ثلاثة أعوام على استشهاد نازو: "الحياة لها معنى فقط عندما نُحقّق شيئاً لغايةٍ أكبر"

إنّه العام الثالث لاستشهاد أمين عام حزب الكتائب القائد نزار نجاريان، بالأرمنية: “Նազար Նաջարյա”، العام الثالث لذكرى جريمةٍ لم يشهدها تاريخنا البشري المُعاصر من قبل، أكبر انفجار غير نووي عبر العصور، جريمة تفجير مرفأ بيروت الذي حصد مئات الأرواح، آلاف الجرحى، عشرات آلاف المشرّدين بالإضافة إلى أكثر من مئة ألف وحدة سكنية مُتضرّرة جرّاء هذه المعصية.

هو قائدٌ بطل عُرف بِـ"Chef Nazo" كما سمّاه رفاقه على الجبهات، أبى إلا أن يستمرّ في خدمة لبنان، دفاعاً عنه في ظلام الحرب، ودفاعاً عنه أيضاً في زمن تجنّب الحرب مُجدّداً في معركة استعادة السيادة وبناء الدّولة، أمين عام كتائب الـ80 عاماً وأكثر، محبوب الصغير والكبير في الحزب، المقدام والشجاع، المسؤول والمتفاني، القائد الصالح. المناضل لم يُسقطه رصاص الحرب، ولا قذائف العدوان ولا حتّى خبث الإحتلال والغدر، نازو روّض الموت مرّاتٍ عدّة أبرزها عند استشهاد شقيقه ريشار في معركة قنات دفاعاً عن لبنان، فنفض عنه غبار الأسى ليكمل درب خلاص لبنان، فعلى هذا الطريق نشأ في الكتائب، ترعرع، خدم الوطن وقدّم روحه على مذبح الإخلاص لنبقى، لكنّ الضربة القاضية لم تكُن بِفعلِ حرب أو اشتباكات، بل نتيجة إهمال دولةٍ مُهترئة بِرمّتها، بأجهزتها السياسية، المدنية والأمنية، لأن الدولة "الصّورية" كانت تعلم بوجود "وقود الجريمة" أي نيترات الأمونيوم ولم تَقُم بشيءٍ لحماية مواطنيها، ليغدو الغيم الأسود قدر مُروّضي الموت..
سقط نازو في مكتبه في البيت الأحب إلى قلبه، بيت الكتائب المركزي في الصيفي وسط رفاقه، وانتقل الى جوار ربّه تاركاً وراءه رسالة سيحملها من بعده رفاقه الذين أحبّوه، هذا "البيت" الذي يأوي العائلة الكتائبية منذ العقود السابقة، الشاهد على مآسي لبنان وعصره الذهبي، على دماء الأبطال وأصواتهم التّي لا زالت ترتعد في سماء الحرّية بالرغم من انتقالهم من بيننا، فدماء نازو الزكية رسمت "أُفقاً على هيئة خارطة لبنان"، ليعتبر منه كلّ مُعتبر وليستخلص منه كلّ مناضل، أن خدمة الوطن تُحصّنها المحبّة، يقوّيها الوفاء ويدعّمها الإخلاص، ليأتي التفاني بدرسٍ عميق ليمزج بين الإيمان والفكر المُستنير، أمّا الإرتباط بين "الصيفي" ونازو فلا يزال قائماً داخل مكتبه الذي أُعيد ترميمه بالرغم من الدمار الذي بدا أنه لن يترمّم.
لم يكُن "نزار" شخصاً عادياً، فمسيرته تشهد على تمّيزه منذ البداية، كان طالباً في جامعة هايكازيان، بطلاً من أبطال فرقة الـ"ب.ج"، مقاوماً في ثكنة بيروت، قائداً في وحدات أدونيس، مسؤولاً عن الثكنات ومفوض الجنوب، أمّا الغربة فلم تمنعه من العودة بعد سنوات نجاح بين قطر وكندا، فالنجاح مهما علا شأنه، لن يكون نجاحاً من دون ترك بصمةٍ للأجيال القادمة في سبيل القضية اللبنانية.

الكلمات وكيفما تراصفت لوصف الأبطال، لن تحمل ما تحمله الدموع من ألم الفراق ووجع الشوق، ولو كان قدر الكتائب أن تدفع الثمن إلى جانب لبنان في كل مرة تُذرف فيها دموع اللبنانيين، لكن "نازو" حفر في صخر قلوبنا البشرية حكمة نعود إليها في أصعب أيامنا، وقال حينها: "الإنسان يحيا مرّة عليه أن يعطي معنى لحياته وطنه ومبادئ "لتحرز" حياته لأنه مهما قام بجمع المال السلطة والجاه، لن يبقى سوى الصيت الذي يتركه هذا الإنسان في الحياة، هذا الصيت الذي يمكن أن يُكلّف "راحة" ووقتًا من الذي يقضيه المرء مع أحبابه، لكن دورنا في الحياة أن نترك شيئاً للأجيال اللاحقة، فالحياة لها معنى فقط عندما نُحقّق شيئاً لغايةٍ أكبر..."