تفانٍ في خدمة وطن

هو مزيج من الثائر والمتمرّد والمقاوم، خليط من الطِيبٰة والنخوة والشدّة والصلابة.
اجتمع في شخصه الرجل الإنسان المتواضع والمسامح بالرجل القائد الحازم والرصين.
التصق اسمه بتاريخ المقاومة اللبنانية المجيدة، ببطولاتها وتضحياتها وانتصاراتها،
وأضحى أحد أبرز أركانها ورموزها وأعمدتها.
جسّد بمسيرته الزاخرة بالمحطات أسمى معاني الشهامة والشرف والعنفوان وأبهى صور العطاء والبذل والفداء دفاعاً عن الوطن.

هو قصّة رجل مقدام ترك وراءه، في مقتبل العمر، حياة الرخاء والرفاهية واليُسر، والتزم حياة الشدّة والمصاعب والشقاء، حياة النضال والمقاومة.

عندما دق الخطر باب الوطن، كان في طليعة المناضلين الذين لبّوا نداء الواجب، وقدّموا، دون تردّد، أغلى ما يملكون على مذبح الحرية والكرامة.

مسعود الأشقر، قصة بطل من بلادي نذر حياته، وسخّر كل ما عنده من طاقات وقدرات، بحبّ وايمان وشغَف وعزم وتفان، لخدمة قضية مقدّسة، سقط من أجلها آلاف الشهداء الأبرار.

مسيرة وطنية طويلة حافلة بالعطاء والتضحية والإقدام طبَعت حياة هذا الإنسان النبيل، بالرصانة والجِدِّ والثبات.

ميادين القتال تعرفه، وساحات العزّة والكرامة تشهد لإنجازاته ومآثره العسكرية،
من متاريس الأسواق التجارية، إلى خنادق أعالي قِمَم صنين خلال "حرب السنتين" ١٩٧٥-١٩٧٦.

في كلّ زاوية ومفترق طريق في الأشرفية وجوارها، حكاية بطولة، ورواية مؤثرة عن هذا القائد الصلب والفذ الذي استبسل، مع شِلّٰة من رفاقه، إبان''حرب المئة يوم'' في عام ١٩٧٨ في مواجهة جنود الاحتلال السوري في شوارعها.
بصماته ودعساته واضحة ومطبوعة على كلّ شبر من أرض معركةٍ خاض غمارها ساحلاً و جبلاً، شمالاً وجنوباً.

بوسي الأخ العطوف والصديق الوفي والرفيق المخلص، كان بسلوكياته وأعماله، بنزاهته ومروءته، قدوة لجيل كامل من الشابات والشبان. انخرط في وحدات قتالية، للذود عن الأرض والشعب والهويّة والكيان.
تجرّع في محطات عديدة، مرارة الخيبات والصدمات والطعنات والخيانة مترفعاً بِكُبْر عن مبادلة الإساءة بالإساءة، تاركاً للأيام وحدها أن تردّ اعتباره.

لم تغره شهوة المال والسلطة ولم تحرفه أبداً ثقافة الفساد.
لم يأبه لنفسه، ولم يكترث للمآسي والأخطار والتهديدات التي تعرّض لها مراراً بل كان يقدّم الوطن دون غيره على كلّ شي.
لم تهزمه سنوات الحرب الدامية، بقي، دوماً، شامخاً، صامداً، أبياً أمام الحروب والويلات والمآسي التي لازمت مشواره النضالي، حتى وقع، على حين غفلة، في قبضة وباء قاتل، عدوّ صامت ومميت، أنهك جسده، وفتك بقواه حتى الرمق الأخير.

فُجِعنا بموته وبرحيله المفاجىء. مضى بصمت دون وداع ولم يمهلنا حتى القليل من الوقت لنُخبره مدى حبّنا له.
يا له من واقع مرير أن نودّع مناضلاً كبيراً كرّس حياته في الذود عن الثوابت الوطنية المقدّسة، والقيم الانسانية السامية، قبل ان يرى لبنان الجريح الذي يترنح، ألماً وانكسارًا ومرارةً، يستعيد حريته وسيادته واستقراره، ويتحرر نهائياً من قيود الهيمنة والفساد.
نستذكر مواقفه الجريئة، وعباراته الدافئة، وروحه المرحة، وابتسامته المطمئنة، ونفسيته الجميلة، وحسّه الإنساني وأكثر من كل شيء لن ننسى عشقه الأعمى للبنان.

كم يعزّ علينا جميعاً الا نقيم له الجنازة التي تليق به بسبب جائحة الكورونا، وهو من كان دائماً في صدارة الصفوف في الأفراح والأتراح.
يشهد كل من عرفه على استقامته وصدقه وصراحته في تعامله مع الكبير والصغير. لم يتردد يوماً في مدّ يد العون والمساعدة لكل محتاج دون مِنّة. فكان السند الحقيقي للمظلومين والمقهورين والضعفاء في أوقات الشدّة والضيق.

أعطى الكثير الكثير، دون تعال او غرور.
مهما كتبنا عنه وأشدنا بخصاله لن نوفيه حقه، ومهما بذلنا من جهد لن نعطيه سوى جزء يسير مما يستحقه من تقدير.
ذكراه ستبقى معنا، راسخة في الضمير والوجدان.
وسيظل محفوراً في قلوبنا ما بقينا .....