جاء الفيول العراقي: لماذا لا نرى الكهرباء؟

كتب خضر حسان في المدن:

تكاملت العوامل الذاتية للمعضلة داخل مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، مع أحوال البلاد، لنصل إلى مرحلة صفر تغذية بالتيار الكهربائي. وذلك، بفعل عدم القدرة على تأمين الدولارات لاستيراد الفيول اللازم لتشغيل المعامل. فالمؤسسة في الأصل كانت تعيش على سلف الخزينة، وما كان يُعطى لها على أساس دولار 1500 ليرة، ما عاد يكفي لتأمين كميات الفيول المطلوبة، وهي نحو 3 مليون طن سنويًا. فانهارت التغذية وصولًا إلى نحو ساعتين يوميًا في أفضل الأحوال.

مع إبرام اتفاقية استيراد النفط العراقي وتبديله بالفيول المطلوب، ووصول أولى الشحنات، يكون لبنان قد سدّ ثلث حاجته. وكان من المفترض أن تزيد التغذية نحو 4 ساعات يوميًا، وفق ما أكّده وزير الطاقة السابق، ريمون غجر.

التغذية بين الأمس واليوم

الباخرة الأولى أفرغت 31 ألف طن من الغاز أويل. وهي تكفي لنحو أسبوعين. على أن تأتي مثيلتها بعد هذه المدة، وتستمر العملية لنحو 4 أشهر، تتخلّلها مناقصات لتحديد الشركة التي ستستبدل النفط.

وخلال فترة تأمين الفيول المطلوب، تدور المعامل يوميًا بطاقتها القصوى القادرة على تحمّلها، وهي تختلف عن طاقتها القصوى المفترض أن تعطيها، وذلك بفعل عوامل تقنية عديدة. وحسب كميات الفيول المؤمّنة، تعطي المعامل نحو 4 ساعات تغذية، وتتولى شبكات النقل والتوزيع إيصالها إلى المواطنين. ومن المفترض أنَّ مؤسسة كهرباء لبنان تقوم بمهمّة إدارة نقلها وتوزيعها بطريقة عادلة.

وإلى جانب المعامل القديمة، هناك معامل جديدة أصغر حجمًا وإنتاجًا. وتدعمها باخرتا الطاقة التركيّتان. وقبل أزمة البلاد، كانت هذه المجموعة الكاملة، تنتج ما لا يزيد عن 1800 ميغاوات، حين يتم تأمين كميات الفيول المطلوبة.

وفي ظل عدم القدرة على تأمين الدولارات لشراء الفيول، تتراجع القدرة الانتاجية. فما كان يُشرى بنحو 200 مليون دولار، وهي قيمة سلفة الخزينة الأخيرة التي كانت تساوي قبل انهيار الليرة، نحو 300 مليار ليرة، لم يعد نفسه. علمًا أن المؤسسة كانت تطلب سابقًا ما لا يقل عن 1000 مليار ليرة للحفاظ على ساعات التغذية المعتادة، والتي كانت تتراوح بين 10 و16 ساعة يوميًأ، حسب المناطق، وفي بيروت الإدارية إلى نحو 21 ساعة. وهذه المليارات كانت تساوي أقل بقليل من 700 مليون دولار.

وعليه، يمكن فهم ما يحصل اليوم من خلال مقارنة ما كنا ندفعه للحفاظ على التقنين المعتاد، وما ندفعه اليوم لعدم خسارة المزيد من التغذية. والفارق بين المرحلتين، نحو 500 مليون دولار، تساوي اليوم 7500 مليار ليرة، في أحسن الأحوال مع انخفاض سعر صرف الدولار.

 

أين الكهرباء؟

اختلَّ التوازن بالنسبة إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وما كان يؤمَّن من فيول، لم يعد موجودًا اليوم إلا بنسب ضئيلة، وعبر عملية معقّدة يهدد تأمين الدولار استمرارها. وبعيدًا من توقُّع الأسوأ، زادت ساعات التغذية بفضل النفط العراقي، بنحو 4 ساعات. هكذا تقول وزارة الطاقة. لكن أين هي الساعات الأربع؟

لا أحد يلتمس التغيير، بل إن الانقطاع ازداد بدل تحسن التغذية. ويعود ذلك إلى خلل تقني تتحمّله مؤسسة كهرباء لبنان ومن خلفها وزارة الطاقة. فالمشكلة الراهنة لم تعد بالفيول. فمعملا دير عمار والزهراني على سبيل المثال، وعند تأمين الفيول، يعطيان في أفضل الأحوال نحو 750 ميغاوات، في حين يفترض بهما إنتاج نحو 900 ميغاوات. ومعملا الجية والذوق يعطيان نحو 600 ميغاوات بدل نحو 900 ميغاوات. والباخرتان تنتجان نحو 380 ميغاوات. فتبقى المشكلة في التوزيع والنقل والإدارة عبر غرف التحكم، التي ترفض مؤسسة كهرباء لبنان إدارة توزيع الكميات الضئيلة المنتَجة، عبرها. وبفعل إهمال مؤسسة كهرباء لبنان، يُفتَح الباب أمام فوضى التوزيع الذي يتحكّم به الموظفون المناوبون في محطات التوزيع. ونتيجة العشوائية، تنفصل الكهرباء وفق معادلة تُعرَف بانهيار الشبكة، فتنسحب المشكلة إلى معامل الانتاج، فتنطفىء. وإعادة تشغيل المعامل وانتاج الكهرباء، تحتاج بين 4 إلى 6 ساعات، وبالتالي، المنطقة التي كان من المفترض أن تتغذى بالساعات الثلاث أو الأربع التي أضافها الفيول العراقي، سيكون قد حان أوان انقطاع الكهرباء فيها قبل إعادة تشغيل المعامل. وما إن تدور المعامل لتغذّي المناطق التي حان دور تغذيتها، تعود عشوائية التوزيع إلى لعب دورها، فتنهار الشبكة... وتتكرّر العملية، لتُحرّم المناطق من الساعات الإضافية.

أما حالات التبديل بين التغذية والانقطاع بصورة متكررة، فتعود إلى احتمالين، إما أن الموظف في غرفة التحكم، يُبدِّل بين المناطق، وإما لمشاكل في شبكة النقل بفعل ما أحدثته العشوائية واحتراق بعض المحطات أو بعض المعدّات.

اعتزال مؤسسة الكهرباء

يعفي المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، كمال الحايك، نفسه من مسؤولية ما يحصل في مؤسسته. وإن كان يرمي المسؤولية في السابق على عدم تأمين الفيول، فإن هذه الحجّة انتفت اليوم، وبقي الجانب التقني. وتتساءل مصادر في المؤسسة خلال حديث لـ"المدن"، عن دور الحايك الذي يفترض أن "يستنفر كل جهوده في هذا الظرف الصعب". لكنه في المقابل "يتجاهل الفوضى الحاصلة في غرف التحكم، ويصر على عدم فتح الغرفة المتطورة في منطقة طريق الجديدة، والتي يمكن من خلالها تنظيم توزيع الكهرباء والاستفادة من 4 ساعات تغذية".

وتلفت المصادر النظر إلى أن الفوضى الحاصلة تزيد أكلاف مؤسسة الكهرباء وتهدد بعدم قدرتها على تأمين الكهرباء، حتى وإن انتظمت أمور البلاد ماليًا وعاد الاستقرار لسعر الصرف وأصبحت الدولة قادرة على تأمين الدولارات لشراء الفيول. فحينها، تكون المعدّات والمحوّلات وشبكات النقل قد تضررت أو تعطلت أو تلفت. وإن كان الدولار متقلبًا ومرتفعًا، فعلى المؤسسة شراء قطع الغيار بالدولار، وهذا أمر صعب". وتؤكد المصادر أن "تشغيل غرفة التحكم في طريق الجديدة يؤدي إلى تنظيم توزيع الكهرباء بما لا يقل عن 60 بالمئة إن لم نقل 100 بالمئة".