"تقاطع" متجدّد بين المعارضة والتيار على التشاور

مع أن اطلاق قوى المعارضة لاقتراحيها الأخيرين في شأن إنهاء الأزمة الرئاسية لم يقترن أساساً بآمال عريضة في أنهما سيحدثان اختراقاً عجزت عنه مبادرات داخلية وخارجية سابقة، بدا أمس أن المخاض الرئاسي أعاد فرز المواقف والاصطفافات وفق مناخ يستعيد نسبياً ذاك الذي أدى الى “تقاطع” المعارضة و”التيار الوطني الحر” على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، ولو بفوارق لا تنطبق على التجربتين.

والواضح من “خريطة” المواقف العلنية أو المضمرة أو المسرّبة أن التحرك الجديد للمعارضة جُبه بردة فعل سلبية حادة من “الثنائي الشيعي” عبّر عنها أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري بوصفه تحرك المعارضة واقتراحيها بأنه “نكد سياسي” الأمر الذي يقفل حتى الباب على لقاء لقوى المعارضة مع كتلتي “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” استكمالاً لما بدأته المعارضة أمس من لقاءات مع الكتل النيابية والنواب المستقلين. كما أن ردة فعل كتلة “اللقاء الديموقراطي” اتّسمت ببرودة برزت في التعبير المباشر من جانب احد أعضائها بأنهم لم يجدوا جديداً في اقتراحي المعارضة.

يبقى العامل المتحرك الجديد والمتسم بانفتاح لافت هو الذي أعلنه “التيار الوطني الحر” الذي أبدى تجاوبه مع ما عرضته المعارضة ووضع نفسه في وسط الاصطفافات “ناصحاً” المعارضة و”الممانعة” بتخطي الشكليات. ولعل موقف “التيار” يمكن إدراجه في خانة “تقاطع” نصفي مع المعارضة ولكن من دون الذهاب بعيداً في “اغضاب” الثنائي الشيعي باعتبار أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يحرص على صيانة العلاقة المرنة الأخيرة التي قادته إلى عين التينة.

وكانت لجنة من نواب قوى المعارضة التقت أمس مع عدد من الكتل النيابية في قاعة المكتبة في مجلس النواب، وشملت اللقاءات “اللقاء الديموقراطي”، كتلة “الاعتدال الوطني”، تكتل “لبنان القوي” والنواب التغييريين والمستقلين. وأكدّ النائب وائل أبو فاعور أن “المبادرة إيجابية والمطلوب المزيد من المرونة من كل الأطراف للوصول إلى حلّ، ولكن لم نرَ افكاراً جديدة ممكن أن تقود إلى انتخاب رئيس للجمهورية ولا يصح أن نقول أن الحوار يثير الهواجس”.

وعقب هذه اللقاءات أعلن المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر” برئاسة باسيل أنه “في سياق استعداد التيار للقيام بكل ما يلزم لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، يبدي التيار تجاوبه مع ما تمّ عرضه من اقتراحين من قبل نوّاب المعارضة في سبيل التشاور لانتخاب الرئيس. ويكرّر بأنه يجب تجاوز بعض الشكليّات إذا ما كانت النتيجة مضمونة بإجراء الانتخاب، إذ أنّه يمكن للبعض اعتبار ما تمّ تقديمه من نواب المعارضة من نصٍّ مكتوب للاقتراحين كعرفٍ جديد يتمّ ادخاله على الدستور، فيما نحن لا نعتبره كذلك طالما كلّنا متفقون وملتزمون، كلاماً وكتابةً، على عدم اعتبار أي صيغة تشاور عرفًا دستوريًا جديدًا، بل هي حالة استثنائية تستدعي القيام بمحاولة للتفاهم على الرئيس والاّ انتخابه بالتنافس الديموقراطي”. وناشد “الطرفين المتنازعين على هذه الشكليّات، المعارضة والممانعة، وجوب تخطّيها، كما يبدي استعداده لتقديم الحلول المناسبة لها، طالما انّه اصبح متوافقاً عليه أن الاساس هو التشاور في محاولة للتفاهم على رئيس توافقي، وفي حال فشل ذلك، فإن الالتزام من الجميع هو تأمين النصاب اللازم لعقد جلسات ودورات متتالية”.

وفي المقابل، تؤكد المعطيات المستقاة من قريبين من الرئيس بري أنه يرفض اقتراح المعارضة، وفي اعتقاد بري “أن من يرفض الحوار من المعارضين لا يعملون إلا من أجل النكد السياسي لا أكثر، وأن العدد الأكبر منهم لا يريدون اجراء الانتخابات الرئاسية لجملة من الاعتبارات التي تخص مصالحم ظناً منهم بأنهم قد يعملون على تسييل الأحداث القائمة في أجندتهم في المستقبل وتحقيق جملة من الأهداف”.

ولكن رئيس حزب “القوات” سبق حملة بري ببيان حادّ اعتبر فيه أنه “أخيراً سقط القناع ولو بعد سنتين من مناداة جماعة محور الممانعة بالحوار، ثم الحوار، ثم الحوار، بحجة إنجاز الاستحقاق الرئاسي. وتبيّن أمام أعين اللبنانيين جميعاً كذبهم ورياؤهم. فما إن طرحت المعارضة مجتمعة، اقتراحين جديين لحوار جدي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، علت أصواتهم يمنة ويسرة رافضين ومنددين ومستنكرين، فهل أنتم فعلاً من كنتم لسنتين خلتا تنادون بالحوار؟”.

التصعيد ونصرالله

المناخ السياسي الداخلي لم يحجب تصاعد المواجهات على الجبهة الحدودية إذ استمرّ تبادل الغارات والقصف الصاروخيّ بين إسرائيل و”حزب الله”.

وبدا لافتاً ما نقلته قناة “العربية” عن مصدر أمني إسرائيلي من أن 3 فرق إضافية من القوات البرية الإسرائيلية جاهزة في القيادة الشمالية، كما أن الأركان العامة الإسرائيلية جاهزة مع الأذرع الجوية والبحرية. وأوضح المصدر الأمني أن الجيش الإسرائيلي جاهز لعملية برية على جهات عدّة، مضيفاً: “إسرائيل رصدت الآلاف من عناصر ميليشيات محسوبة على إيران في أراضي سوريا، ونتوقع أياما قتالية صعبة في جبهتي لبنان وسوريا”.

وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أمس أن نحو 30 إسرائيلياً قتلوا منذ بداية الحرب على غزة جراء عمليات القصف التي ينفذها “حزب الله” عبر الحدود. وأوضحت أن 28 إسرائيلياً قتلوا بنيران “حزب الله” في الشمال منذ بداية عمليات تبادل القصف، مشيرة إلى أن بينهم 11 مدنيا و17 جندياً.

وفي مكان اخر، كان قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي يؤكد “أننا ندعم جبهات المقاومة، وإذا لزم الأمر سندخل ميادين الحرب”.

وتحدث الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عصراً في احتفال تأبيني للقائد الميداني في الحزب محمد نعمة ناصر الذي اغتالته إسرائيل الأسبوع الماضي في الجنوب، ولفت إلى أن “اليوم هناك اصوات كثيرة في العالم، خارج الكيان أو داخله، تعرف أن وقف العمليات في شمال الكيان يتطلب وقف العدوان على غزة، في خارج الكيان الجميع يعرف أنه إذا أردتم ايقاف العمليات في الجنوب عليكم وقف العدوان على غزة، وهذا ما باتوا يتكلمون به مع العدو”.

وقال إن “العمليات في الجنوب باتت تحجز أعداداً كبيرة من عناصر جيش العدو المنتشرة من البحر إلى الجليل خوفاً سواء من اقتحام الجليل أو دخول مجموعات صغيرة بين المناطق”. وأكد أن “كل هذه العمليات تزيد من استنزاف العدو وأن من يهددنا باجتياح جنوب الليطاني فلينظر إلى ما يجري في رفح بمساحتها الضيقة حيث فشل في تحقيق نصر” .

كما اعتبر نصرالله أن ابعاد “حزب الله” 8 أو 10 كيلومترات عن الحدود “كما يقول الاحتلال لن يحل مشكلته”. وأعلن أنه “إذا حصل اتفاق على وقف اطلاق النار في غزة ستتوقف جبهتنا بمعزل عن أي اتفاق أو آليات أو مفاوضات”.

ورد على تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قائلاً “عندما تطل دباباتك على حدودنا تعرف من ينتظرها فرماتنا ماهرون وقبضاتنا كثيرة وصواريخنا أكثر”. كما اعتبر أنه إذا “تمسّك نتنياهو بمواصلة المعركة على الحدود اللبنانية فهو يأخذ كيانه الى الخراب”.