تفكيك تدريجي ومهام جديدة.. هل بدأت "يونيفيل" تنفيذ قرار الانسحاب من لبنان؟

قالت مصادر لبنانية أمنية وإعلامية، إن بعض الوحدات التابعة لقوات "اليونيفل" العاملة في جنوب لبنان، بدأت بتقليص عديدها. وأكدت أن أولى الوحدات التي شرعت في خفض عناصرها هي قوة الاحتياط المعروفة بـ "FCR"، والتي تقودها فرنسا، وتتشكل نواتها الرئيسية من عناصر فرنسيين وبولنديين وفنلنديين.

ووفقا للمصادر، سجّلت القوة التي تتمركز في مقر الوحدة الفرنسية في الطيري بقضاء بنت جبيل، سلسلة "خفض عديد" موضعي في إطار دورات التبديل الدورية، مع مؤشرات على تقليص الأعداد خلال 2025–2026 تماشياً مع قرار مجلس الأمن وخطط الخفض الأممية الأوسع في بعثات حفظ السلام. 
تفكيك تدريجي

وأفادت مصادر أمنية لبنانية لـ"إرم نيوز" بأن القيادة الميدانية لـ"اليونيفيل" عمّمت مؤخرا "جداول مرنة للتبديل" تسمح بتخفيف تدريجي لعناصر وحدات الاحتياط المتقدمة في نقاط حساسة، مع إبقاء جهوزية لوجستية لإعادة التعزيز سريعا إذا تدهور الوضع.

وتؤكد المصادر أن وحدات فرنسية–أوروبية داخل قوة الاحتياط (FCR) أعادت توزيع جزء من عديدها إلى مهام دعم وتدريب مشترك مع الجيش اللبناني داخل القواعد الخلفية، فيما رُفع مستوى التنسيق على مسارات الدوريات لمنع الاحتكاك مع القوات الإسرائيلية التي كثّفت نشاطها قرب مواقع متنازع عليها شمال الخط الأزرق.

وكانت تقارير لبنانية تحدّثت في تموز/يوليو عن انسحاب نحو 4 آلاف جندي على مراحل، بينما حذرت تقارير أخرى من أن خفضا  بنسبة 25% قد ينعكس على فاعلية الدور جنوبا. 

لكن مصدرا إعلاميا لبنانيا متابعا لملف "اليونيفل"، قال لـ "إرم نيوز" إنه لم يصدر أي إعلان تفصيلي عن جدول انسحاب لأي من وحدات "اليونيفل"، بما فيها قوة الاحتياط  (FCR)، لافتا إلى أن الانطباع السائد داخل البعثة أن "الخفض المبرمج" يسير بالتوازي مع المراجعات اللوجستية المعتادة للتبديل.

وحسمت الأمم المتحدة أمر انتشار قوات "اليونيفل" في لبنان، في 28 أغسطس/ آب الماضي، بقرار نهائي يؤكد على انسحاب القوة متعددة الجنسيات في نهاية العام القادم 2026، على أن يبدأ الانسحاب بشكل منظم، وبإشراف مجلس الأمن بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية. 

 لكنّ المصدر الإعلامي، أوضح أن هذا المسار الذي حددته الأمم المتحدة لا يعني خروجا وشيكا خلال أسابيع؛ بل تفكيكا تدريجيا مع ضبط انتقال المهام إلى الجيش اللبناني. 

وصدر قرار سحب قوات "اليونيفيل"بالاتفاق مع بيروت ومع الدول المساهمة بقوات، على أن تتكفل الدولة اللبنانية بالأمن جنوبا. وقد صاغت فرنسا القرار، وقبلته واشنطن وتل أبيب بوصفه نهاية متدرجة لمهمة اليونيفيل التي يعتبرانها "عاجزة عن كبح حزب الله". في المقابل، حذّرت عواصم أوروبية من فراغ أمني إذا لم تُدعَم قدرات الجيش اللبناني خلال المرحلة الانتقالية.  
البديل المطروح

تتحدث المصادر أن السيناريو المرجح دولياً يقوم على رفع وتيرة الانتشار والدعم للجيش اللبناني جنوب الليطاني، مع إسناد من "مجموعة المراقبين في لبنان" (OGL) التابعة لـ"الأنتسو/ UNTSO" لتكثيف الرصد والإبلاغ على الخط الأزرق، كبديل أقل كلفة وأخف احتكاكا من قوة حفظ سلام ثقيلة. فيما تضيف بعض العواصم الأوروبية للمقترح إنشاء "بعثة مراقبة صغيرة تحت راية الأمم المتحدة" إذا لزم الأمر، فيما يبقى النقاش مفتوحا حول قواعد اشتباك أكثر صرامة على الخرق الجوي والبحري الإسرائيلي. 

 ماذا يريد حزب الله وإسرائيل ولبنان؟

ودفعت إسرائيل بقوة نحو إنهاء المهمة أو إعادة تعريفها، معتبرة أن "اليونيفيل" فشلت في كبح الحزب، وهي تفضل ترتيبات حدودية تُبقي يد الجيش الإسرائيلي طليقة إلى حين تنفيذ 1701 كاملا. 

في المقابل، لا يُعارض حزب الله تقليص القوات الأممية، لكنه يعارض أي صيغة تمس "قواعد الردع" أو تمنح إسرائيل شرعية عملياتية أوسع؛ بينما تفضل بيروت انتقالا سلسا يحافظ على الاستقرار ويؤمن دعما واضحا للجيش. هذه الاتجاهات تُقرأ في مواقف إسرائيلية وأمريكية وإعلام عبري، مقابل مواقف فرنسية وأوروبية، وبيانات يونيفل الأخيرة التي تُدين الغارات وتؤكد البقاء حتى نهاية التفويض. 

مؤشر على اقتراب الحرب؟

مصادر أمنية لبنانية تؤكد أن "خفض عديد القوات الأممية ليس إشارة حرب وشيكة بقدر ما هو إدارة مخاطر وتخفيف تعرض"، مع تنويهها إلى أن "تل أبيب لا تحتاج إلى انسحاب اليونيفيل لتوسيع ضرباتها المحدودة أصلا داخل الجنوب" أو إشعال حرب جديدة ضد حزب الله.

ووفقا لقراءة المصادر نفسها، فإن أي حرب واسعة ستتطلب ترتيبات إجلاء وتحييد أكثر جذرية بكثير من خفض مبرمج على سنة أو اثنتين. وتضيف: "العنصر الأخطر الآن هو تلاقي الضغط السياسي–الاقتصادي على لبنان مع استمرار الخروقات الجوية وضرب أهداف جنوبية، ما يرفع احتمال الانزلاق غير المقصود أكثر من قرار حرب مبرمج".  
ثلاثة مسارات

ترى المصادر أنه على المدى القريب، ستستمر الدوريات والاتصالات الثلاثية (يونيفيل – الجيش اللبناني – الجيش الإسرائيلي) مع تشديد على حرية حركة القوة إلى نهاية 2026. بعدها، تتوقع أن تتقدم ثلاثة مسارات متوازية، بدءا بتعزيز الجيش اللبناني تدريبا وتجهيزا وتمويلا ليتسلم أمن الجنوب، وتوسيع دور المراقبين الأمميين (OGL/UNTSO) كرادار مبكر للخروق ومُيسّر للآليات التقنية على الخط الأزرق، إضافة للبدء بترتيبات حدودية "أقل احتكاكا" تضغط باريس وأوروبا لتمريرها كجسر نحو ترتيبات نهائية أوسع. 

وتختم المصادر بأن هذا المسار يلقى دعما فرنسيا معلنا، فيما تبقى الخلافات حول "ما بعد 2026" بين تل أبيب وبيروت و"حزب الله" في صلب لعبة الردع المستمرة.