توترات في آسيا الوسطى بعد خروج واشنطن من أفغانستان...هل تقرع طبول الحرب؟

بعد 20 عاما من الحرب، انسحبت القوات الأجنبية من أفغانستان في أعقاب اتفاق بين الولايات المتحدة ومقاتلي طالبان الذين أزيحوا عن السلطة عام 2001.

وكانت الولايات المتحدة تأمل، بحسب استاذ العلاقات الدولية البروفسور الأسترالي ريتشارد تانتار، في تحقيق ثلاثة أهداف من السيطرة على أفغانستان وبناء نفوذ في آسيا الوسطى، وهي: حرمان روسيا من استغلال ثروات النفط والغاز الضخمة في دول حوض بحر قزوين، وهي دول ليست لديها إطلالة مائية مباشرة تربطها بالعالم لنقل ثرواتها إلى أسواق العالم. وضع نهاية لأيّ احتمال لربط مشاريع الغاز الطبيعي في دول آسيا الوسطى مع إيران التي تقع تحت الحظر الأميركي، وتطوير دول آسيا الوسطى في مسار غربي رأسمالي يعتمد فتح وتحرير الأسواق بعيداً عن النفوذين الروسي والصيني. ويقول البروفسور تانتار، إن تطوير العلاقات مع دول حوض بحر قزوين، "يمنح واشنطن موقع نفوذ يقطع الطريق على التعاون الصيني ــ الروسي" في آسيا وإيران.

ويعود عدم الاستقرار السياسي والتخلف الاقتصادي في أفغانستان إلى التركيبة السكانية والصراعات الدينية، إذ إنها تمر بالنزاعات القبلية والعشائرية والإثنية والطائفية بين البشتون والقبائل الأخرى. ويرجع فشل الولايات المتحدة في السيطرة عليها إلى التضاريس الجبلية القاسية وغياب الرؤية الاستراتيجية لما بعد الاحتلال.

وترى اوساط دبلوماسية غربية ان منطقة آسيا الوسطى تغلي بعد انسحاب القوات الأميركية من افغانستان وتسلم طالبان السلطة بعد مغادرة رئيس البلاد مع الحاشية الى طاجاكستان. وتشير الى حشود عسكرية افغانية وطاجاكستانية على حدود البلدين. وتتجه المنطقة، وفق الاوساط، الى مواجهات عرقية واتنية بين افغانستان وجيرانها بعد تحريك العنصر الطائفي ولجوء عناصر من داعش الى افغانستان وربما قيادة التنظيم. فهل تتطور هذه المناوشات الى حرب موسعة؟

العميد المتقاعد أمين حطيط يقول لـ"المركزية": "عند الانسحاب الاميركي من أفغانستان كانت هناك مخاوف من دخول المنطقة ومحيطها في حالة عدم استقرار وإخلال أمني، خاصة وان الانسحاب تمّ بشكل فوضوي ولم يكن انتقال السيطرة والسلطة بالشكل العلمي والمنهجي، كما ان الولايات المتحدة كانت تنوي تحويل المنطقة المحيطة بأفغانستان وصولا الى حدود الصين وروسيا الى منطقة عديمة الاستقرار من اجل إشغال الدول الثلاث ايران وروسيا والصين بمشاكل أمنية تمنعها من متابعة الملف الدولي. يبدو ان هناك شيئا من الخطة الاميركية بدأ يوضع موضع التنفيذ من خلال المناوشات والاحتكاكات عبر الحدود، لكن حتى هذه اللحظة لا نرى إمكانية اندلاع حرب واسعة النطاق، خاصة وان دول الجوار والمحيط كلها ترفض فكرة الاقتتال وتسعى الى اعادة الامن والاستقرار الى المنطقة. لهذا السبب اعتقد ان الفترة المقبلة ستكون فترة احتكاكات ومناوشات محدودة تبقى تحت السيطرة وليست فترة اندلاع حروب بين الدول".

عن الحديث عن خروج أميركا عسكرياً كي تعود من البوابة الاقتصادية لقطع الطريق على الصين في بحر قزوين والاستثمار في النفط، يقول: "الولايات المتحدة مربكة حقيقة في سياستها في آسيا والشرق الاقصى، خاصة من خلال المواقف الأميركية التي بدأت تتسرب، وكان الاخير منها موقف من مسؤولين عسكريين أقروا بالهزيمة الاستراتيجية في افغانستان. لذلك، فإن التحول الاميركي من الانتشار العسكري الى الاستثمار الاقتصادي بهذه السهولة لا يمت الى المنطق والحقيقة بصلة. وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من القيام باستثمارات خلال وجودها المسلح، فهل يمكنها ذلك بعد إخلاء المنطقة؟ هذا الكلام غير دقيق والارجح ان الولايات المتحدة تريد ان تنتقم لا ان تستثمر"، مشيراً الى "ان التنافس الاقتصادي دائما يصبّ في مصلحة الصين. لو كانت هناك مواجهة عسكرية، عندها يمكن القول ما هي احتمالات الولايات المتحدة للتفوق، رغم ان هذا الامر أصبح مشكوكا به ايضا، اما التنافس الاقتصادي البحت فسيكون لمصلحة الصين حتما".

ختم: "ايران تسعى الى ترتيب الاوضاع للدول الاسلامية التي كانت تابعة سابقا للاتحاد السوفياتي وقد قطعت شوطا بعيدا في هذا الموضوع، لكن حتى الآن المسعى الايراني ليس من المؤكد انه سيصل الى خواتيمه كما تريد ايران، رغم ان هناك الكثير من الدلائل التي تؤكد ان ايران تحقق نجاحات على هذا المسار الذي تحشد به الطاقات لبلورة نظام اقليمي يناسبها".