الوصول إلى الدولار أو اليورو بسرعة، ومدى صعوبة هذا الإجراء بعد فرض العقوبات، وفقاً لما ذكرته "فايننشال تايمز"، واطلعت عليه "العربية.نت".
وأكد ماندينغ، على أن البنوك المركزية لا تحتفظ باحتياطيات النقد الأجنبي لديها في أغلب الأحيان، كما أن الأوراق المالية والنقود لا يتحركان أبداً، إذ إن كل الأصول تتم العمليات عليها عبر معالجات خارجية.
وضرب مثالاً على الجزء الخاص باحتياطيات روسيا من الأوراق المالية في حال طلب تسييلها، فإن البنوك المركزية تطلب من وسطائها بيع الأصل المعني، وعلى سبيل المثال، السندات الحكومية الألمانية، فإن شركة الوساطة المالية في فرانكفورت سوف تتصل بوسطاء آخرين للإعلان عن البيع، وبمجرد الاتفاق على السعر، سيطلب من أمين حفظ الأوراق المالية نقل ملكيته إلى المشتري، أو مجموعة المشترين.
فيما سيقوم أمين الحفظ الخاص بالطرف المشتري، بنقل قيمة الأوراق المالية إلى حساب البائع، لدى شركة الوساطة. ويمكن بعد ذلك استخدام العائدات لتوجيه السمسار، أو تجار الصرف الأجنبي، ومعظمهم في لندن، لشراء الروبل بسعر محدد. وعادة ما يكون البائع بنكاً تجارياً روسياً، وبمجرد إتمام عملية الشراء، سيصدر بنك روسيا تعليمات إلى بنك الحفظ الخاص به باعتماد حساب البائع باليورو.
وبالتالي، فإن إيقاف البنك المركزي عن استخدام أوراقه المالية لتحقيق الاستقرار في الروبل، يتطلب توجيه تعليمات للوسطاء الماليين الموجودين في هذه السلسلة - السماسرة، وأمناء الحفظ، وبنوك الضمان المركزية، وتجار الصرف الأجنبي، وبنوك الحفظ المركزي – لحجز هذه الأصول استعدادا لبيعها نيابة عن البنك المركزي، وطالما كانت إحدى هذه الجهات خارج روسيا، ومن الدول المشاركة في توقيع عقوبات على نظامها المالي، فإن تحويل تلك الأصول إلى سيولة شبه مستحيل.
في السنوات الأخيرة، عززت واشنطن في كثير من الأحيان سياستها الخارجية من خلال ما يشار إليه باسم "تسليح التمويل". ما يعنيه ذلك من الناحية العملية هو استخدام هيمنة الدولار العالمية لقطع الطريق على السلطات النقدية في إيران وفنزويلا وأفغانستان، عن الوصول إلى احتياطياتها الخاصة.
واستندت السلطات الأميركية، في معظم الأحيان إلى تشريعات مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، إلى جانب قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية للولايات المتحدة. وقد أثبت هذا الأخير على وجه الخصوص أنه تدبير فعال لمنع البنوك المركزية الموقع عليها عقوبات من الوصول إلى أصولها الخارجية.
وتتمثل الطريقة الأكثر مباشرة لمعاقبة البنك المركزي الروسي، في وضعه على ما يسمى بقائمة SDN للأفراد والمؤسسات التي تمنع الكيانات الأميركية من التعامل معهم.
العملات والودائع
الجزء الثاني من الاحتياطيات التي يحتفظ بها البنك المركزي الروسي، هي في شكل عملة وودائع، وتبلغ قيمتها 152 مليار دولار.
ومن أصل 152 مليار دولار، حوالي ثلثي هذه الأموال محتفظ بها في مؤسسات دولية رسمية. ويشمل ذلك البنوك المركزية الأخرى، وبنك التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي.
وقامت البنوك المركزية في منطقة اليورو، حيث يحتفظ المركزي الروسي بحوالي ربع أصوله، بتجميد حساباته بالفعل.
وقال البنك المركزي الأوروبي إنه سينفذ جميع العقوبات التي قررها الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية.
من جانبه، رحب رئيس بوندسبانك، يواكيم ناغل، بفرض عقوبات مالية شاملة على روسيا.
فيما أكد بنك التسويات الدولية في بيان قائلاً: "سياستنا هي أن المؤسسة لا تقر أو تناقش العلاقات المصرفية. سوف يتبع بنك التسويات الدولية العقوبات".
ومن غير الواضح كيف ستتصرف السلطات الأخرى، ولا سيما الصين. إذ وفقاً للتقرير السنوي للمركزي الروسي، فإن 14% من احتياطياته من النقد الأجنبي في الصين - وهي أكبر حصة لأي دولة بمفردها. ما يقرب من 13% من الاحتياطيات باليوان أو الأصول المقومة باليوان.
وقال ماندينغ إن الصين قد تعرض بدائل لروسيا لمواصلة التجارة مع بعض أجزاء العالم على الأقل: "قد تقبل روسيا مدفوعات لصادراتها باليوان وتزيد الواردات المدفوعة بالعملة الصينية سواء من الصين أو دول أخرى تقبل اليوان. نظراً لأن المدفوعات المبنية على اليوان ستتم على الأرجح من قبل مؤسسات خارج نطاق التأثير المباشر للغرب، وهذا الأمر سينجح".
يتم الاحتفاظ بالثلث الآخر من ودائع المركزي الروسي في البنوك الخاصة، ومن المستحيل تحديد الحصة من هذا الـ 57 مليار دولار المحتفظ بها في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. ولكن نظراً لأن ما يقرب من 60% من كون احتياطيات المركزي الروسي إما بالدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني، فمن العدل أن نخمن أنها أكثر من النصف.
الذهب
يمتلك المركزي الروسي، خامس أكبر احتياطي من الذهب في العالم، وفقاً لمجلس الذهب العالمي. ووفقاً لتقريره السنوي، يتم تخزين السبائك بالكامل التي تبلغ قيمتها 130 مليار دولار في خزائن داخل الاتحاد الروسي، وهو أمر غير معتاد عالمياً، إذ تلجأ معظم البنوك المركزية حول العالم إلى الاحتفاظ باحتياطياتها من الذهب في إما في لندن أو نيويورك لضمان قربها من الأسواق المالية لسهولة بيعها.
ويرى الخبراء، أن الاحتفاظ بالذهب في روسيا، وليس في لندن أو نيويورك، سيجعل من الصعب على البنك المركزي التصرف في كميات كبيرة منه إذا لزم الأمر. في الوقت نفسه، فإن قربها من الوطن يجعل من الصعب جداً على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تفرض بنجاح عقوبات على السبائك الروسية.