"تكتيك" قاسم: إخفاء فائض القوة عن إسرائيل؟

قفز الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم فوق دروس معركة الإسناد وما تلاها من حرب إسرائيلية مدمرة على لبنان، لم تنته باتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024. غاب التقييم والمراجعة عما أدلى به قاسم في مقابلته التلفزيونية، متحدثاً من موقع المنتصر، على الرغم مما تعرضت له بنية الحزب من ضربات انعكست على بيئته تهجيراً ودماراً وخسائر فادحة لم يستطع حتى الآن تعويضها.

الانتصار بمفهوم الأمين العام للحزب هو منع إسرائيل من تحقيق أهدافها، أي أنها لم تستطع القضاء على الحزب، ولم تتمكن من احتلال الجنوب أو التقدم إلى ما بعد الليطاني.

كان يفترض بالشيخ قاسم أن يقدّم مطالعة مقنعة عما تسببت به حرب الإسناد التي خاضها الحزب، وماذا قدمت فعلاً لغزة وللشعب الفلسطيني غير التزام قرار إيراني لم يأخذ المصلحة اللبنانية في الاعتبار، فاستعاد ما قدمه المرشد الإيراني علي خامنئي من كل أشكال الدعم ومتابعته لمجريات المعركة ومستوى الحاجات المطلوبة، فإذا بإسرائيل تغتال السيد حسن نصرالله ثم خليفته وقيادات الحزب العسكرية ويسقط المقاتلون على أرض الجنوب، وتستهدف الغارات الضاحية وبيروت، قبل أن يتحدث قاسم عن قصف منزل نتنياهو في تل أبيب، ليتعمّق نزف لبنان الذي اختنق قبل أن يوافق الحزب على وقف النار ببنوده المعروفة التي جاءت بمثابة صك استسلام.

المشكلة في كلام قاسم أنه يستحضر الشعارات السابقة في مواجهة إسرائيل، من دون أن يقيّم أثرها على ما حل بلبنان وحتى بمشروع محوره في المنطقة، خصوصاً في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي بخروقه واستهدافاته، وتهديداته بشن حرب على الحزب. وعندما يلوّح الإسرائيلي بالحرب بضوء أخضر أميركي أو من دونه، لا يمكن الحزب الذي تلقى خسارات بمستوى الهزيمة أن يبقى على السياسة نفسها والتقويم نفسه، فلا يتنبه لنقاط ضعف عدوه ولا لمصادر قوته، ويغرق مجدداً في استعراض القوة ويجاهر بإعادة بنائها وإمكان مواجهة إسرائيل وهزيمتها، ويستعيد مقولة "توازن الردع" التي لم تمنع إسرائيل من كسر الخطوط الحمر وفرض أمر واقع في المنطقة الجنوبية وتثبيت احتلالها للنقاط الخمس.

بالنسبة إلى قاسم، كان الردع تجاه إسرائيل قائماً على إبراز فائض القوة من عام 2006 وحتى 2023. أما اليوم، فيقول إنه أصبح لدى الحزب تكتيك مختلف بعدم إظهار الفائض الذي يتبين أنه عجز عن الرد ولا وظيفة للسلاح الذي أخرج من مقاومة إسرائيل، فإذا كان لديه ما يكفي من القوة، فلمَ هذه المجاهرة بأن سلاحه قوة للبنان؟ أما تمنّعه عن تسهيل مهمة الدولة في بسط سيادتها، ورفضه تسليم السلاح الذي لم يعد له وظيفة، وترك الخيار للبنانيين في ابتكار أساليب لتحرير الأرض، فإنه في شكل غير مباشر يقدم الذرائع للاحتلال، وكلنا يعرف أن إسرائيل تستغل هذا الموضوع وتعمل على بناء المنطقة العازلة، وتروّج لإعادة بناء قدرات الحزب العسكرية لتنقض مجدداً وتلامي لبنان في الفوضى والانهيار.

مطالعة قاسم تستحضر تلك الشعارات، وتستعيد الرهانات في ما تخطه مرجعيته الإيرانية، فإذا بإسرائيل تحوّل لبنان إلى مسرح لعملياتها، فيما السلاح الذي يعتبره الحزب مصدر قوته قد يكون مصيره الصدأ أمام أعين الأميركيين؟