معرض بيروت للكتاب: الورق لم يخسر معركته بعد

كتبت جويل رياشي في الأنباء الكويتية: بعد توقف دام 3 سنوات، بث معرض بيروت العربي الدولي للكتاب ديناميكية افتقدتها العاصمة والحياة الثقافية في البلد. وتغلبت أجنحته الثقافية - للمرة الثانية في العام الحالي - على الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلاد.

ورغم تراجع عدد دور النشر المشاركة في المعرض العربي الدولي بمعدل النصف تقريبا عما كان عليه قبل عام 2019، يرى المنظمون في تمسكهم بإقامة النسخة الـ 64 في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان «إنجازا مهما».

وحملت الدورة الحالية، الثانية هذه السنة بعد الدورة 63 في مارس الماضي، عنوان «أنا أقرأ بتوقيت بيروت».

الحركة مقبولة في دور النشر المشاركة، في الأيام الاولى من شهر الاعياد، للراغبين بالاستفادة من حسومات يشهدها المعرض، او أولئك الراغبين في جمع هدايا العيد لاصدقائهم من الزاد الفكري التثقيفي.

وكذلك يلاحظ الزائر حركة في القاعات المخصصة للندوات الثقافية التي اشتهر بها «عميد معارض الكتب العربية».

واجمع الزوار ان المعرض فسحة أمل بعدم خسارة الورق معركته في عصر الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي وتعويل على الانتصار لثقافة الكتب في عصر الضائقة الاقتصادية والأزمة المالية غير المسبوقة التي تضرب البلاد.

واقروا بشجاعة اقرب الى المغامرة من دور النشر اللبنانية في تقديم اعمال جديدة، في زمن يدرج فيه الكتاب في الضائقة الاقتصادية بالأمر الثانوي وبالكماليات. الا ان الاقبال على المكتبات في أيام السنة، حفز دور النشر على المشاركة في هذا التجمع الكبير، والذي غاب ثلاثة اعوام تواليا بداعي وباء كورونا وقبلها الاحتجاجات غير المسبوقة التي عرفتها البلاد في 17 اكتوبر 2019.

نشاط المعرض بلغ الذروة في أيام عطلة نهاية الاسبوع، كما في نسخه السابقة. وتحدثت رنا ادريس ابنة الروائي الكبير سهيل ادريس مؤسس «دار الآداب» عن «حركة مبيع ممتازة لم نكن نتوقعها، لجهة الإقبال على القراءة من كل الأجيال». وميزت ادريس التي تتابع شؤون الدار البيروتية العريقة التي نشرت أعمال كبار الروائيين العرب وفي طليعتهم نجيب محفوظ، «بين إقبال القراء من الشباب على أعمال روائيين يعرفونهم في هذا العصر. في حين يبحث البعض عن أعمال أدباء وروائيين لم يعاصرونهم». ورأت ان كتاب «الاستشراق» لادوارد سعيد سجل رقما عاليا في المبيع وقد فوجئنا بذلك، لجهة طلب هذا نوع من الاعمال».

في جناح الدار الأكبر بين المشاركين في المعرض، أعمال جديدة للبنانيين وعرب وأسير فلسطيني باسم خندقجي، الى جديد من ترجمة أعمال كتاب أوروبيين وعالميين. وتؤكد ادريس استمرار الدار في مواجهة التحديات، وتبدي رضاها عن ظروف بيع الكتب على رغم الضائقة التي تمر بها البلاد.

على بعد أمتار من دار الآداب، يتحدث هادي بكداش صاحب «دار المصور» التي ورثها عن والده، ومؤسسة «بوكبوست» الذائعة الصيت في بيع الكتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، «عن حركة نشطة، من دون ان تتمكن غالبية دور النشر المشاركة في تحصيل مصاريف المشاركة في المعرض، عدا قلة تعتمد على تواقيع لكتاب متعاقدة معهم، سعر إيجار المتر المربع يبلغ 700 دولار أميركي، عدا مصاريف نقل البضائع وتأمين واجهات العرض، وغالبيتنا يملكها، فيما يستعين البعض الآخر بها بالإيجار». وتناول خفض مساحة الدار الخاصة بها من 56 مترا في نسخة 2018 الى 32 مترا في هذه الدورة. وميز بين البيع بـ «المباشر للزبائن وبين والبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اذ يحصل هنا تواصل مباشر، ولا يتم الأمر مع مجهول».


في أرجاء المعرض حركة، غابت عنها تلامذة المدارس، بعدما لاحظت رانيا العاملة في إحدى دور النشر، «ان كلفة نقل التلامذة بالحافلات من المناطق البعيدة، باتت تشكل ميزانية، فضلا عن ارتفاع أسعار الكتب».

وفي ما يتعلق بالأسعار، نشرت غالبية دور النشر المشاركة اعلانات ضخمة عن حسومات تصل الى 40%، بينها احتساب سعر صرف الدولار الأميركي بـ 24 الف ليرة او 25 الفا. وهذا الامر علق عليه عدد من المشاركين بالتقليل من صحته، مشيرين الى رفع الاسعار الخاصة بالكتب بالدولار الأميركي، في مقابل تقديم حسومات.

وبدا واضحا ان الضائقة الاقتصادية وارتفاع أسعار الوقود وانعكاسها على خدمات النقل قد أرخت بظلها الثقيل على المعرض، خصوصا مع تسعير بطاقة خدمة وقوف السيارة في الباحات الفسيحة المحيطة بمركز المعرض بثلاثين الف ليرة لبنانية.


الكاتب جورج يرق قال في حسابه على «فيسبوك»: «أحد أبرز أسباب فشل معرض الكتاب العربي في بيروت صعوبة الوصول إليه بالسرفيس، إذ ليس باستطاعة من لا يملك سيارة دفع تعرفة التاكسي. هذا كان من زمان، قبل أن يسرق ضباع المنظومة الحاكمة تعب العمر. فكيف هي الحال اليوم؟ إنها صعبة جدا، لأن الراغب في زيارة المعرض يدفع أقله ثلاثمائة ألف ليرة أجرة سرفيسات، ذهابا وإيابا، إذا كان مقيما في إحدى ضواحي العاصمة، ليصل إلى مفرق البيال (الاسم السابق لمكان المعرض). وعليه أن يمشي نحو كيلومتر من المفرق الى مكان المعرض. أما إذا كان مقيما في جونية، مثلا، فعليه أن يدفع نحو خمسمائة ألف ليرة. ومن المستبعد أن يأتي المقيم في المناطق البعيدة إلى المعرض من أجل كتاب».

وشاطرت الروائية ماري القصيفي يرق موقفه، وهي التي تحتاج الى فترة قصيرة لإنجاز عمل ينتظره قراؤها، الا انها تحجم لأسباب عدة، بينها الواقع الاقتصادي الحالي في البلاد.

وكانت رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري شكرت عشية بدء فعاليات المعرض دور النشر المشاركة واستذكرت الراحل سميح البابا (الرئيس السابق للنادي الثقافي العربي) «الذي غادر صخب الحياة منذ أيام ولم يغادر مكانه ومكانته المتأصلة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب وهو الذي ارتبط اسمه باسم المعرض منذ بداياته في العام 1956»

وحول ما أثير عن ضيق المساحات المعطاة لدور النشر، قالت: «إن المساحة المتاحة تبلغ 2220 مترا، بينما كانت قبل انفجار المرفأ 10 آلاف متر مربع، وهذا ما جعلنا نسعى جاهدين لتأمين مشاركة أكبر عدد ممكن من دور النشر وفق المساحة المتاحة». وأكدت «أن النادي الثقافي العربي هو دائما مساحة منفتحة ومكان رحب للحوار».