المصدر: الشرق الأوسط
الجمعة 27 آب 2021 08:59:57
السبب الأول لقبول تقلا شمعون شخصيتها في مسلسل «البريئة»، هو أنّها لا تشبه شخصية العمر: «ليلى الضاهر». الأمومة ليست في الواجهة، والصلابة تتنحّى كاستراحة بعد الذروات. يحوم التجديد على شكل هاجس: «شرطي الأساسي للموافقة على دور». من المفارقات أنّ اسم شخصية البطلة، كارمن بصيبيص، في المسلسل، أيضاً «ليلى»! تضحك. بين النجمتين علاقة أمينة على المهنة، يكرّسها أولاً صدق الأداء وثانياً فخامة اللقاء في «عروس بيروت». «طبعاً، أخاف»، تخبر «الشرق الأوسط» عن إحساسٍ يسبق كل خطوة؛ وهو خوف منبعه التحمّل المفرط للمسؤولية ورفض الاكتفاء بنجاح. تنشّطها الطبيعة ويجدّد هواء الجبل روحها. لها مبدأ في الأزمة: «نحن أقوياء ونستطيع العبور. الوطن كالأهل، أرفض التشهير به». تعتب بمحبة: «ليت الممثل أيمن قيسوني لم يخرج بفيديو ليقول ما قاله عن لبنان. في مصر يتخذون إجراءات قاسية عند محاولة المسّ بالوطن. أتوجه إليه باحترام: ليتك تحذف الفيديوهات وتعتذر».
لا تساير ولا تتكتم على مضايقات قد تعترضها خلال التصوير. فإن حاول ممثل الالتواء عليها، ظناً أنه سيُحكم سيطرة فردية على المشهد، تضبطه على الفور: «ماذا تفعل؟ ستخسر في النهاية». التمثيل جماعي وعملية تواصل متكاملة: «أقف في المرصاد لأي التواء، ولا أسمح بتمرير التحايل».
البداية كلاسيكية: حدّثينا عن الدور. ينطلق «البريئة» في أيلول عبر «شاهد»؛ من كتابة مريم نعوم، إخراج رامي حنا، وإنتاج «إيغل فيلمز». تصف التركيبة بـ«الرائعة، صورة ونصاً وإنتاجاً»، وتنتظر رأي الناس. ماذا عن جديدها، والإضافة؟ «اسم الشخصية (فاديا) والدور مختلف.
لستُ أماً بمعنى واجبات الأمومة التقليدية. شخصيتي فنانة تشكيلية تنضم لجمعية تكافح تهريب الآثار. وفاة زوجها تجعلها سيدة أعمال، وبعد زواج ولديها، تصنع لنفسها حياة بإيقاعات سليمة. تخفي سراً يشكل مفاجأة، لن أفضحه بالطبع (تضحك)».
تكشف المزيد: «أنا صديقة البطلة الوفية (كارمن بصيبص) وسندها ضد الظلم. يتحكم حس الفكاهة في الشخصية، وتشبهني بكونها ليست مأسوية، تقفز فوق الآلام وتتخطّى. روح الدعابة تجمّلها».
هنا التحدّي: «أردتُ ألا أشبه صديقة البطلة الطريفة التي تظهر غالباً في المسلسلات بصورة نمطية. بنيتُ فكاهتي خاصة». أهذا بعض طبعك؟ تبدين جدية؟ ترد بأنّ نوعها يواجه الصدمة بالدعابة. المهم، إيجاد الجديد، حتى في شخصيات لا مطبات فيها، ولا مواقف نارية. «أعرف كيف أحوّل الشخصية إلى ما يتجاوز المكتوب على الورق. (فاديا) امرأة فريدة».
كانت في حاجة للإطلالة بدور «يزيح» بعض الشيء حضور «ليلى الضاهر». يعرف الجمهور العربي تقلا شمعون الممثلة أينما حلّت، وتلمس الحب في الأسفار وأوطان العرب. تابعها في «روبي» بواحد من أنبل أدوارها: «ماما عليا»؛ وفي «جذور» و«اتهام»... والمسيرة ثرية. إلا أنّ حضورها في «عروس بيروت» كبَّر الاسم، الكبير أصلاً.
ما معيار الخيارات، بعده؟ «كسر النمطية». لا تتوقع «الإبهار»، برغم الرهان الكبير على المسلسل: «إطلالتي لطيفة، ولا أضخّم الادعاءات». تساءلت كثيراً: «ماذا بعد؟ هل ستُعرض أدوار أمومة مكتوبة بجمالية؟ هل سأجد شخصية بهذه الخصوصية كما في شخصية (ليلى)؟ وبالمساحة ذاتها والمواقف والمقوّمات؟ من الرائع أن تُمنح فرصة للحب مرة أخرى في عمر الستين. صنف هذه الأدوار نادر. نعم، أخاف؛ لكن الممثل الذكي لا يُحبط». ظنّت بعد «روبي» أنه الدور الأخير لها بعمقه وبُعده. ثم كرّت العروض.
من شعاراتها: «الممثل الذكي يبني شيئاً من لا شيء. اجتهد بأي دور».
تهتم بمن يشاركها التمثيل من دون سدّ الأبواب في وجه أسماء يشكلون فريق المسلسل. «بعضهم يضعون شروطاً: (ما بدي هالشخص). لا أستغل نجوميتي لإقصاء أحد. التمثيل أخذ وعطاء، بشرط وجود ممثل يتقن لعبته ويتخلص من الأنانية». تريحها كارمن بصيبص: «تقلق وتحب المهنة. تعمل بجدية ولا تتعمّد تهميش غيرها. هي وأمثالها يضيفون متعة. أما الملتوون، فأقف لهم بالمرصاد، (وما بتفرق معي). فعلتها مرات وأعدتُ الأمور إلى نصابها».
أين أصبح «الزيارة»؟ «في المونتاج، نتحدث عنه لاحقاً». مسلسل يجمعها مع دينا الشربيني «بكم مشهد»؛ ومع ذلك «التقينا بحرفية وحب». رعب وأكشن، «والشخصية جديدة، كطريقة التصوير والتقنيات». بالنسبة إليها، لم يعد الفنان بحاجة إلى السفر للانتشار عربياً، «فالمنصات والسوشيال ميديا تتيح الشهرة».
تذكر المنصات، فتعترف بأنها تستهويها، «لكن التلفزيون يخرق على نطاق أوسع. هو فسحة الكبار والصغار، الأثرياء والفقراء، خبراء التكنولوجيا ومن لا يملكون طريقاً إليها».
ترفض التسويق للبنان الاحتضار: «لقد صوّرنا في ظروف جيدة، ولدينا فريق تقني مذهل يتجاوز الصعاب». وترفض تنازل بيروت عن وظيفتها في احتضان الإبداع: «لا نزال نصوّر وننجز الأعمال على الوقت».
إنّه الجانب الآخر من العتمة المبلول بالضوء. باختصار، هذه تقلا شمعون: «نصمد بإيمان عظيم». تُلمح إلى «مؤامرة كبيرة أبعد من الفساد السياسي، كأنّ المقصود تغييب لبنان عن الخريطة. الإيمان سلاح المرحلة».
«أوووف»، مع تنهيدة. «هذه معركة وجود»، تصف يوميات الذل، ومع ذلك تعتب: «كيف لفنانين وإعلاميين التجرؤ على طلب الوصاية والإمعان في تشويه صورة البلد؟ ألا تكفينا السمعة في الخارج ونظرات الشفقة والريبة؟ أحد لا يحق له ذلك. ذم الوطن سيشجع الآخرين على عدم احترامنا. الوقت الآن للتكاتف والنهوض».