ثقافة الأجيال المُقبلة في خطر!

كتبت رماح الهاشم في نداء الوطن:

تكادُ بيروت تفقد اليوم أحد أبرز وجوهها المٌشرقة بفعل الأزمة الإقتصادية التي ضربت مُقوّمات العيش فيها، ويُعتبر الواقع الثقافي فيها الأكثر تضرّراً نظراً لإعتباره في منظار البعض لا يُشكل أولويّة أمام لقمة العيش والمُتطلبات المعيشية التي تقضي على مُكتسبات اللبنانيين ومدّخراتهم.

تُظهر نِسب المبيعات في كافة دور النشر والمكتبات «تراجعاً حاداً» وصل إلى حدود 80 و90%. وهو ما يؤشّر الى وجود خطر على ثقافة الأجيال المُقبلة، إضافة الى العامل الاجتماعي بعد أن باتت المُطالعة آخر اهتمامات الشباب مع سيطرة العالم الإفتراضي على يومياتهم.

مجتمعنا يعاني «الإنفصام»

يأسف أمين سر نقابة الناشرين د. جاد عاصي وهو صاحب 4 دور نشر (دار الفكر اللبناني، دار النديم، الفكر اللبناني، Trio، Le pointier) للمستوى الذي وصلت إليه الثقافة في لبنان، ويُشير إلى أنّها «تراجعت بمعدل يُقارب الـ 90%، وهومعدل جداً مرتفع»، ويقول: «للأسف القراءة والكتب والثقافة لم تعد من أولوياتنا كلبنانيين، فالكتاب تحوّل في مجتمعنا إلى «زينة» تُوضع على الرف».

ويعزو عاصي وصول المستوى الثقافي في لبنان إلى هذا الدرك، إلى العاملَيْن الإقتصادي والإجتماعي معاً، فعلى الصعيد الإقتصادي يُشير إلى أنّ «الكتاب لم يعد أولويّة لدينا بسبب الوضع الإقتصادي المزري الذي وصلنا إليه، وبأنّ الهمّ الأساسي للبناني أصبح تأمين طعامه وشرابه»، فالكتب وبخاصّةٍ الثقافية أصبحت من الكماليّات في وقتنا هذا وتحوّلت إلى شيء ثانوي ولا يهتمّ بشرائها إلّا مَن كان مرتاحاً على وضعه، فأنا كصاحب 4 دور نشر تركيزي هو على الكتاب المدرسي وليس الثقافي، فدور النشر اللبنانية للأسف لم تعد تعتمد على السوق المحلي في مبيعاتها للكتب الثقافية والأدبيّة بل أصبح التصدير إلى دول الخليج هو الأساس».

ويُضيف، «وحتى الكتب المدرسيّة والتي هي ضرورية وأساسية ولا يمكن الإستغناء عنها مهما كان الوضع المادي سيئاً، شهدت تراجعاً ملحوظاً، حيْث بلغت نسبة المبيعات في العام الماضي ما يُقارب الـ6% أيّ تراجعت بنسبة 94%، وفي العام الحالي ارتفعت المبيعات بنسبة «ضئيلة» بحيث وصلت إلى حدود 15% أيّ هناك تراجع بحدود الـ 85%».

وعن الخيارات التي لجأ إليها الأهالي لتأمين الكتب لأولادهم ، يلفت عاصي إلى أنّهم «لجأوا إلى الكتب المستعملة، والتبديل بين بعضهم، إضافةً إلى الإستئجار». ويتحدّث عن مشكلة إقتصاديّة تُواجه دار النشر وهي التي ساهمت بإرتفاع أسعار الكتب وتتجلّى بالتكلفة العالميّة لصناعة الكتاب،» فالكلفة أصبحت أغلى بكثير عما كانت عليه من قبل، فسعر الورق، والمواد الأوليةّ، إضافةً إلى كلفة الشحن ارتفعت بنسب ملحوظة، وهذا ما ساهم بارتفاع أسعار الكتب، وأصبح شراؤها بحاجة إلى ميزانيّة».

وحتى معرض بيروت الدولي للكتاب لم يَسلم من الأزمة الإقتصادية، وفي هذا الإطار يلفت عاصي إلى أنّه «وعلى الرغم من إقامة المعرض العام الماضي إلّا أنّه بإمكاننا إعتبار أنّه لم يكن هناك معرض وذلك بسبب التدني «الهائل» بنسبة المبيعات»، وهنا يأمل أنْ «يشهد المعرض هذا العام، والذي من المقرّر أن يكون في بداية الشهر القادم تحسناً ملحوظاً بنسبة المبيعات».

وبالإضافة إلى العامل الإقتصادي، يذكّر د. عاصي أنّ «التراجع بالمستوى الثقافي بدأ يشهده لبنان حتى قبل الأزمة الإقتصادية»، ويقول: «صحيح أنّ الدور الإقتصادي كان له الأثر الكبير في التراجع الثقافي بسبب إنشغال المواطن بتأمين لقمة عيشه وبهموم الحياة، لكن علينا أن لا نغفل الدور السلبي الذي يلعبه المجتمع والذي ساهم إلى حدِّ ما ومن قبل الأزمة الإقتصاديّة التي بدأت تعصف بلبنان بتراجع الإهتمام بالثقافة والفكر والأدب، وتفضيل السهرات والنزهات، فمجتمعنا يُعاني الإنفصام».

نسبة مبيعات الكتب الثقافية تراجعت بشكل كبير

بدورها تؤكّد المديرة العامّة لـ دار الآداب رنا إدريس، والمختصّة بالكتب الثقافية والأدبية، التراجع الكبير في مبيع الكتب الثقافية والأدبية»، وتُشير إلى أنّ «نسبة المبيعات تراجعت إلى ما لا يقل عن 80%».

وتربط إدريس «تراجع الإهتمام بالثقافة بالعاملَين المادي والإجتماعي-النفسي»، وتُشير إلى أنّه «بالتأكيد الوضع المادّي والإقتصادي كان له الآثر الكبير على تراجع الإهتمام بالقراءة الأدبيّة والثقافيّة والفكريّة، فسعر الكتاب الثقافي أصبح يعتبر «زهيداً» نوعاً ما في ظلّ الظروف الإقتصاديّة التي نعيشها، حيث تتراوح أسعار الكتب الثقافيّة ما بين 10 إلى 20 دولاراً»، وتُضيف «الأعباء أصبحث ثقيلة على كاهل المواطن اللبناني فهو بالكاد يؤمن ثمن الأساسيات…إلّا أنّه من المُمكن أنْ لا يكون هو العامل الوحيد الذي ساهم بهذا التراجع الكبير في الإقبال على شراء الكتب الثقافيّة»، وفق ما تُشير إدريس، وتقول: «فأنا لست من الأشخاص الذين يرمون كل شيء على الوضع الإقتصادي فالظروف السيئة التي مرّ بها لبنان أثّرت بالتأكيد نفسيًّا على المواطن ونشاطه الذهني ممّا إنعكس سلباً على إستهلاك الكتاب، فهناك نوع من الإحباط العامّ، أي أنّ هناك شيئاً أعمق بكثير من الوضع الإقتصادي، فأصبح هناك نوع من قلّة الثقة بثقافتنا وحضارتنا».

و»لعودة بصيص أمل لبيروت الجريحة»، تُعوّل إدريس على معرض بيروت الدولي للكتاب الذي يتمّ إفتتاحه أوائل الشهر القادم»، وتعلن عن «العمل قدر الإمكان للقيام بعروض تُحفّز المواطن على الشراء، من خلال تخفيض الأسعار من دون إلحاق الخسائر بالناشر والذي هو متأذٍّ أيضًا».

بيروت «انطفأت»

بعدما خسرت بيروت لقبها كعاصمة للكتاب، أفقدتها الازمة دورها كمطبعة الشرق. والهالة الثقافية التي خف وهجها بسبب الازمات المتلاحقة، قد تفقدها بيروت كليا مع مرور الوقت. خصوصا إنْ لم نرَ جهوداً بناءة من أجل إعادة تفعيل دورها الثقافي، الفكري، والأدبي. ذلك أن المبادرات الفردية، مهما كبرت لا يمكن التعويل عليها.