على لبنان أن يحذو حذو الرئيس السوري أحمد الشرع ويتعلم منه. جملة واحدة قالتها الموفدة الأميركية إلى لبنان، مورغان أورتاغوس، كانت كافية للإشارة إلى المسار الذي تريد الولايات المتحدة الأميركية رسمه للبنان. والأكيد أن ما تقصده أورتاغوس هو سلوك "مسار السلام"، أي الاتجاه إلى اتفاق مع إسرائيل، لا سيما أنه بنظر الأميركيين ما يريده الرئيس دونالد ترامب هو إرساء السلام في المنطقة، وإدخال المزيد من الدول إلى الاتفاقات الإبراهيمية. بعض الرسائل الدولية التي ترد من الولايات المتحدة الأميركية ومن دول أخرى، تشير بوضوح إلى أن سوريا قد سلكت طريق تعويم علاقاتها الدولية سريعاً، بينما لبنان لا يزال متعثراً في خطواته.
عناوين أورتاغوس
هذه النقاط ستكون العناوين الأساسية للزيارة التي ستجريها أورتاغوس خلال الفترة القريبة المقبلة إلى لبنان. وبحسب المعلومات، ستكون موزعة على ثلاثة عناوين. العنوان الأول، مواصلة جهود الجيش اللبناني لتوسيع انتشاره في الجنوب والانتقال إلى منطقة شمال نهر الليطاني، وصولاً إلى كل لبنان. والثاني، هو استكمال تطبيق الخطة الإصلاحية، سياسياً، مالياً واقتصادياً. أما الثالث، فهو وضع إطار وتصور واضح للرؤية المستقبلية المتصلة بالسلام في المنطقة. في هذا السياق، فإن الموقف اللبناني واضح، وهو مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي تحتلها، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف الاعتداءات والانتهاكات، وبعدها التفاوض التقني على تثبيت الحدود البرية.
قراءة التحولات
حتى الآن تستخدم إسرائيل كل هذه الأوراق، إلى جانب اعتداءاتها، كنقاط ضغط على لبنان لاستدراجه إلى تلك المفاوضات. كما أنه من بين الشروط الدولية المفروضة على لبنان، زيادة الضغط على حزب الله، للتضييق عليه مالياً وتجفيف كل منابعه المالية أو العسكرية، وذلك من خلال تشديد الإجراءات على الحدود والمعابر والمرافق العامة المختلفة.
ما يقوله الأميركيون للبنان هو أنه يتوجب عليه قراءة التحولات الكبيرة والتاريخية على مستوى المنطقة، لا سيما أن ما يجري فيها لم يحصل منذ عقود، وهي المرّة الأولى التي تكون فيها سوريا صاحبة وجهة مؤيدة للغرب بخلاف تاريخها. كما أنه لا يمكن للبنان أن يبقى في حالة تخلّف عن السير في هذه الوجهة، وإلا سيبقى في حالة انعزال وستكون سوريا هي المستفيدة الأكبر، وهي التي ستحصل على الامتيازات والاستثمارات، ليبدو ذلك وكأنه ضغط إضافي على لبنان لاستدراجه للالتحاق بركب المنطقة.
سلاح المخيمات أيضاً
يأتي ذلك على وقع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت، وعنوانها الأساسي هو بسط الدولة اللبنانية لسيطرتها الكاملة على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ووضع الإطار التنفيذي لتطبيق هذه الخطّة. تأتي الزيارة في ظل مواصلة الحكومة اللبنانية العمل على نشر الجيش اللبناني في الجنوب وتفكيك البنية العسكرية لحزب الله، في إطار تزايد الضغوط الدولية لتحقيق ذلك.
ليست المرّة الأولى التي يُطرح فيها ملف المخيمات. فهو كان البند الأول الذي جرى الاتفاق عليه في طاولة الحوار الوطني في العام 2006، وقد اتفق اللبنانيون على سحب هذا السلاح. لكن ذلك لم يُطبق. وقد اندلعت بعدها اشتباكات مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وفصائل فلسطينية. وتجدد الطرح في عهد الرئيس ميشال سليمان، وفي تلك الفترة زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبنان وأعلن موافقته على سيطرة الدولة اللبنانية على المخيمات، وموافقة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة على سحب السلاح. لكن القرار أيضاً لم يدخل حيز التنفيذ بسبب صراعات سياسية، ونفوذ نظام بشار الأسد، خصوصاً أن الكثير من الفصائل كانت تدور في فلكه وفلك حزب الله.
سلاح حماس
يعمل لبنان على وضع خطة تنفيذية للسيطرة على المخيمات. وهناك موافقة من قبل السلطة الفلسطينية على ذلك. ولكن المشكلة الأساسية تبقى في حركة حماس، التي ترفض تسليم سلاحها بالإضافة إلى فصائل إسلامية أخرى غير منضوية في منظمة التحرير، وهي معارضة لحركة فتح والسلطة. هنا يواجه لبنان صعوبة في تطبيق عملية سحب السلاح من هذه الفصائل، وأمامه خياران. الأول، أن تتخذ الدولة اللبنانية قراراً واضحاً وحازماً لإبلاغ حماس به حول ضرورة الموافقة على تفكيك بنيتها العسكرية، تحت طائلة تجميد سمات دخولهم وإقاماتهم وإغلاق مكاتبهم ومطالبتهم بمغادرة الأراضي اللبنانية. أما الخيار الثاني، فهو العمل على تشكيل مظلة إقليمية بالتعاون مع دول عديدة، قادرة على التأثير على حماس في إلزامها بالموافقة على الإجراءات التي تقوم بها الدولة اللبنانية. وذلك لتفادي حصول أي إشكالات بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، ولعدم فتح أي مجال لافتعال صراعات وخلافات فلسطينية- فلسطينية تُغرق الدولة اللبنانية في دوامة هذا الصراع كما كان يحصل في السنوات الماضية.