المصدر: Kataeb.org
الكاتب: شادي هيلانة
الثلاثاء 29 نيسان 2025 13:14:36
في بلد اعتاد مواطنوه على وزراء يرفعون الصوت ثم سرعان ما يخفت ضجيجهم أمام ضغط المصالح السياسية، يبرز وزير العدل عادل نصّار كاستثناءٍ نادرٍ في المشهد الحكومي فوزارة العدل، التي كانت لسنوات رهينة التجاذبات، تشهد اليوم تحوّلًا غير مسبوق في إدارتها، يقودها نصّار بهدوء وثقة، مستندًا إلى رؤية إصلاحية تستهدف إعادة الانتظام إلى مرفق العدالة، وبناء ثقة اللبنانيين بالقضاء كمؤسسة حامية للحقوق، لا كساحة لتصفية الحسابات.
ما يميّز نهج الوزير نصّار ليس فقط سعيه لإصلاحات بنيوية داخل وزارته، بل إصراره على النأي بالقضاء عن التدخلات السياسية التي لطالما كبّلته، واضعًا التشكيلات القضائية في صلب هذا التحدي. فالتشكيلات التي بقيت نائمة في أدراج القصر الجمهوري خلال عهد الرئيس السابق ميشال عون، باتت اليوم على رأس أولويات وزير العدل، الذي يعمل على وضع "الرجل المناسب في المكان المناسب" بعيدًا عن أي حسابات فئوية أو مصالح ضيقة، معتبرًا أن استقلال القضاء يبدأ من استقلالية هذه التشكيلات.
وبحسب مصادر مطلعة داخل وزارة العدل، فإن نصّار يتعامل مع الملفات الحساسة بمثابرة وصبر، رافضًا الخضوع لأي ضغط سياسي، ومصرًا على أن تكون الكفاءة والنزاهة هما المعياران الوحيدان في التعيين والتكليف. وهو بذلك يخط نهجًا مختلفًا تمامًا عن العهود السابقة، التي شهدت تجميدًا متعمّدًا لأي خطوة إصلاحية جديّة، خصوصًا فيما يتعلق بإقرار قانون استقلالية القضاء، الذي لا يزال حتى اليوم قابعًا في أدراج مجلس النواب.
ومن أبرز محطات التحول في مسار العدالة، كان قرار القاضي طارق البيطار استئناف تحقيقاته في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وهي القضية التي طال انتظار اللبنانيين لتحقيق العدالة فيها. وقد لعب وزير العدل عادل نصّار دورًا محوريًا في إعادة هذا الملف إلى سكّته القضائية، وسط مناخ سياسي أقل ضغطًا مما كان عليه في السابق، إذ إن الجهات التي سبق وهددت المحقق العدلي بـ"القبع" لم تعد تملك النفوذ ذاته أو القدرة على التعطيل كما في الماضي.
عودة البيطار إلى المشهد القضائي، بدعم واضح من وزير العدل، أعادت الأمل بإمكانية الوصول إلى الخواتيم المرجوّة في واحدة من أكبر الجرائم التي شهدها لبنان. ويُنظر إلى هذا التطور كإشارة واضحة على جدّية نصّار في ترسيخ استقلالية القضاء، وهو المبدأ الذي يعتبره أساس بناء دولة القانون، وركيزة فصل السلطات، وحجر الزاوية في حماية المؤسسات من التدخلات السياسية.
ويؤكد المتابعون أن ما يتم تحقيقه اليوم على صعيد القضاء لا يمكن فصله عن الإرادة الواضحة لتنقية هذا المرفق من الشبهات التي طاولته خلال السنوات الماضية، من فساد، وصفقات مشبوهة، وهدر موصوف، ما يوحي بأن مرحلة التواطؤ قد انقضت، وأن صفحة جديدة تُكتب في تاريخ العدالة اللبنانية.
في المقابل، لا يُخفي بعض المتضررين من هذا المسار امتعاضهم، إذ إن القضاء الذي يعمل الوزير نصّار على تحريره، كان بالنسبة لكثيرين مجرد أداة استنسابية، لا يستند إلى القانون والضمير بقدر ما يخضع للنفوذ السياسي.
ورغم غياب الاستعراض الإعلامي، تؤكد مصادر الوزارة أن العمل جارٍ بصمت لتحقيق نقلة نوعية، تراعي تطلعات اللبنانيين، خصوصًا الشباب، الذين سئموا الخطابات، ويتوقون إلى إنجازات ملموسة داخل الوزارات.
الأيام المقبلة كفيلة بكشف ما إذا كانت هذه الإصلاحات ستصمد أمام عواصف السياسة، أم أن ملامح التغيير ستُجهض كما حدث في تجارب سابقة. إلا أن ما بات مؤكدًا، أن عادل نصّار لا يخوض مغامرة سياسية عابرة، بل معركة مصيرية لإرساء عدالة مستقلة، لا يُمسك بخيوطها أحد.