جابر: الودائع حق لأصحابها ولبنان يخط طريقه للتعافي من أزماته

 افتتح وزير المال ياسين جابر أعمال المنتدى الإقليمي، الذي نظمه إتحاد المصارف العربية في فندق كورال بيتش – بيروت، بعنوان:" برامج مساعدة القطاعات الاقتصادية والمصرفية في الدول التي تشهد أزمات – تجارب الدول العربية وخبرات القطاعات المصرفية المتقدمة"، في حضور فعاليات اقتصادية لبنانية وعربية وديبلوماسية. 

ألقى جابر كلمة قال فيها:" بداية، يسعدني اليوم أن أفتتح معكم اعمال منتدى اتحاد المصارف العربية في بيروت، كما يسعدني أن نلتقي سوياً مع نخبة من رجال الأعمال والمال والمصارف لتبادل الخبرات... لكن ما يؤلمني أن مؤتمرنا ينعقد ليناقش الأزمات المصرفية في ظل الأوضاع المتعثرة التي نعيشها ليس في لبنان فحسب، إنما في منطقتنا العربية، للأسف يعيش لبنان اليوم أزمة مصرفية حادة بعدما كان يحمل تاريخاً ناصعاً في العمل المصرفي، هو الذي شرع حماية السرية المصرفية عام 1956 وكان سباقا في إصدار قانون للنقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي وهو الذي استقطب أكبر المصارف العالمية إلى سوقه المصرفية والتي استحوذت حتى عام 1974 على ما يقارب 75% من السوق المحلية ولم يقتصر عملها على خدمة الاقتصاد المحلي بل كانت مركزاً إقليمياً لخدمة الأسواق العربية، بحيث أطلق على لبنان إسم "سويسرا الشرق ".

اضاف:" كما يؤلمني أن نتحدث عن الأزمة المصرفية التي نعيشها بدلاً من أن نتحدث عن برامج تحديث وتطوير وتنمية القطاع المصرفي. لكنه من دواعي السرور أن أعلن أن لبنان قد بدأ يخط طريقه بخطى علمية وعملية إلى بدء التعافي من الأزمة الاقتصادية المالية والمصرفية، ونسعى كحكومة وبجهد مضاعف وبدعم وبجهود كل المؤمنين باستعادة لبنان استقراره وريادته، إلى النجاح في هذه المهمة الاستثنائية، والتي لا تقتصر اسبابها على أزمة مالية بحتة، إنما على أوضاع سياسية وأمنية خاصة الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة والمتمادية، وظروف اقليمية معقدة عكست بتأثيراتها السلبية على الداخل اللبناني، وقد عانى لبنان عن فراغ رئاسي وخلل في انتظام عمل المؤسسات الدستورية وشلل في المؤسسات العامة والقطاع الخاص على السواء استمر لقرابة السنتين ونصف السنة. 

لكن ومع انطلاقة عهد وحكومة جديدين، وبدعم من دائم المجلس النيابي ورئيسه، بدأ لبنان يخط طريقه بخطى علمية ثابتة ومصممة باتجاه التعافي من أزماته المالية والمصرفية .

تابع:"لقد تمكنت الحكومة الحالية والمجلس النيابي مؤخراً بعد سنوات من الشلل، من تعديل قانون السرية المصرفية ومن إصدار قانون الإصلاح المصرفي ، كما يجري العمل على إقرار قانون الانتظام المالي ووضع برنامج لاعادة الودائع ليكون الباب مشرعاً أمام المصارف اللبنانية للعودة إلى للمساهمة بشكل فعال في إعادة النهوض الاقتصادي واعادة إعمار ما دمرته الاعتداءات الاسرائيلية، وعودة لبنان بلداً آمناً مستقراً وملاذاً للاستثمارات يستقطب المصارف العربية والأجنبية، هذا ما نسعى اليه وهذا ما نأمله كي يعود واحة أمن وأمان وازدهار".

واشار جابر إلى ان لبنان تعرض" على مر تاريخه لبعض الأزمات المالية والمصرفية، واستطاع الخروج منها ومن بعدها التعافي وهذا مصدر رجائنا اليوم، لكن الأزمة الأخيرة اختلفت عن سابقاتها لتشمل كامل النظام المصرفي من خلال انضمام المصرف المركزي إلى عناصر الأزمة وأصبحت أيضاً أزمة نظام مالي بعد أن اتخذت الحكومة اللبنانية في نيسان 2020 قراراً بالتوقف عن سداد ديونها المحررة بموجب سندات دولية متداولة بالعملة الأجنبية .

هذه الأزمة يمكن أن تكون فريدة في العالم حيث تطال المصارف والمصرف المركزي والخزينة في وقت واحد وبعملة لا يصدرها مصرف لبنان ولا تتحكم بها الخزينة ويُصاب بها أصحاب الودائع وأصحاب الحقوق.

وازاء هذا تقف الحكومة اليوم موقف المسؤول تجاه معالجة الأزمة مع الاحتفاظ بكافة المعايير وأصول التصحيح النقدي والمالي وهي تضع نصب اهتمامها الأطراف كافة وبتراتبية أفقية لأجل المساواة في الحقوق والأطراف وهم :

- 1 الخزينة العامة

- 2 مصرف لبنان

- 3 القطاع المصرفي

- 4  المودعين

وموقفنا واضح وهو حفظ أموال المودعين، ونصر على أن الودائع حق لأصحابها إلا إذا تبين وفقاً لكل المعايير الدولية أن بعض الودائع تعود لجهات مشبوهة أو أن مصادرها مشبوهة.

اضاف:" وفي سعينا لحفظ الحقوق نحرص أن يعود مصرف لبنان مصرفاً ناظماً للقطاع المصرفي يتمتع بحوكمة وملاءة ثابتة وأن يكون العمل مشتركاً مع الحكومة لأجل إعادة الانتظام المالي والنقدي.

نحن ندرك أن لا اقتصاد بدون مصارف وأن لا عودة للثقة دون حفظ حقوق المودعين . كما أن لا فرص لإعادة تصنيف لبنان وإخراجه من اللائحة الرمادية إلا بوجود قطاع مصرفي سليم ورقابة مصرفية تمنع محاولات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتضع حداً للاقتصاد النقدي المتمادي في السوق اللبنانية.

في مواجهة كل هذا، قامت الحكومة بتعديل قانون السرية المصرفية وأعطت مصرف لبنان والجهات الرقابية والقضائية صلاحية الاطلاع على الحسابات الدائنة لغرض إعادة هيكلة المصارف ولأجل الرقابة الدورية ومتابعة محاربة تبييض الأموال، كما قامت بإعداد مشروع الإصلاح المصرفي لجهة معالجة حالات التعثر من خلال إعادة الهيكلة وتم ذلك بالتباحث مع كافة الأطراف من مصارف ومودعين وأيضاً مع صندوق النقد الدولي، وتُوجّت الجهود بإقرار المجلس النيابي القانونين والعمل مستمر  لإعداد مشروع الانتظام المالي وإعادة الودائع". 

تابع:"إن الهدف الأساسي لأي خطة معالجة هو إعادة الثقة بالسوق اللبنانية وهذا لا يتحقق إلا باحترام حقوق الآخرين ولن يكون قانون إعادة الودائع إلا في هذا الاتجاه. ندرك ايها السادة ان عوامل عديدة ساعدت على تفاقم الأزمة، واذا استثنينا الازمات المرتبطة بالسياسة والأمن فإن الاعتماد على الدين الخارجي وغياب الشفافية والمحاسبة وسواها عوامل فاقمت الازمة التي عشناها في السنوات الأخيرة. ان الحكومة تعمل بجدية لأجل العودة إلى الانتظام المالي، كما تعمل بجدية على  إنجاز الإصلاح المصرفي ولاجل ذلك قامت الحكومة بتعيين حاكم للمصرف المركزي وأربعة نواب للحاكم، إضافة إلى رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف وهي الحكومة الأولى التي قدمت مشروعاً اصلاحيا متكاملاً ولن تتأخر في العمل على وضعه موضع التنفيذ. 

وختم جابر مؤكدا "أن الأزمات تساهم في تقوية البنيان شريطة ألا تؤدي إلى كسر هذا البنيان ونأمل أن نكون قد تعلمنا مما نعانيه وأن نتكلم حين نلتقي مستقبلا عن إنجازات لبنان في تخطي الأزمات والعودة إلى الازدهار والنمو والاستقرار".

وفي ختام الجلسة الافتتاحية تسلم الوزير جابر درعا تكريمية. كما تسلم الاعلامي موريس متى درعا . 

 

طربيه
في بداية  الجلسة ألقى رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه كلمة رأى فيها ان "الإصلاح المصرفي والنقدي أساس للتنمية المستدامة، إذ يضمن استقرار الأسعار، جذب الاستثمار، وتمويل القطاعات الحيوية"، مشيرا إلى أن "تعزيز رسملة المصارف، إدارة المخاطر، الشمول المالي والرقمنة يقوي دورها التنموي، فيما استقلالية البنوك المركزية وضبط التضخم يحمي الاستقرار".
 
وأكد طربيه ان "اتحاد المصارف العربية يواكب هذه الجهود ويجمع الخبرات لدفع الإصلاح ومواجهة التحديات وتحويلها لفرص".وقال:"يسعدني أن أرحب بكم جميعا في بيروت، عاصمة الفكر والحوار والانفتاح، ومقر اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، حيث نلتقي اليوم في هذا المؤتمر الهام الذي ينظمه الاتحاد بعنوان "برامج مساعدة القطاعات الاقتصادية والمصرفية في الدول التي تشهد أزمات - تجارب الدول العربية وخبرات القطاعات المصرفية المتقدمة". 
 
أضاف :"وإنه لمن دواعي اعتزازنا، أن يجتمع على هذه المنصة كوكبة من القيادات المصرفية والاقتصادية والخبراء من دولنا العربية ومن العالم للتباحث في قضية دقيقة تمس صميم الاستقرار المالي والمصرفي والاقتصادي في منطقتنا".
 
وتابع :"تمر منطقتنا العربية بمرحلة غير مسبوقة من الأزمات والتحديات المتداخلة. فقد واجهت بعض دولنا أزمات نقدية ومصرفية عميقة أدت إلى تراجع الثقة بالقطاع المصرفي وتأكل رأس المال، كما حصل في بعض التجارب التي ما زالت ماثلة أمامنا. فيما عانت دول أخرى من ضغوط مالية هائلة نتيجة العجز المالي والدين العام، انعكست مباشرة على المصارف عبر ارتفاع المخاطر الائتمانية وتزايد الديون المتعثرة.ولا تقتصر الصورة على الداخل فقط، إذ جاءت التداعيات الإقليمية والدولية لتزيد المشهد تعقيدا".

واستطرد طربيه :" فمن الحروب والنزاعات المحلية والإقليمية التي دمرت البنية التحتية وشتتت الاستثمارات إلى الأزمات الاقتصادية العالمية وما نتج عنها من تضخم جامح، وارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ في النمو، وصولا إلى التوترات الجيوسياسية الدولية التي انعكست على أسعار الطاقة والغذاء، وزادت من أعباء الاقتصادات الهشة.

عند النظر إلى تجارب الدول العربية في مواجهة الأزمات المصرفية والاقتصادية نجد نماذج متباينة لكنها مليئة بالدروس المستفادة. فالدول مثل مصر، والأردن والمغرب، ودول الخليج، تمكنت من تعزيز استقرار قطاعاتها المصرفية من خلال إصلاحات هيكلية شاملة، شملت رسملة المصارف، تطوير آليات الرقابة والإشراف وإعادة هيكلة الديون، إضافة إلى تعزيز الشمول المالي ودعم الابتكار المصرفي. 
هذه التجارب أثبتت أن التخطيط الاستراتيجي، والشفافية، والحوكمة الرشيدة، يمكن أن تحوّل الأزمات إلى فرص لتعزيز متانة النظام المالي".
 
وأردف طربيه:" ومع ذلك، تبقى التحديات التي تواجه الدول العربية كبيرة ومتنوعة، إذ أن الأزمة في دولة واحدة قد يكون لها تداعيات مباشرة أو غير مباشرة على دول الجوار، في ظل العولمة الاقتصادية والترابط المصرفي الإقليمي. لذلك، أصبح التكامل والتنسيق العربي ضرورة استراتيجية، يشمل تبادل الخبرات، ووضع آليات مشتركة للتدخل عند الأزمات، وتطوير أدوات عربية لدعم الاستقرار المالي، مثل صناديق طوارئ إقليمية أو برامج تعاون مصرفي عربي. إن هذه المنظومة التعاونية لا تساعد فقط على مواجهة الصدمات بشكل أسرع وأكثر فاعلية، بل تعزز أيضاً قدرة المصارف العربية على لعب دور محوري في دعم التنمية المستدامة، وتحويل القطاع المصرفي إلى شبكة أمان اقتصادية إقليمية قادرة على حماية الدول والمجتمعات العربية".

واشار إلى أننا "ونحن نجتمع اليوم في بيروت، لا يمكننا أن نغفل التجربة اللبنانية، التي شكلت نموذجا صارخا للأزمات المركبة التي قد تواجه القطاعات المصرفية. فقد تعرض لبنان خلال السنوات الأخيرة لانكماش اقتصادي عميق، وتدهور نقدي، وأزمة مصرفية أثرت على المودعين والمصارف والاقتصاد على حد سواء. إلا أن هذه التجربة، على قساوتها، تحمل دروسا بالغة الأهمية فهي تذكرنا بضرورة التحوط المسبق، وتؤكد أن غياب السياسات الاقتصادية السليمة والحوكمة الرشيدة يضاعف من حدة الأزمات. كما تبرز الحاجة إلى بناء شبكات أمان مالية ومصرفية عربية مشتركة قادرة على التدخل عند الأزمات".

وأعتبر "إن التجربة اللبنانية، ومعها تجارب عربية أخرى، يجب أن تكون حافزاً لنا جميعاً لتسريع الإصلاحات، وللاستفادة من خبرات الدول المتقدمة التي نجحت في احتواء أزماتها المصرفية وإعادة هيكلة أنظمتها المالية". وقال :" وعند الحديث عن التجربة اللبنانية، لا بد من التوقف عند ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، حيث يرتكز الاهتمام الآن على إصدار قانون يتناول معالجة "الفجوة المالية" وهي تتمثل في الفرق بين مجموع ودائع القطاع المالي المدرجة في ميزانية البنك المركزي والتي تبلغ ما يتجاوز 82 مليار دولار من الالتزامات تجاه المصارف والمودعين، يقابلها موجودات لدى المصرف المركزي تقارب قيمتها 50 مليار دولار تتمثل بالاحتياطات النقدية والذهب والموجودات العقارية واسهم الشركات".

وتابع :"ومقابل هذه الفجوة بين الموجودات والمطلوبات، يطرح موضوع تسديد الودائع وهي مشكلة دقيقة يختلط فيها الموضوع التقني والقانوني والانساني والاقتصادي وكذلك السياسي. كما تعتبر قضية توزيع الاعباء المالية الناتجة عن الازمة بين الدولة، والمصرف المركزي والمصارف الاحجية الرئيسية التي تؤخر انجاز قانون الفجوة المالية، وسيكون هذا الموضوع بنداً رئيسياً يتناوله هذا الملتقى".

وراى طربيه "في الواقع، إن حل مشكلة الودائع ونجاح اعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني يعتبر المدخل الرئيسي لأية خطة تعافي اقتصادي ومالي وهو يتطلب تعاوناً وثيقاً بين السلطات النقدية والمالية، لإرساء نموذج إصلاحي يعيد الثقة بالقطاع المالي اللبناني، ويشكل مرجعاً لباقي الدول العربية التي قد تواجه ظروفاً مشابهة. ولا يخفى على أحد أن الإصلاح المصرفي والنقدي يشكل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في الدول العربية. فالقطاع المصرفي هو القناة الرئيسية لتعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار المنتج، بينما السياسة النقدية الرشيدة هي الضامن لاستقرار الأسعار وتعزيز الثقة بالاقتصاد".

كما أشار إلى "إن الإصلاح المصرفي، من خلال تعزيز متانة القاعدة الرأسمالية، وتحسين إدارة المخاطر، وتعزيز الشمول المالي، واعتماد الرقمنة، يسهم في تمكين المصارف لعب دورها كممول للتنمية، لا مجرد وسيط مالي. أما الإصلاح النقدي، القائم على استقلالية البنوك المركزية، واعتماد أدوات فعالة للسيطرة على التضخم وتقلبات أسعار الصرف، فيعد شرطاً أساسياً لتهيئة بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار. ومن هنا، فإن ربط الإصلاحين المصرفي والنقدي بأهداف التنمية المستدامة، يعني توجيه الموارد نحو قطاعات حيوية كالتعليم الصحة الاقتصاد الأخضر، والبنية التحتية، مع تعزيز الشفافية والحوكمة.

هذه المقاربة المتكاملة تجعل من النظامين المصرفي والنقدي أداة فاعلة لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد، وتنمية شاملة تلبي تطلعات الأجيال القادمة".

واكد طربيه "إن اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، إذ يسلطان الضوء على هذه القضايا في مؤتمرهما اليوم، يؤكدان التزامها بأن يكونا شريكان أساسيان في صياغة الحلول، عبر جمع الخبرات، وتوفير منصات للحوار، ونقل التجارب الناجحة من الدول العربية والدول المتقدمة على حد سواء.لا شك أن الطريق أمامنا مليء بالتحديات، لكنه أيضاً مليء بالفرص.

 وإذا ما أحسنا استثمار هذه الأزمات كحافز للإصلاح والتحديث، فإن قطاعنا المصرفي سيكون أكثر صلابة، وأكثر قدرة على قيادة مسار التنمية في دولنا العربية".

سرنجي 

و القى رئيس مجموعة الازدهار الاقتصادي المشترك الدكتور نيرنجان سرنجي كلمة وكيل الأمين والامينة التنفيذية لمنظمة الإسكوا الدكتورة رولا دشتي، قال فيها:" تتوافق أجندتكم مباشرة مع التزام إشبيلية الذي اعتمد قبل أشهر قليلة خلال المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، والذي يدعونا جميعا إلى مواجهة تحديات الديون وتوسيع نطاق التمويل المستدام عبر آليات تمويل مبتكرة، وجذب رأس المال الخاص، وتعزيز هيكل الاستجابة للأزمات. في منطقتنا، تلعب المصارف دوراً محورياً في تحويل هذه التعهّدات العالمية إلى مشاريع استثمارية على أرض الواقع".

وأوجز سرنجي واقع الدين والمالية العامة في المنطقة استنادا إلى تقرير الإسكوا حول آفاق الدين والمالية:

  1. بلوغ الدين مستويات حرجة: يقترب الدين العام الإقليمي من 1.6 تريليون دولار عام 2024. وتحمل الدول العربية متوسطة الدخل نحو 850 مليار دولار – أي حوالي 70% من ناتجها المحلي – فيما تتجاوز بعض الدول نسبة 90%. أما دول مجلس التعاون الخليجي فارتفع دينها من 9% من الناتج المحلي في 2014 إلى 32% في 2024 (نحو 700 مليار دولار). بعض الدول الأقل نمواً والمتأثرة بالنزاعات تعاني ضائقة ديون.
  2. تمويل أغلى وهامش مالي أضيق: انتقل الاقتراض الخارجي نحو الدائنين الخواص بعيداً عن المصادر الميسّرة، خصوصاً للدول متوسطة ومنخفضة الدخل. بلغت خدمة الدين الخارجي في الدول متوسطة الدخل أكثر من ضعفها لتصل إلى نحو 15% من الإيرادات بحلول 2023، ومن المتوقع أن تبقى مرتفعة حتى 2027.
    3. نمو شبه جامد وأعباء متزايدة: ظل نصيب الفرد من الناتج المحلي الحقيقي ثابتاً تقريباً عند 7,000 دولار لعقد من الزمن، بينما ارتفع نصيب الفرد من الدين الحقيقي بنسبة 78% (من 1,800 إلى 3,200 دولار)، ما يشير إلى مخاطر بين الأجيال وضغوط مالية.

وراى انه "وسط هذا الواقع، كانت متانة القطاع المصرفي ركيزة لبرامج المساعدة في المنطقة، مقرونة بإصلاحات كبرى وتدابير لإعادة هيكلة القطاع المالي كما رأينا في مصر والأردن. ويجب أن يستمر هذا العمل. لكن الاستقرار الاقتصادي يظل ناقصاً من دون خدمات اجتماعية وحماية اجتماعية أساسية. ففي الأزمات، أثبتت برامج التحويلات النقدية استحقاقها في منع التراجع في التنمية البشرية. فبرامج التحويلات النقدية – مثل الصندوق الوطني للمعونة في الأردن، وبرنامج أمان في لبنان، والبرامج الطارئة في اليمن – أساسية لحماية الناس ولتعزيز مصداقية الإصلاحات.

واشار إلى أن " الدروس العالمية من اضطرابات القطاع المصرفي عام 2023 – بما في ذلك أزمتي بنك سيليكون فالي في الولايات المتحدة وكريدي سويس في أوروبا – فهي واضحة: إدارة صارمة لمخاطر أسعار الفائدة والسيولة، الحد من الاعتماد على الودائع السريعة الهروب، وضمان الجاهزية لعمليات الحلّ. وهذه ليست نظريات بل قائمة عملية للمشرفين ومجالس الإدارة".

ولفت سرنجي إلى انه "تواجه منطقتنا هشاشات خاصة يجب التعامل معها. فحجم حيازة المصارف للديون الحكومية المحلية يضخّم الصدمات بين القطاعين المالي والماليّة العامة. وكسر حلقة التغذية المتبادلة بين السيادة والمصارف يتطلب أُطر مالية متوسطة المدى، وتنويع أصول المصارف وتطوير أسواق رأس المال المحلية".
 
وقال :"المصارف ليست فقط عماد الاستقرار المالي في منطقتنا، بل هي محرك للاستثمار في المناخ وأهداف التنمية المستدامة".

وتطرق سرنجي الى  أُبرز خمس أولويات للمصارف في منطقتنا:

  1. تعزيز إدارة المخاطر: أظهرت الأزمات العالمية الأخيرة أن الصلابة تتطلب اختبارات ضغط متينة، ومراقبة دقيقة لمخاطر أسعار الفائدة، وتخطيطاً للسيولة.
  2. بناء مرونة تنظيمية: نحتاج إلى تأمين ودائع أقوى وأطر تسوية موثوقة لضمان تحرك سريع وحاسم وقت الصدمات.
  3. تنويع مصادر التمويل والأصول: لم يعد الاعتماد المفرط على الدين السيادي أو الإقراض المركّز مستداماً.
  4. إعادة التفكير في نماذج الأعمال: الانتقال من الوساطة التقليدية إلى التمويل التحفيزي – من خلال تعبئة رأس المال الخاص، وتحمّل المخاطر الأولى في هياكل التمويل المدمجة، ودعم الأولويات الوطنية والإقليمية بما ينسجم مع التزام إشبيلية.
  5. تبنّي أدوات تمويل مبتكرة: مثل التوسع في السندات الخضراء وسندات المواضيع الأخرى، ومبادلات الدين من أجل المناخ/أهداف التنمية المستدامة التي تعزز الحيّز المالي لمشاريع تنمية مستدامة ذات مصداقية. لقد شهدنا تقدماً في السنوات الأخيرة – مثل إصدار مصر للسندات الخضراء والساموراي، وتطوير الإمارات لسندات خضراء للشركات، ووضع عُمان والعراق أطر تمويل مستدام. غير أن فجوات القدرات بين الدول ما زالت كبيرة ويجب معالجتها.

أضاف :"الإسكوا تكثّف جهودها: نساعد الدول على تعزيز الإحصاءات والتقارير والجاهزية التنظيمية، وإعداد حزم مشاريع للوصول إلى أدوات التمويل المبتكرة، والدعوة إلى آليات تقليل المخاطر لجذب رأس المال الخاص. هدفنا هو تحسين استعداد الدول لتمكين الحكومات والمصارف العامة والشركات من الوصول إلى هذه الأدوات على نطاق واسع وبشروط أفضل. كما نعزز التنسيق الإقليمي لتطوير استراتيجيات تحسين إدارة الديون من خلال مجموعة إدارة الدين العربية التي يُعد اتحاد المصارف العربية شريكاً فاعلاً فيها. ونتطلع إلى استمرار هذا التعاون".
 
وختم :"ما زالت التحديات قائمة – من الأزمة غير المحسومة في لبنان وضغوط العملات في أماكن أخرى إلى التعرضات القطاعية، والهشاشة المناخية، والصراعات. ومع ذلك، يمكن للمصارف العربية أن تكون محفزاً: تسد فجوات السيولة وتمويل المناخ والاستثمار من خلال توسيع أدوات تقلل المخاطر وتجذب راس المال الخاص". 

عربيد

بدوره القى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في لبنان شارل عربيد كلمة راى فيها ان "منطلق هذه الفكرة في أنها تضع ملتقى "برامج مساعدة القطاعات المصرفية في الدول التي تشهد أزمات، وتجارب الدول العربية وخبرات القطاعات المصرفية المتقدمة"، في نصاب الشراكة في المسؤولية حول البحث عن شكل مختلف للمستقبل، يصوغه المخلصون بالعمل في هذا القطاع ومعه، بهدف إعادة تدعيم اقتصاداتنا، انطلاقا من أحد أهم أعمدته ومحركات الزخم فيه: القطاع المصرفي". 

أضاف :"هذا القطاع الذي يعكس في حركته صورة الاقتصاد وأرقامه المشبعة بالمعنى، وواحدة من أدوات قياس النبض لحركته الاجتماعية وتفاعلاتها، ومواطن الصحة أو العلّة فيها.
وفي لبنان، لم يكن القطاع المصرفي يوما مجرد وسيط بين المدخر والمستثمر، بل لعب دورا تأسيسيا في صياغة النموذج الاقتصادي اللبناني منذ الاستقلال. لكن هذا الدور الذي قام  على قواعد الانفتاح والثقة، عانى من دوراتٍ زمنية متكررة لأسبابٍ كثيرة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو مالي واقتصادي، فضلا عن الفساد وضعف الحوكمة الرشيدة".

وتابع :"وهكذا، فإن ما نشهده منذ عام 2019 يعبِر عن أزمة بنيوية شاملة، طالت كل عناصر المنظومة الاقتصادية والمالية، وأدت إلى تراجع الثقة بالقطاع المصرفي إلى مستويات غير مسبوقة، حتى غدت العلاقة بين المودع والمصرف مثقلةً بالمرارة تجاه الماضي والحاضر،والشكوك تجاه الحاضر والمستقبل".

وقال :"إن تقلّص حجم الاقتصاد خلال سنوات قليلة، وانهيار سعر الصرف الذي ضرب العملة الوطنية كوعاءٍ للثقة، قبل أن تكون سلعة للتبادل، أدى إلى نتائج كارثية على اقتصادنا الوطني، تمظهرت في مزيد من الذوبان للطبقة الوسطى، وتآكل الأجور إلى حدٍ غير معقول وغير لائق، الأمر الذي شيّد مشهداً قاتماً من الفقر والبطالة، بظلالٍ اجتماعيةٍ عميقة على الاستقرار المجتمعي والنسيج الأهلي، إلى جانب كل ما تعرفونه من عوامل الحرب وتعاظم التهديدات الأمنية.

ورافق هذه السنوات، عجز عام عن إنتاج رؤيةٍ إصلاحية شاملة، والاكتفاء بمعالجات جزئية أو مؤقتة، أشبه بترميم سقفٍ متصدّع فيما الأسس كانت تؤول للسقوط".

وشدد عربيد على انه "حتى لا نغرق مجدداً في دوامة التوصيف والسلبية، نعود إلى هنا، حيث دخلناً زمناً جديداً من المعالجات التي نريدها أن تكون فاعلةً ومبشرة. وفي صلبها دورٌ محوريٌ للسياستين المالية والنقدية، وللقطاع المصرفي الذي يتطلع اليوم إلى استعادة الثقة، وبثها في المجتمع، مدعوماً بخطواتٍ متوازية رئاسية وبرلمانية وحكومية".

وأكمل عربيد :"ونحن حين نتحدث عن السيولة أو إعادة الرسملة أو إعادة هيكلة الدين، فإننا نتحدث ضمنا عن حياة الناس: عن المودع والمدخر، عن المؤسسات الصغيرة التي تبحث عن تمويلٍ لتنمية الإبداع، وعن الرواد الكبار الذين يستعدون لحمل الاقتصاد مرةً أخرى على أكتافهم، لكنهم يحتاجون إلى قطاع مصرفي موثوق ونشط". 

ورأى عربيد "إن معالجة الأزمة تستوجب رؤيةً شمولية تتجاوز الحسابات الرقمية، لتطال إعادة ترميم العلاقة بين المصرف والمجتمع، بين رأس المال والعمل، بين الدولة والمواطن. إن تجارب الدول العربية والدول ذات القطاعات المصرفية المتقدمة تبيّن أن النجاح لا يكمن فقط في ضخ السيولة أو إعادة الجدولة، بل في صياغة سياسات عامة متكاملة:

- المالية العامة وضبط العجز، بما يمنع تكرار الحلقة المفرغة من الدين والفوائد.

- الشفافية والحوكمة الرشيدة، بما يعيد الثقة ويستقطب الاستثمارات.

- إعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحوٍ يوازن بين حماية المودعين وضمان استمرارية المصارف.

- ربط دائم، ذكي ودقيق، للسياسات النقدية والمالية بالبعد الاجتماعي: حماية الفئات الأكثر هشاشة، وضمان شبكة أمان اجتماعية متينة".

واشار إلى أنه "هنا يبرز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وهو ليس جهةً تنفيذية، ولا مؤسسة تقنية بحتة، بل هو منبر للحوار الوطني التشاركي، ووعاء تفكير جماعي منتج للحلول ومصنع للأفكار، يقترح على صناع القرار حلولاً ومعالجات متكاملة، مصاغة من العمال وأصحاب العمل والنقابات والمجتمع المدني والخبراء، ومختلف مكونات المجتمع النشطة. لقد أطلق المجلس خلال السنوات الماضية حلقات نقاشٍ مفتوحة حول الإصلاحات المطلوبة اقتصادياً، مالياً ومصرفياً، وصاغ آراءً رفعت إلى المسؤولين، مؤكداً أن الخروج من الأزمة يتطلب مقاربة تشاركية، تعترف بالواقع، وتبني على التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وقال:" وإذا أردنا أن نلخص المشهد في صورة بيانية، يمكن القول إن الاقتصاد اللبناني أشبه بميزانٍ دقيق: في كفّةٍ أولى، قطاعٌ مصرفي كان تاريخياً خزّان الثقة، وفي الكفّة الثانية، مجتمعٌ يبحث عن العدالة والأمان. حين اختلّت الموازين، انهار الميزان بأسره. والآن، جميعنا نبحث عن الثقة، لنؤسس فوقها ميزان المستقبل الجديد. وثمة نافذة أمل هي استعادة حضور القطاع المصرفي على أسسٍ جديدة من الشفافية والمساءلة والعدالة، وتحويل الأزمة إلى فرصة لإعادة صياغة النموذج الاقتصادي اللبناني، بحيث يتمحور حول الإنتاج، والشراكات مع الخارج المعتمدة على قاعدة داخلية صلبة.

وفي هذا السياق، سوف يعقد مؤتمر بعنوان: بيروت واحد في الثامن عشر و التاسع عشر من تشرين الثاني المقبل، بتنظيم مشترك ما بين وزارة الاقتصاد و التجارة و المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بهدف اعادة بناء الثقة وتحفيز الاستثمار".

واكد عربيد على "إن مستقبل لبنان خيارٌ نصنعه بإرادتنا. والقطاع المصرفي، بما له من وزنٍ وتأثير، يمكن أن يكون إما عبئاً يرسّخ الأزمة، أو رافعةً تفتح باب الخروج منها. والقرار هنا يرتبط بقدرتنا على صياغة سياسات عامة متكاملة، وعلى إطلاق زخمٍ وطني جامع، يتشارك فيه كل الفاعلين: الدولة، المصارف، المجتمع المدني، والهيئات الإقليمية والدولية".
 
وختم عربيد :"إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إذ يشارك في هذا الملتقى، يجدد التزامه بأن يكون جسر حوار وتلاق ، ومنصةً لصياغة الآراء التي تعكس رؤية وطنية جامعة، وتوازن بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة".

وتمحورت الجلسة الاولى حول البنوك المركزية في دعم المصارف خلال الأزمات وعن برامج اعادة التمويل والتيسير الكمي والنقدي، إضافة إلى أدوات السياسة الاحترازية الكلي. المتاحة. 
 
اما عنوان الجلسة الثانية فهو تشخيص الواقع الحالي للقطاعات المصرفية في الدول العربية المتأزمة ويطرح فيها مواضيع عن: الوضع المالي والمصرفي وحجم التعثر والانكماش وتآكل الرساميل ومدى فعالية الإجراءات التنظيمية والرقابية.

وتستمر أعمال الملتقى اليوم وغدا في 19 الحالي.